الذهاب أبعد من الحرب على المخدرات

من غير المرجح حدوث إصلاح خلال الدورة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكن لا يزال هناك أمل في التغيير

Asia 728x90

يويورك، 1 مارس 2016

من المعروف على نطاق واسع أن “الحرب على المخدرات” قد فشلت. فقد أشعل النهج الذي يأخذ بُعداً عسكريا، باعتماده على الحظر والسجن، مستويات صادمة من العنف والبؤس، ووصلت تكلفته إلى مليارات الدولارات، وأخفق في الحد من العرض والطلب على حد سواء.

ومن المقرر أن تتبنى الدورة الاستثنائية للجمعية العامة الأمم المتحدة في شهر أبريل موقفاً موحداً بشأن مكافحة المخدرات، ولكن هناك قليلون ممن يتوقعون حدوث تغيير جذري في إطار العمل العالمي المحافظ المتبع في الوقت الراهن.

ولهذا السبب يتحول بعض الإصلاحيين إلى “أهداف التنمية المستدامة” كمخطط للمستقبل.

وقد طرح نقاد حملة “الحرب على المخدرات” منذ فترة طويلة مصطلح “الحد من الضرر” للضغط من أجل اتباع نهج أكثر إنسانية للتعامل مع الإدمان كمشكلة صحية وليس جريمة.

ويشيرون في هذا الصدد إلى التناقضات الصارخة بين إطار العمل الخاص بسياسة المخدرات الحالية وبرنامج التنمية العالمية الجديد، الذي يحظى بتأييد عالمي.

انظر: الحرب على المخدرات: أضرار جانبيه

والحرب على المخدرات لم تفشل فحسب، بل كدست أيضاً المزيد من العلل التي تسعى أهداف التنمية المستدامة إلى معالجتها كانتهاكات الحقوق، الحبس الجماعي، وتدمير سبل العيش، والعنف، وحرب العصابات، وضعف الدول، والفقر، وانتشار فيروس نقص المناعة البشرية، التمييز بين الجنسين.. والقائمة تطول.
حلم بعيد المنال

واعتبرت أهداف التنمية المستدامة نقطة انطلاق لحل هذه المشاكل من القاعدة إلى القمة وليس من القمة إلى القاعدة. ويرى الخبراء أنه إذا تم تحقيق 50 بالمائة من الأهداف الإنمائية الـ 17، فإن الأفراد والمجتمعات والدول سيكونون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة الدمار الناجم عن إساءة استخدام المخدرات والاتجار بها، وإذا ما تم توجيه الـ 100 مليار دولار التي تنفق سنوياً على إنفاذ القوانين الخاصة بمكافحة المخدرات نحو السياسات الرامية إلى تعزيز التنمية بدلاً من ذلك، فسيكون من السهل أيضاً تحقيق بعض من أهداف التنمية المستدامة.

قد يكون العالم “الخالي من المخدرات” الذي تتوخاه السياسة الحالية حلماً بعيد المنال، ولكن العيش في عالم تتم فيه إدارة المخدرات غير المشروعة وإخضاعها للسيطرة بطرق أقل ضرراً يبدو حلماً واقعياً.

وفي هذا الصدد، قال جون كولينز، محرر تقرير “ما بعد حروب المخدرات” الصادر عن كلية لندن للاقتصاد أن “أهداف التنمية المستدامة لا تعالج السياسات المتعلقة بالمخدرات أو تحلها، ولكنها تقدم لنا إطاراً لمعالجة هذه المسائل بطرق أفضل بحيث لا تتسبب ببساطة في وقوع أضرار جديدة”.
نهج يستند على الأدلة

وهناك أوراق بحثية أخرى تضع أيضاً التنمية في صميم المناقشات الخاصة بصياغة سياسة جديدة للمخدرات. وتوصي جامعة الأمم المتحدة في تقريرها الصادر بعنون “ماذا بعد الحرب على المخدرات”، بتشكيل فريق عمل يعكف على وضع أهداف عالمية لمكافحة المخدرات، بنفس الطريقة التي مهدت الطريق لصياغة أهداف التنمية المستدامة.

وفي ورقة حظيت بإشادة واسعة النطاق، تحت عنوان “معالجة الأبعاد الإنمائية لسياسة المخدرات”، يوضح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سلسلة ضحايا الحرب على المخدرات. ويقتبس بطريقة دبلوماسية اعترافات يوري فيدوتوف، رئيس مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، بشأن بعض النتائج السلبية لهذه الاستراتيجية، ويقدم بعض المؤشرات حول سبل توجيه سياسة مكافحة المخدرات لتصبح أكثر “مراعاة للأبعاد التنموية”.

ويحث مؤلفو التقرير على أن يلعب برنامج الأمم المتحدة دوراً أكبر في المساعدة في تطوير نهج أكثر اعتماداً على الأدلة، ومراعاة للناس وتركيزاً على التنمية في سياسة مكافحة المخدرات”.

وفي ورقة بحثية أعدتها كلية لندن للاقتصاد، يقول مارك شو، مدير “المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود”، أنه ينبغي تطبيق نهج موجه نحو التنمية والحد من الضرر على طول سلسلة إمداد المخدرات، وعلى تجار المخدرات خاصة وعلى الجريمة المنظمة بشكل عام.

وتوضيحاً لذلك، قال لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): “مع وصول أهداف التنمية المستدامة، لدينا أكبر فرصة في جيل واحد للنظر إلى المرحلة الختامية لسلسلة إمداد المخدرات ومعالجتها بشكل مختلف”.
تجميل الممارسات

وفي الوقت الحالي، لا يتم ذكر سياسة المخدرات في أهداف التنمية المستدامة إلا في الهدف رقم 3.5 المتعلق بالوقاية والعلاج من إساءة استخدام المخدرات، في إطار الهدف الخاص بالصحة والرفاه.

وفي إطار العمل الخاص بسياسة المخدرات الحالية، يتم تعريف التنمية تعريفاً ضيقاً باعتبار أنها “التنمية البديلة”، مشيراً على سبيل المثال إلى إيجاد سبل كسب الرزق لمزارعي الخشخاش والكاكاو الذين أصبحوا فقراء جراء حملات تدمير المحاصيل. ولأسباب مختلفة أخفقت هذه البرامج إلى حد كبير، التي انتقدها البعض باعتبارها ممارسات رمزية لتجميل الوضع.

لكن أي إغراء حول ما يمكن أن يتمخض عنه اتباع نهج أكثر تماسكاً “للتنمية أولاً” يفقد أثره بسبب المشكلة الواضحة التي لا يريد أحد أن يعالجها وهي: القائمة الطويلة من البلدان التي ليس لديها أية نية للتزحزح عن النظام الحالي الموجه نحو إنفاذ القانون.

وتشمل هذه الدول إيران وروسيا والصين والهند واليابان ومجموعة من الدول الأخرى في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط.

ولهذا السبب ليس هناك تفاؤل كبير من أن يسفر الحدث الذي يستمر لثلاثة أيام في شهر أبريل – الذي سيشارك فيه مسؤولون حكوميون وسياسيون ونشطاء من المجتمع المدني من جميع أنحاء العالم في نيويورك –عن تغييرات ملموسة.

وليس هناك أيضاً أي احتمال حقيقي لإجراء إصلاح شامل للمعاهدات الثلاث المعنية بالمخدرات لعام 1961 و1971 و1988 التي تحكم الإطار الحالي عندما يحين وقت المراجعة الرسمية لها في عام 2019، أو الهياكل الرئيسية التي تحكم هذه السياسة: لجنة مكافحة المخدرات والهيئة الدولية لمراقبة المخدرات.

المرونة

ومن المرجح أن تسفر الدورة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة عن وثيقة توافق آراء تتمسك بالإطار القائم لمكافحة المخدرات ولكن تتيح في الوقت ذاته للدول الأعضاء المرونة اللازمة لمواصلة السياسات الخاصة بها وتجربة سياسات جديدة.

والجدير بالذكر أن هذه المرونة بدأت تحدث بالفعل في ظل قيام بعض الدول بإلغاء تجريم حيازة القنب وزراعته، بل جعلت ذلك أمراً مشروعاً.