د. عبد القادر ورسمه غالب – جريدة عمان التجارة العالمية ومحاذيرها

في عدة دول، تم فتح الأبواب لقيام الصناعات الوطنية بغية تغطية الحاجة المحلية المتنامية وتصدير الفائض لدول العالم ليذوق طعم الصناعات المتعددة المتنوعة الأجناس. ومع الزمن، اشتدت

د. عبد القادر ورسمه غالب
Asia 728x90

المنافسة العالمية وتنوعت رغبات المستهلكين إضافة لاختلاف السياسات التجارية العالمية وطرقها.. وهذا الوضع أدي لظهور بعض المشاكل القانونية المرتبطة بالممارسات الضارة في خضم محيط التجارة الدولية. والأمر يتطلب وضع الحلول القانونية لكيفية مواجهة المشاكل والحد منها عبر أنظمة منظمة التجارة الدولية وغيرها من القوانين والاتفاقيات الدولية والأعراف السائدة.

من الناحية القانونية، فالممارسات الضارة بالتجارة الدولية عديدة، وتشمل الإغراق التجاري أو الدعم المخصص من الدول لدعم صناعتها المحلية أو الزيادة في الواردات. ولا بد من التوضيح هنا، أن ممارسة “الإغراق” و”الدعم المخصص” أمر غير مشروع ومخالف للقانون تماما، بينما “الزيادة في الواردات” وبالرغم من أنها أيضا تعتبر من الممارسات الضارة إلا إنها في حد ذاتها تعتبر أمرا مشروعا غير مخالف للقانون.

ولمكافحة أي من هذه الممارسات الضارة المذكورة فهناك إجراءات قانونية معينة يجب إتباعها عبر تقديم “الشكاوي” أو رفع “القضايا” وفي هذا الخصوص فان لهاتين الكلمتين معني محدد جدا في انظمة منظمة التجارة الدولية. و”الشكوى” تتمثل في قيام الصناعة المعنية بتقديم طلب لفتح تحقيق من أجل فرض إجراءات حمائية ضد الممارسات الضارة التي تمارسها الجهات الأجنبية في الأسواق المحلية المعنية، في حين أن رفع “القضايا” يقصد به العمل علي اتخاذ الإجراءات الحمائية أي “الحماية” التي تحتاجها أو تتعرض لها الصادرات الوطنية من أية دولة عندما يتم تصديرها للأسواق الأجنبية.

في الوقت الحاضر، تعاني عدة دول من وجود العديد من “القضايا” المقدمة ضدها من دول أخري حول ادعاءات الممارسات الضارة المتمثلة في الإغراق التجاري أو تقديم الدعم من الحكومات أو زيادة الواردات… و نستطيع القول أن بعض القضايا غير مؤسس ويفتقد السند القانوني ولكن تقوم به بعض الحكومات بسبب ضغوط “اللوبي” من الصناعات في بلدها خاصة وأن بعض أصحاب الصناعات أقوي من الحكومات التي تعمل علي كسب ودهم لأسباب عدة يعلمونها.

لمواجهة هذا المد من منازعات التجارة الدولية، قامت عدة دول بإصدار القوانين الوطنية لمحاربة الإغراق التجاري وغيره. ولكن إضافة لوجود التشريعات القانونية، لا بد من أن تكون كل الأجهزة والمؤسسات في الدولة جاهزة لمتابعة التحقيقات التي تقوم بها الدول الأجنبية في مواجهة الصناعات المحلية. وهذه الجاهزية تتمثل في  حفظ حقوق الدفاع كمدعي عليهم وفي المشاركة بإيجابية في التحقيقات قبل انقضاء الآجال المحددة لقبول الأطراف المشاركة في التحقيق. وبعد حفظ الحقوق والدفاع أثناء التحقيق قد يتم التنسيق والتدخل في القضية عن طريق مؤسسات الدولة المعنية لتوفير الدعم الفني والمشورة في مثل هذه التحقيقات. نقول هذا، وفي ذهننا الصراع القائم الآن بين شركات الطيران الخليجية والأمريكية، وما تتكلم عنه الادارة الأمريكية الجديدة حول “الحمائية” لحماية صناعة الطيران الأمريكية من تغول الطيران الخليجي. وأكيد فان هذا الصراع سيستمر وربما يفرز موجهات جديدة في منظومة التجارة العالمية.

بانضمام دول العالم لمنظمة التجارة العالمية وفي ظل اتفاقيات المنظمة فان أنجع آليات الحماية التجارية المتاحة لكافة الدول، من اجل حماية صناعتها المحلية من الممارسات الضارة في التجارة الدولية، تتمثل في القيام بتطبيق القانون… وعلي سبيل المثال في حالة شكوى الإغراق التجاري يمكن فرض “رسوم إغراق” لمدة محددة يتم تمديدها لفترة مماثلة طالما أثبت التحقيق أن هناك ممارسة إغراق قد وقعت ضد الصناعات المحلية وأن هناك علاقة سببية بين هذه الممارسة والضرر الواقع علي الصناعة المحلية. وفرض هذه الرسوم لا يعتبر من حيث المبدأ مخالفا لقواعد منظمة التجارة الدولية لأن لكل دولة الحق في حماية صناعتها المحلية من الممارسات الضارة في التجارة الدولية بحسب تقديرها لنتائج التحقيق الذي تم القيام به للتأكد من وجود الإغراق أو الدعم من عدمه. ومع حدة المنافسة العالمية فان بعض الجهات قد تلجأ لإقامة هذه المنازعات دون أسباب مبررة، بل نلاحظ وجود العديد من القضايا ضد الصناعات المحلية لأسباب غير تجارية، وكل هذا يتطلب الاهتمام بالموضوع علي كل المستويات مع ضرورة المتابعة القانونية اللصيقة لهذه القضايا منذ البداية والاستعداد التام لكل التوقعات.

ومن المعروف، ان الشركات الأجنبية ومن خلفها دولها تبذل كل الممكن لدحض المنازعات التي ترفع ضدها وتستخدم كل ما أوتيت من قوة ضد هذه القضايا ومن قام برفعها، بل انهم ينظرون لهذه القضايا مثل قضايا الشرف الوطني الذي يستميتون من أجله لبقاء وتقدم صناعتهم ومنتجاتهم في كل الأسواق وهي تحمل اسم بلدها.. وهكذا الدول تعمل لتحمي منتجاتها الوطنية التي تعتبر من أهم ممتلكاتها وعائداتها.. ومن هنا يأتي الخلاف وتتأجج المنازعات لاختلاف المواقف. ولكن علي الجميع اللعب النظيف ووفق القانون والأنظمة..