ضوابط تنظيم البنية التحتية للسوق الأوربي

الخميس 14 ديسمبر 2023

Asia 728x90

هناك مؤشرات كثيرة تدل علي وجود الرغبة لدي الجهات الرقابية والإشرافية في أنحاء العالم، وخاصة أمريكا وأوربا ، لتعزيز الرقابة على البنوك والأسواق وزيادة الأشراف على بعض النشاطات المالية      والمصرفية لكبح جماحها والسيطرة عليها حتى لا يتعرض العالم لهزات مالية اقتصادية جديدة خاصة     وأن بعض الجهات ما زالت تعاني وترزح تحت وطأة التسونامي المالي الذي عصف بكبار الشركات       والبنوك بل وبعض الدول .

في هذا الخصوص لا ننسى تلك الخطوات التنفيذية في أمريكا لإصدار قانون لتفعيل تطبيق قواعد “فولكر” رئيس الاحتياطي الفدرالي السابق، والتي تنص على منع البنوك والمؤسسات المالية من الدخول في المغامرات وتجنب المضاربات بأموالها والدخول في الاستثمارات ذات المخاطر العالية دون الحصول المسبق على موافقة الجهات الإشرافية الرقابية المختصة، وبالعدم تعريض أنفسهم ومؤسساتهم للعقوبات والجزاءات . وهذا التوجه بالطبع له ما له ويجد في أمريكا عدم القبول من باحثي الربح السريع ومرتادي المغامرات على حساب الآخرين . ومن هؤلاء من يدافع عن موقفه ويقول أن مثل هذه الإجراءات “التقييدية” ستضر بالبنوك وستقود إلي انكماش الأسواق وغير هذا من عدم الارتياح لقواعد فولكر، وبالرغم من أن هناك من يقول أنها تتضمن بعض المحفزات المضمونة للسوق .

وانتقلت العدوي عبر الأطلنطي إلي أوربا، حيث أصدرت المفوضية الأوربية بعض الضوابط الهامة لتنظيم البنية التحتية للسوق الأوربي وما تعرف جوازا ب “آي أم إي أر”، وهي في مجملها الغرض منها وضع بعض ممارسات السوق تحت العين و “السيطرة”. بل إن مراعاة التقيد بهذه الضوابط أصبح مفروضا علي البنوك الأجنبية (كطرف ثالث) التي تتعامل مع البنوك الأوربية لأنها ستسأل عما فعلت أو ستفعل بالضوابط الجديدة، وعبر هذا تتوسع سلطات الأيادي الرقابية على الأسواق لأن مراعاة تنفيذ الضوابط أمتد ليشمل بعض من هم خارج أوربا وهنا أيضا تدور الدوائر وتوجد الأصوات المعارضة لكبح حرية الأسواق وبتركها لتصحيح أوضاعها بنفسها دون تدخل قد يأتي بنتائج عكسية.

وأهمية إلمام البنوك الأجنبية (الطرف الثالث) بهذه الضوابط الأوربية تنبع من أنها تتضمن بعض الاستثناءات لهذه البنوك كطرف ثالث وهذا يتم مع الأخذ في الاعتبار بالتشريعات المحلية التي تحكم هذه البنوك الأجنبية. والعلاقة بين البنوك الأجنبية وهذه الضوابط تظهر جليا وبصفة خاصة عند التعامل مع اتفاقيات (ايسدا) أي المنظمة \ المؤسسة الدولية للمبادلات والمشتقات والتي من مهامها الأساسية الحرص على تهيئة المناخ السليم لكافة التعاملات في أسواق المال ومن هنا يأتي التداخل بين اتفاقيات (ايسدا)، التي نتعامل معها كثيرا، وضوابط تنظيم البنية التحتية للسوق الأوربي .

وكما ذكرنا فان ضوابط “ا.م.ي,ر” الآن تحوم داخل السوق الأوربي وكذلك تحوم حول من يتعامل مع هذا السوق والكثير من البنوك في داخل هذه المعمعة، وهذا يتطلب معرفة أهم معايير هذه الضوابط التي تتابعها الجهات المختصة بعد إصدارها من المفوضية الأوربية والبرلمان الأوربي، خاصة وأن العديد من الدول الأوربية وبنوكها تعرض لهزات وأزمات اقتصادية عاصفة والجميع يرتعد من تكرار هذه التجارب. ولضمان الالتزام بالتطبيق والممارسة السليمة فهناك نصوص تلزم تحديد الجهات “الوطنية” المكلفة في كل بلد والتي ستقوم بدورها بتأكيد الالتزام ودرجات هذا الالتزام مع ضرورة إخطار المفوضية الأوربية وفق المتطلبات القانونية المعينة.

ومن الضروري أن نذكر، أن هذه الضوابط تتضمن بعض الاستثناءات في التطبيق ودرجات التدرج في التطبيق وكمثال هناك بعض الاستثناءات الخاصة بصناديق المعاشات أو صناديق التعاملات الخاصة بالفئات المجمعة وهذا بالطبع لخصوصية مثل هذه الصناديق وأيضا لخصوصية وطبيعة الاستثمارات المرتبطة بها. وهناك ضوابط معينة أيضا تنطبق على الجهات غير المالية بحيث لا يتم التعامل معهم بنفس درجة التعامل المتشدد مع الجهات والمؤسسات المالية كالبنوك وشركات الاستثمار.

ومن المتطلبات الأساسية التي تشترطها ضوابط السوق الأوربي نذكر، ضرورة الحصول علي موافقة السلطات الرسمية (كالبنوك المركزية) للتعامل في بعض  الاستثمارات المالية “أوفر ذا كاونتر”،  وتطبيق كل البدائل لتقليل المخاطر عند التعامل في الحالات التي لا تتطلب موافقة السلطات الرسمية، ضرورة الالتزام بتقديم التقارير الوقتية شاملة التفاصيل للجهات الإشرافية على هذه المعاملات،  وفي كل الأحوال يجب مراعاة تطبيق أفضل المعايير والممارسات السليمة في جميع التعاملات في الأسواق، مع مراعاة الشفافية والإفصاح الكافي وتوفير كل المعلومات الأساسية والتقارير لعامة الجمهور والجهات الرسمية، وكيف ومتى يتم الإفصاح المطلوب … مع تطبيق أفضل البدائل لتجنب المخاطر وبما يتضمن تقديم المعلومة الصحيحة في الوقت الصحيح، ومن الشخص المناسب في الوقت المناسب، والقيام بتسجيل ومراقبة الحسابات ومضاهاتها، والتأكد من توفرالضمانات والرهونات الكافية، وضرورة توفير البدائل المناسبة لتسوية المنازعات وحفظ الحقوق، وكذلك توفير وإعداد وحسن صياغة المستندات القانونية … مع التأكد من مدي وكيفية انطباق الضوابط على المؤسسة المالية أو السوق المعني نظرا لأن معايير التطبيق تختلف من جهة لآخري .

ومع هذه الضوابط الأوربية الجديدة تم إعداد لوائح عديدة تتضمن العقوبات والجزاءات التي ستنهال علي رأس كل من يخالف خاصة وأن هذه “النفرة” الأوربية الجماعية تتطلب وقوف الجميع خلف الضوابط الجديدة والحرص على تطبيقها لتأتي بأكلها لجميع دول القارة. ولهذا فان من يتخاذل سيضر بالجميع    وسيفسد هذا المجهود الجماعي المتوحد، ولذا يجب إيقاع العقوبة حتى يتم الالتزام الكامل بدون استثناء أو أي ثغرة … وهكذا تم توضيح الواجبات وعقوبة من يفشل في تأدية الواجبات .

مما تقدم يتضح لنا أن الوضع في أسواق المال في تغير خاصة بعد هذه القيود، وكما يبدو فان التوجهات في هذه الدول بصفة عامة تحمل في مضمونها الحذر والريبة خوفا من المستقبل بسبب ما تعرضت له الأسواق في السنوات الأخيرة، ولكن هذه القيود لا تأتي فقط بكل ما هو جميل بل قد تأتي بنتائج عكسية  والفيصل في كل هذا حركة السوق التي تتأثر بمعطيات كثيرة قد يكون بعضها ظاهرا ومعظمها في المجهول … وبالطبع فان تقييم مردود نتائج هذه السياسات يحتاج لبعض الوقت ونأمل ألا يطول . ولكن علينا في جميع الأحوال أن نتبع خطوات الحذر التي يسير عليها العالم من حولنا حتى لا ينجذب التيار نحونا والعاقل من يستفيد من تجارب غيره.

المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب

المؤسس والمدير التنفيذي

ع\ شركة د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.م البحرين \ دبي