توسيع مفهوم براءة الاختراع


د. عبد القادر ورسمه غالب

في 2020 تم تقديم دعوي امام المحكمة العليا في ماليزيا تتعلق بالتعدي على براءة الاختراع الخاصة بدزاين موديل “جحاب” تم تسجيله بموجب قانون البراءات لعام 1983، حيث أنه من المعروف أن كلمتي “شيك” و”فويلا” هما طريقة لبس الحجاب المعروف ب “نوكيتا حجاب”. المدعون هم ملاك “بوكيتا حجاب” التي تم منحها براءة اختراع ماليزية رقم (م ي 153705- ا) وتعرف ب “البراءة 705”. وبالطبع فان منح براءة اختراع لأجزاء وقطع الملابس أمر غريب ومنح البراءة لغطاء الرأس “الحجاب” يبدو أمرا اكثر غرابة بالنسبة لصناعة الفاشون في اللبس. المدعي الثاني شركة غير ماليزية، متخصصة في أعمال الديزاين ل “بوكيتا حجاب” وشريك في الاستثمارفي “البراءة 705”. ويقوم المدعون بصناعة “بوكيتا حجاب” وبيعه في ماليزيا وكثير من الدول.. و”البراءة 705″ الهدف منها أن تحمي غطاء الشعر الخاص والمصمم لوضعه مباشرة على الرأس “ريدي تو وير هيد سكارف”، وهو حجاب جاهز للبس كقطعة واحدة وبدون الاستعانة بدبوس أو مشبكات ويغطي الرأس والعنق في نفس الوقت، وهو يمثل الشكل المغطى المستخدم عادة كلبس للمرأة ذات الحجاب.

Asia 728x90

و”حجاب بوكيتا” قدم حلولا عملية تحدث في العادة بالنسبة للحجاب التقليدي، مثل، الوقت الطويل الذي تحتاجه المرأة للبس الحجاب ووضعه بالشكل السليم، الحوجة لقماش طويل لأسكارف لتغطية الرأس والعنق وهذا قد لا يكون مريحا، استخدام دبابيس ومشبكات للف الاسكارف حول الرأس وتثبيته للفترة المطلوبة، وحجاب بوكيتا تم اعداده بشكل ملفوف جاهز  ليلبس “ريدي ميد” ولا يحتاج للمشبكات ليبقي في مكانه. وهذا الشكل الجاهز يجعله سهل الاستخدام بواسطة أي شخص في أقل من دقيقة بدون مساعدة من أي شخص وكذلك يبقى ثابتا في مكانه طيلة الوقت، وهو بشكله الجديد كأن الشخص لابس قبعة أو كاب. وبالتالى، فهو يمثل نوع جديد من الحجاب تحتاجه النساء من  محبي الموضة الحديثة، وتم صنعه بمواصفات وطريقة خاصة ليؤدي الغرض المطلوب بأفضل طريقة، ولهذا حاز براءة الاختراع لتوفر المتطلبات القانونية. المدعى عليه الأول، شركة ماليزية متخصصة في استيراد وتصدير الأقمشة. والثاني والثالث مساهمون ومدراء المدعى عليه الأول. وأتضح أن المدعى عليهم يقومون ببيع “بوكيتا حجاب أو “بوكيتا ستايل” المميز بعدم حاجته للمشبكات والدبابيس، من ضمن أنواع “براند” حجاب تخصهم هم.

ولكن، كيف تم اكتشاف التعدي على المنتج؟ المدعي عليه الثالث كان أحد زبائن الموزعين المحليين ل “بوكيتا حجاب” وقام بشراء “حجاب بوكيتا” منهم. وبعد فترة قام الموزعون المحليون في ماليزيا باخطار “شركة بوكيتا حجاب” بمشاهدة اخرون يبيعون “بوكيتا حجاب” تقليد مزور أو غبر أصلي. وعليه قام المدعون بالتحقيق وأثناء بحثهم وجدوا “فيسبوك قروب” في حساب مغلق، وقام بتكوين هذا القروب المدعى عليه الثالث تحت مسمى “حياة حجاب”. وأعد المدعون عمليات فخ للشراء من “حياة حجاب” واكتشفوا أن أسعار بيعهم أقل بنسبة 30 الى 40% من اسعارهم للبيع. وهذا يعنى خسائر مادية كبيرة لاعمالهم، وذلك بسبب التعدي على براءة الاختراع 705 المسجلة في أسمهم وفق القانون.

بدأت الاجراءات القانونية وطالب المدعى بالحكم بالتعدي على براءة الاختراع 705، وأنكر المدعى عليهم التقليد والنسخ وأقاموا دعوى متقابلة لابطال براءة الاختراع 705 ، وقدم الطرفان خبراء لتغزيز مواقفهم. ونقاط النزاع أمام المحكمة، هل يتم ابطال البراءة 705 استنادا الى أو هل “بوكيتا حجاب” تمثل “اختراع” تحت المادة 12 (1) من قانون براءات الاختراع؟ وهل هذا المنتج “الحجاب” يعتبر “جديد” و”حديث” وفق المادة 14 (1) من القانون، وهل صنع هذا الحجاب يمثل اختراع “خطوة ابداعية خاصة” وفق المادة 1(1) من القانون، وهل صنعه ملتزم مع أحكام المادة (23) من القانون مقروءة مع اللائحة 12(1) (ج) (و) والمادة 13 (1) من لائحة الاختراع 1986. واذا كانت البراءة 705 صحيحة ؟ فهل مبيعات المدعى عليهم تحت مسمي “حياة حجاب” تشكل تعدي على البراءة 705 ؟

وقال القاضي تبين له أن موديل بوتيكا حجاب يمثل “اختراع” وفق معنى المادة 12 (1) من القانون، وأن كلمة “تكنولوجي” المشار لها في المادة 12 (1) من القانون تشمل أفكار تتعلق بالحلول التي أتت بها وظهرت في “بوكيتا حجاب”. وبالنسبة لشروط “الجديد” و”الحديث” فانه يعتبر كذلك، حيث أوضح المدعى عدم وجود أي مستند قبل تلريخ تقديمهم لطلب البراءة حيث كشفوا عن تفاصيل اختراعهم لأول مرة. ولهذا وغيره لم يتمكن المدعى عليهم من اقناع المحكمة بعدم صحة البراءة 705 كما يدعون، وبالتالي فانها براءة صحيحة وأنهم تعدوا عليها. 

في هذه القضية، تبين أهمية شهادة الخبرة في هذا النوع من القضايا. وقدم المدعون خبيرا متخضضا في فاشون الملابس والحياكة أضافة الى أنه يقوم بتدريس هذا العلم في الجامعات وتمت الاستعانة به في تصميم موديل “بوكيتا حجاب” كمنتج خاص جديد. بينما قدم المدعى عليهم خبيرا لا يمتع بالخبرة الكافية في هذا المجال ولم يتمكن من تقديم شيئ مقنع للمحكمة. وفي هذه القضية نقول، أن هناك انتصار واضح لصناعة الفاشون في الملابس والاكسسوارات التابعة لها حيث تبحث المرأة دائما عن الموديل الجديد الأنيق المفيد. ولقد اجتهد المدعون وفكروا وأبدعوا وأتوا بالجديد في الحجاب وهو لبس تقليدي قديم ولكنهم قاموا بتطويره ليكون أكثر راحة وأناقة وحداثة وأكثر فائدة. والمهم، أنهم كذلك بادروا وذهبوا الخطوة الاضافية وقاموا بتسجيل اختراعهم لحمايته، ولقد قطفوا ثمار جهودهم وأيضا تمكنوا من حماية منتجهم الفكري. وننصح كل فرد، أنه يجب السير في نفس الطريق للحفاظ على عملك الفكري وابداعك الذهني من التغول والسرقة والاعتداء. ومن المهم أيضا، القول بأن القاضي الذي نظر القضية تمكن من استيعاب الوقائع وقدم تفسيرا قانونيا صحيحا وسليما للقانون والمتطلبات القانونية لمفهوم الاختراع. وهذا الأمر مطلوب عند نظر مثل هذه القضايا الخاصة بحماية الانتاج الفكري من أجل دعم المفكرون المبدعون للعمل وتقديم المزيد من الأعمال المبدعة. والابداع لا حدود له اذا وجد الدعم وحماية القانون.

د. عبد القادر ورسمه غالب

المؤسس والمدير التنفيذيع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات