المجرم الالكتروني

بسبب ظهور ثورة التقنية وانتشار استخدام الانترنت، ظهرت ممارسات جديدة وقيم سلوكية مستحدثة منها المفيد ومنها الضار وذلك بالطبع وفقا لنوع الاستخدام. ومن الممارسات الضارة ظهور جرائم جديدة تسبح في عالم التقنية الافتراضي ويقوم بهذه الجرائم المستحدثة نوعا جديدا من المجرمين. ويطلق على هذا المجرم “المجرم الالكتروني – اليكترونك كريمينال”. وهذا النوع من الإجرام الحديث موجود الآن بكثرة قد تضر بالمصالح الاجتماعية والأسرية والتجارية بل ومعظم مناحي الحياة اليومية خاصة الجوانب الاقتصادية منها.

Asia 728x90

تاريخيا فان أول جريمة الكترونية موثقة تمت في أمريكا في منتصف القرن الماضي وتم ارتكابها بواسطة استخدام الحاسب الآلي “الكمبيوتر” ومنذ ذلك التاريخ ترتكب جرائم الكترونية عديدة متعددة ولا نستطيع حصرها لتنوع أساليبها وتعدد اتجاهاتها. ومع مرور الأيام، زادت خسائرها وأخطارها حتى صارت مهددة للأمن القومي للدول خصوصا تلك التي تركز مصالحها الحيوية علي المعلوماتية وتعتمد عليها في تسيير شؤونها عبر قنوات الحكومة الالكترونية وما شابهها من تجارة الكترونية وصيرفة الكترونية وانتخابات الكترونية … الخ.

يعود الفضل في وصف المجرم الالكتروني واستخدام مصطلح “الهاكر” إلي كاتب الخيال العلمي الكندي \ الأمريكي وليم جيبسون، وعادة ما يطلق لفظ “الهاكر الآمن” لمستخدم الحاسوب الذي يكون غرضه – أو هوايته – الدخول غير المصرح به في أنظمة الحاسوب وكل ما يرتبط بها وممارسة هوايته فقط لارضاء الشعور الداخلي النفسي باحراز النجاح. ومثل هذا الهاكر ورغم قدرته الفائقة علي الاختراق الا انه غير مؤذ لأنه لا يقوم بالاختراق بغرض الإيذاء وإنما نتيجة لشعوره الذاتي بالأمان والحرية المطلقة في العالم الافتراضي، وهو يقوم بالسباحة في فضاء هذا العالم مستغلا مداركه التقنية لاختراق كافة الشبكات والسباحة في عالم البيانات دون إعطاء أهمية للحواجز الأمنية والأسوار النارية أو كلمات المرور أو الشفرات… الخ. وهذه الممارسة من مبادئه التي يؤمن بها إذ أنه يخترق أعتي الأماكن سرية وحصانة وكل ذلك دون أن يقوم بعمل يؤذي أو يتلف أو يخرب، فهو فقط يسبح بحرية  لإشباع هوايته وذاته ولاختبار مقدراته التقنية.

ثم ظهر مصطلح “كراكر” وهذا يطلق على ذلك الهاكر سيئ النية الذي يهدف من وراء اختراقه إحداث أضرار للغير بقدر المستطاع، أي هو ذلك المخترق ذو النوايا السيئة والإجرامية ويقوم بكل ما هو سيئ وشرير ويشكل جريمة سواء كان إتلافا أو تخريبا أو إرهابا أو ابتزازا أو عدوانا علي الأموال والسرقة، وهو عمل يمثل التهديد المباشر والكامل للمصالح عبر الانترنت ووسائل التقنية الحديثة، ومن يفعله لا يتواني عن ارتكاب جريمته في كل الظروف لأنه أصلا مجرم وله نوايا إجرامية، وفق التعريف القانوني للجريمة والإجرام. ومن هذا النوع يتضرر كثيرا العمل التجاري والمالى والمصرفي حيث تتم الاختراقات في كل ثانية ولكل اختراق توابعه الجسيمة.

ومن هذه الممارسات، يبدو أن مصطلح الهاكر في طريقه للتقليص لينتهي لمصطلح “مجرم الانترنت” أو “المجرم الالكتروني” وسيكون فعل هذا المجرم محددا في ارتكاب جريمة واحدة فقط وهي الدخول عير المصرح به لاختراق نظم المعلومات والحاسوب، وخاصة في الأماكن التي بها أموال وحسابات والبنوك على رأس القائمة. قد يكون من الصعوبة وضع نموذج محدد للمجرم الالكتروني، ولكن يمكن وضع معايير وسمات محددة يتصف بها هؤلاء المجرمون وتكاد تكون قاسما مشتركا بينهم، وتتمثل في المعرفة والإلمام التام بالتقنية والتمتع بمهارات خاصة  في استخدامها، كما أن جميعهم لديهم الإصرار الشديد في العودة للجريمة “العود”. لأن هذا المجرم كلما تم اكتشاف أمره فانه يعود لاستكمال اختراقاته وكأنه أمام لعبة الكترونية لا يهدأ له بال حتى يحقق هدفه وهذا ما يؤدي إلي العودة إلي ارتكاب الجرائم الالكترونية بل وإدمانها. ان هذه النوعية من الجرائم قد ترتكب بدافع الصدفة أو الفضول أو البحث عن المال أو الجنس أو الانتقام أو الثار أحيانا لأثبات البطولة أو البراعة في استخدام الانترنت ووسائل التواصل الحديثة. وكل ذلك بالطبع يتم في إطار الخروج عن النظام المألوف وتعدي الحدود الموجودة في الحياة العادية، ونجد أمهر “الهكرة” من صغار السن وأكثر جرائمهم تحدث بالصدفة بدون قصد جنائي مسبق الا ان ذلك لا يعني أنها لا تكاد تشكل خطورة بل ان خطورتها تكاد تفوق أخطر الجرائم العمدية في قوانين العقوبات الجنائية. ولقد تبين من الدراسات البحثية أن “الهاكر النموذجي” يتراوح عمره في ما بين 14 و25 سنة، وفي الغالب لا يجد اهتماما من والديه ولا تتم متابعة ما يفعله أثناء الليل عندما يكون وحيدا في الغرفة وفي يديه جهاز حاسوب صغير يربطه بكل العالم. فلنحذر و نأخذ كل الاحتياطات اللازمة لأن هذا المجرم الخطير قد يكون في بيتنا، بل من فلذات أكبادنا.

جرائم الاختراق قد تقع بدافع الثأر وكمثال ما قام به ما يعرف ب “القاتل الالكتروني” الذي رد علي القصف الخاطئ للسفارة الصينية الذي قامت به أمريكا أثناء قصف بلغراد وغير هذا من الاختراقات التي قد تحدث لدوافع دينية أو سياسية أو رياضية مثل حروب الهاكرز التي نشبت باختراق مواقع اتحاد الكرة المصري والجزائري بسبب مباراة كرة القدم بينهما في ذلك الوقت في الخرطوم أثناء تصفيات كأس العالم، والأمثلة كثيرة.

قام القضاء الأمريكي باعتماد معيار “الهاكرز – أو الهكترة” في بعض القضايا، وهو ذلك الفعل الذي يتم وفق أو تعبيرا عن “المهارة الخاصة”…. فالهاكرز أو “الهكترة” إذن هي مستوي مهارة خاص يتمتع بها الهاكرز، وهذا المستوي يفيد في دلالته علي التعبير عن الكفاءة والصلاحية والأهلية التقنية التي يتمتع بها “الهاكرز” الذي يملك الجبروت التقني في الاختراق مع ارتكاب أعمال فنية تقنية عبر العالم الافتراضي لا يستطيع مباشرتها “العامة من الناس” حتى ولو كانوا يملكون خاصية ومعرفة التعامل مع الحاسوب.

وأورد القاضي الأمريكي كلينفيلد تعريفا لمستوي “المهارة الخاص” وهو ذلك المستوي من المهارة الذي لا يمكن التوصل إليه من قبل “العامة” من الجمهور في أي عمل مهني، وهو في العادة يتطلب تعليما إضافيا خاصا مع التدريب المستمر للممارسة أو الحصول علي ترخيص خاص مثل مهنة الطيران والمحاماة والطب والمحاسبة والصيدلة وكذلك خبراء “الجريمة الالكترونية”.

وتم أول تطبيق قضائي لمعيار “المهارة الخاصة” في قضية ” حكومة الولايات المتحدة ضد بيتر سن” حيث أدانت المحكمة العليا المتهم لقيامه بأعمال الهاكرز لأنه ونتيجة لتمتعه بمهارات خاصة في التعامل مع الحوسبة والتقنية الرقمية قام بممارسة نشاط تقني عالي المستوي تمثل في قيامه بالنصب المعلوماتي باختراق نظم حاسوب مؤسسة كروت الائتمان واختلاس البيانات الشخصية للمتعاملين معها واستغلال هذه البيانات في الحصول علي كروت ائتمان، كما اخترق حاسوب شركة الهاتف وتحكم في خطوط الهاتف المتصلة بالراديو وقام بتنظيم حصوله علي جائزة تتكون من سيارات بورش الغالية ورحلتين لجزر هاواي، واخترق حاسوب أحد البنوك وحصل لنفسه علي مبالغ ضخمة. وكل هذا بسبب مقدراته في الاختراق الاجرامي بعيدا عن العيون وفي الخفاء التام.

وجاء في حيثيات المحكمة أن “بيتر سن” يملك معرفة ومهارة غير عادية في كيفية عمل الحواسيب وكيف يتم تخزين البيانات وحركة استرداد المعلومة وكيف يمكن التحكم في النظام الأمني للحواسيب أو تجنب التعامل معه. ومن هذا المعيار لا بد أن يتمتع المجرم الهاكر الذي يوصف بأنه شخص ذو “مهارات خاصة” تمكنه من القيام بممارسة أنشطة إجرامية خطيرة مثل الاختراق والتعامل الحوسبي والرقمي بطريقة لا يستطيع العامة القيام بها لأن مباشرة “الهكترة” تحتاج إلي إلمام الهاكرز بهذا المستوي الفائق من المهارة الفنية التقنية. ولهذا لا يمكن مقارنة “الهكترة” بمجرد الاعتداء علي موقع ونسخ أوراقه أو التزييف والتزوير عبر العالم المعلوماتي الافتراضي، بل هي في الواقع أكثر وأخطر من هذا…              

هذه الجرائم الحديثة المستحدثة في ازدياد مضطرد مما يشكل هاجسا أمنيا للعديد من الدول والشركات وخاصة البنوك التي تفقد الملايين يوميا بسبب هذه الجرائم الخفية المتخفية. وكل البنوك كبيرها وصغيرها تتعرض للاختراقات والنهب الالكتروني بالرغم من الاحتياطيات الأمنية المتطورة والغالية الثمن، ولذا لا بد من وقفة “فورية” “قوية” لمجابهة هذه الجريمة ومكافحتها بشتى السبل اللازمة خاصة وسائل التقنية الحديثة ومقارعة المجرم بنفس التقنية للتمكن منه. وعلينا جميعا الانتباه لهذه الجرائم البشعة والعمل الجاد لرفع مقدرات الأمن السبيراني لردع مرتكبيها. ولنقف صفا قويا لتحقيق هذا الأمر، وعلي كل فرد القيام بدوره لأن العمل يبدأ منه مباشرة وإلا قد يكون هو ومن حواليه أول الضحايا وحينئذ لا ينفع الندم. 

المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب

ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.م

البحرين \ دبي