هل لأموال المساهم ضمانات كافية؟

الخميس 5 يوليو 2023

Asia 728x90

نظرة سريعة على مؤشر حركة البورصات توضح أن الاستثمار في أسهم الشركات يجذب الأموال ويأتي كل مساهم بما لديه من أموال لشراء الأسهم ثم البيع ثم إعادة الشراء، وهكذا تنشط البورصات ويزيد الاستثمار في سوق الأسهم. ومع هذا تكبر الشركات وتزيد أرباحها وتتداخل كل النشاطات الاقتصادية وتتلاحم مع بعضها. وأيضا يأتي مساهمون جدد لشراء الأسهم والاستثمار فيها بحثا عن الربح والمزيد من الفوائد، ومن كل هذا تحدث التنمية الاقتصادية والاجتماعية كما نرى في العديد من الدول التي ترعي الاستثمارات المالية وتضع لها الأرضية المناسبة للنمو والتفريخ المنتج، حتى أن ميزانية بعض الشركات أصبحت أكثر من ميزانية بعض الدول، وهذا بفضل جهود أصحاب الأسهم الملاك.

ولكن، دائما ما تصلنا أسئلة كثيرة من الراغبين في الاستثمار في أسهم الشركات، هل هناك ضمانات كافية لأموالنا عندما نشتري الأسهم ؟ ونجيب بالقول القاطع بأن البنية التشريعية للاستثمارات المالية، وخاصة في الأسهم، تشمل عدة ضمانات تشكل في مجموعها سياجا كافيا واقيا لأموال المساهم المستثمر في أسهم الشركات بجميع أنواعها وخاصة الشركات المساهمة المدرجة في أضابير البورصات ويتابع أخبارها الجميع.

نقول أن أول الضمانات توجد في يد المساهم نفسه، وذلك من حيث أن المساهم يتمتع بالقوة القانونية التي تمكنه من اختيار إدارة الشركة، وهو يملك هذا الحق بصفته حاملا لبعض الأسهم في الشركة. وإذا التزم هذا المساهم وعمل بحرص على اختيار الإدارة المؤهلة والمقتدرة والأمينة لإدارة الشركة فهذا بداية الضمان لأموال المساهم لأن الشركة في يد القوي الأمين. وهل هناك ضمان أكثر من هذا ؟ بل القانون يذهب نحو الميل الإضافي ويمنح المساهم الحق، وكل الحق، في متابعة أداء من قام باختيارهم وتكليفهم بإدارة الشركة وهذا الحق مكفول لأصحاب المال طيلة فترة تملكهم للأسهم.

ويمكن عبر هذا الحق،  تقويم أداء الإدارة وتوجيهها لتنفيذ أغراض الشركة وكذلك عزلها إذا دعي الأمر بل ومقاضاتها جنائيا أو مدنيا لدفع التعويضات المالية الضرورية لتغطية الخسائر التي تكبدها المساهم بسبب الإخفاق أو خيانة الأمانة أو الفشل المتعمد في تأدية المهام الموكولة. كل هذه الصلاحيات وما يرتبط بها من واجبات  منحها القانون لأصحاب وحملة الأسهم وعليهم الحرص على الاستفادة من هذا المنفذ القانوني الهام لضمان حسن الأداء وبالتالي ضمان أموال المساهم الذي يتأتى من حسن إدارة الشركة. ومن هذا يتضح  أن “رافع السوط” الأول لضمان تقويم الأداء في الشركة هو صاحب الأسهم بنفسه ولذا عليه أن يدرك متى يرفع “الجزرة” ومتى يرفع “السوط” ومن هذه المعادلة يأتي الضمان الأكبر لأموال المساهم.

إضافة للسلطات الإدارية العامة التي ذكرناها، يجوز للمساهم، وعبر البدائل القانونية المتوفرة الاطلاع علي “مصير أمواله” ومعرفة “أين تسير؟” ويجوز له إلقاء نظرة فاحصة على حسابات الشركة  والبيانات المالية والموازنات وكيفية إدارة الصرف والدخل من أرباح أو خسائر. من كل هذا، وبموجب القانون والواقع، يتضح أن أرقام وبيانات الشركة تظل مكشوفة بكل شفافية أمام المساهم كما يمكنه طلب المزيد من المعلومات المالية والمحاسبية والاستفسار عن المشروعات القائمة والمدرجة تحت التجهيز وما يتعلق بإبرام العقود وتنفيذها وما تأخذه الإدارة من المكافآت والبونس وغير هذا وذاك… فهل قام المساهم بهذا الواجب عبر البدائل الموجودة له في القانون، وهي كثيرة ومتعددة ؟ إذا فعل ذلك الواجب سيجد أن أمواله في ضمان تام و”مضمونة” بمتابعته وحسن تصرفه. وإذا كان المساهم ساهرا حريصا على ماله فقطعا ستكون إدارة الشركة “مجبورة” علي السهر. ولقد حضرنا الكثير من اجتماعات أصحاب الأسهم مع قمة إدارة الشركة    وشاهدنا فيها “الويل” وكيف يمكن لأي مساهم أن يجعل “الكراسي ساخنة” بل ساخنة جدا.

والضمانات القانونية للاستثمار في أسهم الشركات متوفرة في عدة تشريعات من أهمها قوانين الشركات      وقوانين البورصات وهيئات أسواق المال وضوابط حوكمة الشركات وغيره، وكل هذه التشريعات تمنح المساهم عدة حقوق قانونية لضمان استثماراته وتلزم إدارة الشركات بالعمل النزيه وإتقان التنفيذ طيلة فترة توليهم المسئولية مع ضرورة الالتزام بتوفير الشفافية المطلوبة التي تمكن المساهم من الإلمام الكافي بكل ما يدور حوله وحواليه … والغرض من كل هذا هو حماية المستثمر وحماية أمواله وأسهمه. ولذا، نلاحظ حمي شراء الأسهم التي تقود إلي التدافع في البورصات بغرض الحصول علي الأسهم ونيل عوائدها وفوائدها. وما انتشار هذه “الحمى” إلا دليل كافي يبين وجود الضمان لأموال الأسهم، كل الأسهم.

من الضمانات الإضافية المتعلقة بحسن الأداء وضمان سلامة التصرفات المالية للشركة أن القانون يمنح حملة الأسهم الحق في تعيين المدقق (المراجع) الخارجي لحسابات الشركة، ويتم اختيار المدقق الخارجي من بين شركات التدقيق ذات المهنية والدراية الكافية مع الاستقلالية في تنفيذ واجبهم ولدرجة عالية تمكنهم من معرفة أوضاع الشركة المالية المحاسبية مع تفاصيل أعمالها ودخلها ومصروفاتها. ويتوجب على المدقق الخارجي تقديم تقرير شامل عن حسابات الشركة للمساهمين، كما يجوز للمساهمين أن يتقدموا له بكل استفساراتهم المتعلقة بالحسابات من واقع تقاريرهم أو لأي أسباب أخري. 

من واقع سلطة المساهم في تعيين المدقق الخارجي مع توفر المهنية والاستقلالية في أعماله ورفع التقارير للمساهمين مباشرة، يتضح أن المساهم لديه الفرصة الكافية لمعرفة أحوال الشركة وعبرها معرفة موقف الأسهم التي يملكها وكل هذا يوفر ضمان قوي لأموال المساهم. بل أن القانون ذهب أكثر من ذلك بمنحه الحق للمدقق الخارجي في دعوة المساهمين مباشرة للاجتماع في حالة الضرورة التي يراها وفق تقديره، ومن هذه القوة القانونية الإضافية للمدقق الخارجي تأتي قوة إضافية لضمان أموال الشركة، عفوا، أموال المساهم وغيره من المساهمين بصفتهم جميعا أصاحب أموال الشركة.        

واذا ذهبنا أكثر، نقول أنه يحق لكل مساهم حضور اجتماعات الشركة والمشاركة فيها، ومساهماته مهما كانت صغيرة لا بد من أن توضع في الحسبان لأنه من ملاك الشركة، بل من سؤال صغير قد تظهر أشياء كبيرة. وهذه الاجتماعات العامة ولمنحها المزيد من القوة تحضرها الجهات الرسمية الرقابية والإشرافية   وأولها وزارة التجارة المسئولة عن منح التراخيص لتأسيس الشركات ومتابعة أحكام قانون الشركات وكل الضمانات المتوفرة فيه للشركة من جهة ولأصحاب الشركة المساهمين من الجهة الأخرى.

وإذا تبين أن إدارة الشركة غير جادة وغير أمينة فهناك إجراءات قانونية وإدارية تتمتع بها وزارة التجارة لحماية القانون وتطبيق المؤسسية. وهذه السلطات الحكومية الرقابية من وزارة التجارة، وغيرها من الهيئات والمؤسسات الأخرى كالبنوك المركزية وهيئات أسواق المال وهيئات التأمين والاتصالات…. ، تحضر لمنح الثقة لأصحاب الأسهم ولتؤمن ضمان سير الشركة وفق الضوابط القانونية وانسجاما مع المتطلبات المهنية التي تم إنشاء الشركة لتنفيذها لصالح أصحاب الأسهم وأصحاب العلاقة المرتبطة وكل المجتمع الذي تعمل فيه الشركة و”تدور” فيه أموال المساهم. 

إضافة للتشريعات العامة التي تنطبق على الجميع، يجوز قانونا لأصحاب الشركة وضع كل الضمانات الإضافية الملائمة في عقد تأسيس الشركة وهذه الضمانات تأخذ قوتها من قوة العقد القانوني “الموثق” المبرم بين الأطراف، ونلاحظ أن بعض عقود تأسيس الشركات تتناول تفاصيل كثيرة وهذا جائز عند إبرام العقد أو في أي وقت لاحق أثناء حياة الشركة.  ومما يتم الاتفاق عليه يجد المساهم بل يضع ضمانا لأمواله المستثمرة في أسهم الشركة، وهذا يجور في كل الشركات بل أرقي الشركات.

كل هذه الترتيبات التشريعية القانونية تم وضعها في مجملها بغرض توفير الحماية للمستثمرين من أصحاب الأسهم، ولضمان حسن وسلامة استخدام أموالهم لتعود عليهم بالفوائد. وهكذا، ومن هذا الواقع المتدثر بالقانون يتحرك دولاب الاقتصاد و”تدور” الأسهم و”تدور” الأموال بعيدا عن يد أصحابها و لكن في ضمان وحماية المؤسسية القانونية. ولهذا نقول هناك ضمانات كافية لأموال المساهم لدرجة الاطمئنان. ولكن هو صاحب القرار الأول والأخير ولديه كامل الحرية في أين يتوجه وأي نوع من البذرة يزرع وأي نوع من الثمار يرغب في قطفها ومتى ولماذا.. والخيار أمام المساهم في أين يضع أمواله وفي أي الشركات يساهم؟

المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب

المؤسس والمدير التنفيذي

ع \ شركة د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.مالبحرين \ دبي