لماذاالوساطةكأحدالبدائللحسمالمنازعات ؟

Asia 728x90

لماذا الوساطة كأحد البدائل لحسم المنازعات ؟

تطورت التجارة الداخلية والعالمية وتشعبت طرقها وأساليبها ونتج عن ذلك ظهور بعض المنازعات الحادة بين الأطراف وقد اضطر بعضهم اللجوء إلي المحاكم لإثبات حقوقهم المغصوبة والسعي لتنفيذ الأحكام القضائية. ولكن مع مرور الزمن ازدادت القضايا وتعقدت دهاليزها مما أدي لتأخير الفصل وإصدار الأحكام لدرجة تقود إلي الاعتقاد بنكران العدالة لأنتأخير العدالة نكران لها“. وللخروج من هذا الوضع المقلق، وحتى تستمر الأمور بطبيعتها، لجأ الأطراف للبحث، وبجدية تامة، عن بدائل أخري لتسوية المنازعات حفظا للحقوق . ومن البدائل الناجحة لتسوية المنازعات نذكر اللجوء للتحكيم أو التوفيق أو الوساطة، ولكل من هذه البدائل صفاتها ومميزاتها الخاصة.

وبالنسبة للوساطة “مدييشن”، خاصة في المنازعات التجارية، نشير إلي أنها موجودة وتمت ممارستها منذ قديم الأزل وتجد اهتماما خاصا في ديننا الإسلامي الحنيف الذي يدعو إلي فعل الخير من كل أبوابه وخلق جو الطمأنينة والتكاتف والتآلف بين الناس تحت كل الظروف ومن هنا تبدأ الوساطة. ولكن من الملاحظ أن الوساطة تمكنت، في الفترة الأخيرة، من أخذ مكانة متميزة كأحد البدائل الهامة لتسوية المنازعات في العديد من دول العالم. حيث يقوم أطراف النزاع بتعيين طرف محايد ليقوم بدور الوسيطبغرض الوصول إلي حلدون مساس بالحقوق“. وهذه النقطة الخاصةبحفظالحقوق لها أهمية بالغة من الناحية القانونية لأنها تمنح الأطراف الطمأنينة المطلوبة إضافة لراحة البال بحفظ الحقوق إذا تطلب الأمر السير في الإجراءات القانونية \ القضائية ، إذا لزم الأمر.

وكما ذكرنا فان لكل وسيلة من بدائل تسوية المنازعات مميزات خاصة بها، ومن مميزات الوساطة نذكر أنه يجوز للأطراف المتنازعة، صاحبة الشأن، اللجوء إلي الوساطة في أي وقت أثناء النزاع بينهم وحتى إذا كان النزاع ينظر فيه أمام المحاكم القضائية أو هيئات التحكيم. ومن الأسباب القوية للبحث عن بدائل لتسوية المنازعات أن القضايا أصبحت معقدة جدا وأن القضاء، كما ذكرنا، يأخذ سنوات طويلة لإصدار الحكم النهائي وسنوات طويلة للتنفيذ, ومن المميزات الخاصة بالوساطة أنها توفر سرعة قصوى في حسم المنازعات ( القانون الأردني مثلا يحدد 3 أشهر) بل قد يتم الحسم والاتفاق خلال ساعات أو أيام، وهذا حدث فعليا وفي حالات عديدة.

من مميزات الوساطة أيضا توفيرها للسرية الكاملة المطلقة لأن كل الأمر يجب أن يبقي طي الكتمان إلي ما لا نهاية، ويكون السر محصورا بين الأطراف فقط ولاينشرفي الخارج لاطلاع المتطفلين ومن في شاكلتهم. وفي هذا بالطبع اختلاف كبير عن المحاكم التي تتم في علانية تامة وتظل أبواب المحاكم وردهاتها مفتوحة للمارة ولمروجي الأخبار الذين ينقلون هذه الأخبار للعامة ويزيدون عليها ملحا، وفي هذا قد يتضرر أطراف النزاع بدرجات متفاوتة ودرءا لهذا الوضع يتم الابتعاد عن المحاكم والاستعاضة عنها ببديل الوساطة.

إضافة لهذا فان الوساطة تتميز بقلة التكاليف لأن عدم السرعة في الفصل يرفع من قائمة الفواتير والتكلفة التي تكون عرضة للزيادة بمرور الزمن، والزمن نفسه فيه تكلفة، ولذا فان من مميزات السرعة في الفصل تقليل التكاليف على الأطراف وفي هذا فائدة مادية محسوسة ذات قيمة كبيرة لأن الزمن يعني الفلوسإن لم يكن أكثر منهالرجال الأعمال والتجارة. بل إن بعض البلدان وحرصا منها علي تقليل التكاليف أشارت في قوانين الوساطة

إلي أن الوساطة تكون مجانية إذا تمت عبر المحاكم.

هناك نقطة قانونية إجرائية هامة تتمثل في أن الوساطة تتميز، بل تختلف، عن التحكيم والمحاكم في أنها ذات ميكانيكية تتيح لها التطرق إلي كل الحلول الممكنة من اجل تسوية النزاع أو بمعنى آخر نستطيع القول أنها حرة طليقة غير مقيدة، ويجوز لها أن تتبع كل السبل الممكنة لسبر أغوار النزاع وحلحلته وغربلته لتمكين الأطراف من اتخاذ القرارات المناسبة. وبالطبع إذا تم مقارنة هذا الوضع مع المحاكم نجد أن بالمحاكم تقييد يتمثل في إتباع نقاط النزاع التي تعدها المحكمة أو ما يقدمه الأطراف وفق الإجراءات المسموح بها ووفق النص عليها في قوانين الإجراءات.

ومن الايجابيات الهامة، أن الوساطة تمنح أطراف النزاع الحق الكامل في اختيار الوسطاء بصفتهم الشخصية أو عبر المؤسسات الخاصة بهذا الغرضالوساطة المؤسسية. وذلك على حسب الكفاءة التراكمية والخبرة المرتبطة إضافة للتخصص المهني. وحق الاختيار هذا غير موجود عند نظر النزاع أمام المحاكم لأن القاضي المختص هو صاحب السلطة في نظر النزاع حتى النهاية ولهذا فانه، وبصفة عامة، لا يتدخل الأطراف في اختيار القضاة بل لا يجوز لهم. وبالمقارنة فان حق اختيار الوسطاء يمنح الثقة في أن الأمر فيأيدي أمينة وخبيرةأو على أقل تقدير أن الأطراف قاموا باختيارهم بأنفسهم وفي هذا ضمان كبير خاصة للمستثمرين الأجانب لقناعتهم أن الوسيط الذي اختاروه يعرف كيف يقوم بدوره. مع ملاحظة أن الغالبية العظمي من الوساطة في الوقت الحاضر تتم عبر الوسطاء الذين تم اختيارهم بصفتهم الشخصية دون الرجوع إلي مراكز خاصة مثل مراكز التحكيم العالمية أو الإقليمية الموجودة حاليا أو من القضاة في قاعات المحاكم بمختلف درجاتها. وبالطبع هناك سلبيات وايجابيات في اختيار الوسيط “الحر” أي

بصفته الشخصية ونفس القول ينطبق، وبدرجة أقل، علي الوساطة المؤسسية عبر المراكز.

وهناك ، على الجانب الآخر، مميزات ذات طابع نفسي يجب ألا نجهلها، ومنها أن الوساطة توفر المناخ المناسب للقاءوجها لوجهبين الأطراف ولهذا مفعول نفسي عميق واثر شخصي كبير خاصة أذا تصافح الأطراف وعندما يمد كل طرف يده للآخر وتلتقي النظرات أو البسمات التلقائية والكلمات الترحيبية، و كل هذا، له آثار نفسية بعيدة قد تقود إلي تسوية النزاع ونسيان مراراته خاصة وأن الوساطة تهتم دائما بإعطاء عناية خاصة للعادات المحلية والتقاليد وبعض المؤثرات الأخرى بطريقة قد يصعب توفرها أمام المحاكم وهيئات التحكيم، وهذا حدث فعليا وذاب ثلج الخلافات من حرارة اللقاء. وإضافة للتأثير النفسي الايجابي فان الوساطة تتيححفظ ماء الوجهللطرف إذا كان صاحب اليد العليا أو اليد السفلي خاصة في القضايا ذات الحساسية المفرطة (مثلا عندما تكون الحكومة أو مؤسساتها طرفا والأمثلة بدون حصر) ولقد ثبت في حالات عديدة أن الوساطة قادت إلي إعادة المياه إلي مجاريها وعودة الوئام والود بين الأطراف، بينما نلاحظ أن اللجوء إلي ردهات المحاكم أو هيئات التحكيم، في بعض الحالات، قد يقودان إلي تأصل البغضاء وتغلغل الكراهية بين الأطراف، بل إن هذه البغضاء والكراهية قد تتوارثها الأطراف جيلا عن جيل وهذا وضع غير مرغوب ولا يحسد عليه أحد حتى من الأعداء.

وبالرغم من المميزات الخاصة بالوساطة، إلا أن هناك تحديات كثرة تواجهها وسنتناولها، ضمن أمور أخري في مقال آخر.

المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب

ع \ شركة د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.م