التحكيم بين دول الخليج ودول افتا

Asia 728x90

دول الخليج لها اهتمام خاص بالتحكيم التجاري، ولهذا سارعت بانشاء مركز دول الخليج للتحكيم التجاري ومقره البحرين وذلك لاتاحة الفرصة للجميع في دول الخليج للاستفادة من هذا المركز واللجوء اليه لتسوية المنازعات التجارية. ولقد لعب هذا المركز دورا مفصليا وهاما في هذا الخصوص وفي ترسية قواعد هامة لتسوية المنازعات عبر اطار التحكيم. ولم تكتف دول الخليج بهذا فقط، بل ذهبت الميل الاضافي وقامت بتوقيع اتفاقيات ومعاهدات دولية متعلقة بالتحكيم ودعمه وتطويره كأحد المنافذ القانونية السليمة لتثبيت أركان العدالة الناجزة. وتحقيقا لهذا، وضمن اتفاقيات أخرى، تم توقيع اتفاقية بإقامة منطقة تجارة حرة بين دول مجلس التعاون الخليجي العربية ودول رابطة التجارة الحرة الأوربية (افتا). ودول افتا تشمل جمهورية أيسلندا وإمارة ليختنشتاين ومملكة النرويج والاتحاد السويسري. والغرض من هذه الاتفاقية العمل علي تنمية وتقوية العلاقات الاقتصادية والتجارية عبر تحرير وتوسيع التجارة في السلع والخدمات وضمان وجود بيئة استثمارية مستقرة وتشجيع رعاية الإبداع والابتكار من خلال رعاية حقوق الملكية الفكرية، من أجل تشجيع وتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين هذه الدول.

هذه الاتفاقية الهامة، من دون شك، ستفتح باب التجارة والاستثمار على مصراعيه في كل النشاطات التجارية والسياحية والخدمية من الزراعة والصناعة إلي التأمين والأعمال المصرفية والتجارية، وقطعا ستستفيد كل الدول من هذا الزخم والدفع الكبير لتحقيق المصالح المشتركة لما فيه مصلحة مواطني هذه الدول ذات الوضع الاقتصادي والتجاري والاجتماعي المتميز والمتطور، اضافة لما تتمتع به من موارد وثروات طبيعية مطلوبة من الجميع.

ومما يميز هذه الاتفاقية الدولية الهامة اعتماد التحكيم لتسوية أي نزاع ينشأ من تطبيق الاتفاقية، وفي هذا اعتراف صريح بأهمية التحكيم على مستوى العالم والدور الذي يلعبه في تسوية المنازعات دعما لكافة الأعمال التجارية الدولية والاستثمارات المرتبطة بها، إذ تشير الاتفاقية إلي جواز اللجوء للتحكيم في حالة عدم حل المشكلة أو النزاع عبر اللجنة المشتركة المشار لها في الاتفاقية. وتتم إحالة النزاع إلي التحكيم عندما يقوم أحد الأطراف بتوجيه طلب كتابي للمشكو ضده مع إرسال نسخة من طلب الشكوى لجميع الأطراف الأخرى في الاتفاقية ليتمكن كل طرف من تحديد ما إذا كان سيشارك في هذا النزاع من عدمه. وعلى الطرف الشاكي أن يوضح في طلبه الإجراء أو العمل الذي يعتبره خرقا للاتفاقية وأن يقدم ملخصا يتناول فيه الأسس القانونية لشكواه.

يتم تكوين هيئة التحكيم من ثلاثة أعضاء حيث يقوم المشكو ضده بتعيين أحد أعضاء

هيئة التحكيم خلال فترة (15) يوم من استلام الشكوى. وبعد قيام الشاكي بتعيين العضو الثاني، يقوم الطرفان وفي خلال فترة (30) يوم بتعيين العضو الثالث الذي يعتبر رئيسا لهيئة التحكيم. وإذا لم يتم تسمية أو تعيين الأعضاء الثلاثة خلال فترة (45) يوم من تاريخ استلام الإخطارالشكوى، يقوم المدير العام لمنظمة التجارة العالمية بالتعيينات اللازمة بناء على طلب أي طرف في النزاع خلال فترة (30) يوم، وإذا لم يتم تسمية أو تعيين الأعضاء الثلاثة خلال هذه الفترة أي (30 يوم) يقدم الطلب إلي الأمين العام لمحكمة التحكيم الدائمة. وإذا تعذر علي المدير العام لمنظمة التجارة العالمية أو الأمين العام لمحكمة التحكيم الدائمة إجراء التعيينات اللازمة، أو اذا كان (المدير العام أو الأمين العام) من مواطني أي طرف من هذه الاتفاقية، ستكون التسمية أو التعيين في هذه الحالة من اختصاص نائب المدير العام لمنظمة التجارة العالمية أو نائب الأمين العام لمحكمة التحكيم الدائمة. ويشترط أن لا يكون رئيس هيئة التحكيم من مواطني أي الأطراف وأن لا يكون محل إقامته الدائمة في إقليم أي الأطراف وأن لا يكون موظفا أو موظفا سابقا لأي طرف ولم يتعامل مع القضية بأي صفة. كما يجوز الطعن في عضوية أي عضو إذا وجدت ظروف تثير شكوكا حول امتثال المحكم لأحكام الاتفاقية أو لنموذج القواعد الإجرائية، وإذا لزم الأمر فان القرار علي الطعن سيتخذه المدير العام لمنظمة التجارة العالمية أو الأمين العام لمحكمة التحكيم الدائمة. وهذا النص، بكل أسف، يجوز أن نعتبره متطرفا خاصة إذا تم تفسيره علي أساس أنه يستبعد كل من له علاقة بالتحكيم في دول الخليج من المشاركة في هذا التحكيم. وهذا بالطبع يتوقف علي تفسير كلمةالأطراف، فهل تعني أطراف دعوي التحكيم، أم تعني الدول الموقعة على الاتفاقية. وقد يكون من المستحسن إعادة النظر في صياغة هذه الفقرة تحديدا لتوضيح رغبة الدول الموقعة على هذه الاتفاقية في هذا الخصوص وما هو التفسير المتفق عليه.

ويتم عقد جلسات هيئة التحكيم بموجب الأحكام الواردة في الاتفاقية والقواعد النموذجية الملحقة بها ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك، و”التحكيم ارادة الأطراف”. وفي جميع الأحوال يحق لأطراف النزاع حضور جلسة استماع واحدة على الأقل أمام هيئة التحكيم وتقديم كل المذكرات الكتابية الأولية وأيضا مذكرات الطعن. ويجب دعوة أطراف النزاع لحضور جميع جلسات الاستماع التي تعقدها الهيئة وتظل جميع الإجراءات والمكاتبات والتقارير سرية وفي بعض الحالات قد تصبح جلسات الاستماع مفتوحة للجمهور إذا وافق الأطراف خطيا، نظرا للقاعدة الأصلية التي تنص على “سرية التحكيم”. وتصدر هيئة التحكيم حكمها استنادا على أحكام الاتفاقية، ويطبق هذا الحكم وفق قواعد التفسير بموجب القانون الدولي العام كما هو منصوص عليه فياتفاقية فينافي قانون المعاهدات. وقرارات هيئة التحكيم يجب أن تصدر بأغلبية أصوات أعضائها وإذا تعذر التوصل إلي اتفاق يجوز لأي عضو أن يتبني تقديم آراء منفصلة بشأن المسائل التي لم يتفق عليها ولا يجوز لهيئة التحكيم الإفصاح عن اسم الأعضاء الذين ينتمون لآراء الأغلبية أو الأقلية.

ان ما يميز هذا التحكيم عن غيره هو حق هيئة التحكيم في تقديم تقرير مبدئي يتبعه تقرير نهائي. إذ بعد النظر في المذكرات والمداولات يجب أن تقدم هيئة التحكيم تقريرا مبدئيا خلال فترة (90) يوم من تاريخ إنشاء هيئة التحكيم (وتاريخ إنشاء هيئة التحكيم هنا هو التاريخ الذي تم فيه تعيين رئيس هيئة التحكيم). وهذا التقرير المبدئي يجب أن يتضمن نتائج الوقائع والقانون مع ذكر الأسباب. ويمكن لأي من أطراف النزاع أن يقدم ملاحظات مكتوبة إلي هيئة التحكيم بخصوص التقرير المبدئي خلال فترة ( 14) يوم من تقديم التقرير. وبناء على طلب أي طرف تقوم هيئة التحكيم بعقد اجتماع لاحق مع الأطراف لنقاش الأمور المحددة في الملاحظات المكتوبة. وبعد ذلك تقدم هيئة التحكيم التقرير النهائي إلي أطراف النزاع علي أن يتضمن المواضيع المشار لها في التقرير المبدئي وأي آراء منفصلة بشأن المواضيع التي لم يتم الاتفاق عليها بالإجماع خلال فترة (30) يوم من تاريخ تقديم التقرير المبدئي أو ما يتم في حالة طلب جلسة استماع إضافية، ويتم نشر التقرير النهائي بعد فترة (15) يوم من تاريخ تقديمه. والمقصود هنا بالتقرير النهائي، في نظرنا، هو الحكم النهائي المنهي للخصومة الصادر من هيئة التحكيم. وفق الاتفاق فان قرارات هيئة التحكيم نهائية وملزمة من تاريخ إصدارها وإخطار أطراف النزاع بها، وهناك مسائل عديدة في الاتفاقية تتناول بالشرح مختلف الأمور المتعلقة بالتنفيذ لحكم التحكيم النهائي.

ان مثل هذه الاتفاقية، في نظرنا المتواضع، قد تشكل نواة أو لبنة أولية للمزيد من التعاون بين مختلف التكتلات الاقتصادية العالمية للتوجه نحو المزيد من التبادل التجاري بين الأمم لصالح شعوبها، وهي في نفس الوقت تفتح الباب لاختيار التحكيم كسبيل اختياري متفق عليه لحسم المنازعات التجارية. وعبر هذه الاتفاقيات الدولية تنتشر ثقافة التعامل بالتحكيم ويكون من أهم دعائم نشر العدالة الناجزة في العالم.

Source: Dr AbdelGadir Warsama Ghalib