واختيار القانون الواجب التطبيق

الخميس 26 يناير 2023
يتم إبرام العقود التجارية والمصرفية بين الأفراد أو الشركات أو بين المؤسسات التجارية والمصرفية وفي جميع الأحوال يتم الاتفاق أطراف العقد على العديد من المسائل القانونية ومن النقاط الهامة جدا تظهر نقطة القانون الواجب التطبيق على العقد. والاتفاق علي القانون الواجب التطبيق يمثل مهمة غير يسيرة وقد يتطلب الوصول اليه فترة طويلة وذلك لما يرتبط بمثل هذا الاتفاق من جوانب قانونية ومالية ومصرفية.
إن اختيار القانون الواجب التطبيق في العقود التجارية الدولية والمصرفية الدولية يعتبر أمرا معقدا، لان هذه العقود مرتبطة بجهات عديدة في دول مختلفة بما يعطي هذه العقود القابلية لتطبيق عدة قوانين. وكمثال نفترض أن بعض الشركات العالمية اتفقت مع بنوك من أمريكا واليابان على إصدار سندات لتمويل مشروع عالمي في دول الخليج فما هو القانون الواجب التطبيق على هذا العقد ؟
هل يطبق القانون الأمريكي أو الياباني حيث مكان إصدار السندات ومكان إقامة البنوك وسداد المبلغ أم يطبق قانون دول الخليج حيث تنفيذ المشروع العالمي المزمع إقامته، أم يطبق قانون مكان آخر بعيدا عن هذه الأماكن حسب الاتفاق بين أطراف العقد ؟
المثال أعلاه يتكرر في العمل التجاري الدولي أو المصرفي كثيرا وهذا يوضح مدي تشعب موضوع اختيار القانون الواجب التطبيق خاصة وأنه يحق لكل طرف في العقد اختيار القانون الذي يناسبه على الرغم من إمكان تباينه مع القوانين الأخرى واختلافه عنها. وفي كل الأحوال وبالنسبة إلى العقود المتعددة الأطراف، فلا بد من اختيار القانون الواجب التطبيق والنص عليه صراحة في العقد حتى لا يكون هناك فراغ قانوني يقود إلى منازعات قانونية. نظرا لان الفراغ عندما يحدث فانه سيملأ بواسطة المحاكم التي تنظر القضية والمحاكم قد تطبق قانونا غير محبذ للطرف المعني.
من المبادئ القانونية الذهبية والأصولية، نجد النص صراحة علي أن “العقد شريعة المتعاقدين” وعليه فان اختيار أطراف العقد ليكون القانون الواجب التطبيق هو الذي يجب أن يطبق عند أي نزاع. ولكن مثل هذا الاتفاق ليس بالأمر السهل كما يبدو من أول وهلة، وقد يتطلب الكثير من التفاوض الشاق بل أن هذا الموضوع ونظرا لحساسيته قد يقود إلي الفشل وعدم تكملة التعاقد وما ينجم عنه من خسائر مالية ومعنوية.
ومن الناحية العملية، نقول أن هناك الكثير من الصعوبات المرتبطة باختيار القانون الواجب التطبيق خاصة إذا أصر كل طرف على تطبيق قانون معين وفي بعض الحالات تتمسك الأطراف بالقانون الوطني، أي قانون بلدها، وذلك ربما بسبب الحمية أو النزعة الوطنية أو لأنه قد لا يجوز الاتفاق على أي قانون أجنبي حيث يشترط القانون تطبيق القانون الوطني في كل العقود والمشتريات الحكومية.
وقد يصر البعض على تطبيق قانون معين لاعتقادهم الجازم بأنه القانون الأفضل للتطبيق علي العقد، أو يصر البعض علي قانون معين لأنهم في وضع أقوي أثناء المفاوضات ومن أصحاب اليد العليا أو لأنهم لا يثقون تماما في الطرف الآخر أو لأن لديهم مقدرة عالية في التفاوض و فنونه أو لأي سبب آخر.
ونذكر في هذا المجال، ان اتفاقية إنشاء المركز الدولي للفصل في منازعات الاستثمار تنص على ضرورة الالتزام التام بالقانون الذي يختاره الأطراف وربما يتم اختيار القانون الذي يقترحه المقرض أو المقترض أو يتفق الأطراف على قانون مكان أو بلد محايد غير مرتبط بالعقد. ومن الملاحظ أن الدول الأوروبية عند التعاقد تختار القانون السويسري في حالة عدم الاتفاق على تطبيق قانون أي من الدول المتعاقدة وذلك نظرا لقناعة الجميع بتطور النظام القانوني والتجاري في سويسرا، وهذا في نظرنا يمثل منتهي الرقي حيث يعترف الأطراف وعن قناعة تامة بان هناك قانون بلد أجنبي متطور أكثر وأن بالبلد خبرة يتطلعون إلي الاستفادة منها في عملياتهم المصرفية أو التجارية.
وننصح، أن اختيار قانون المكان الثالث أو البلد الأجنبي المحايد في جميع الأحوال يجب أن يتم بحسن نية ويجب ألا يتم اختيار هذا القانون بغرض ونية التهرب من قانون معين أو محدد في البلدان المرتبطة بالعقد.
ونذكر أيضا انه قد يحدث في بعض الحالات اتفاق الأطراف علي اختيار القانون الدولي (العام أو الخاص) ومحكمة العدل الدولية أو غير هذا وذاك. والخطورة في اختيار ما يسمي بالقانون الدولي تتمثل في أن هذا الاختيار يعتبر غير محدد وهذا ربما يقود إلي تعقيدات خاصة إذا ظهر نزاع قانوني بين الأطراف.
كما أوضحنا، يحق لأطراف العقد وكقاعدة قانونية ذهبية، اختيار القانون الواجب التطبيق وقد يتم الاتفاق بين الأطراف على تطبيق قانون البلد المقرض ويكون هذا في الغالب في عقود التمويل لان مقدم القرض في وضع أقوى أثناء المفاوضات ويهمه استرجاع ما دفع، أو تطبيق قانون البلد المقترض وقد تقبل بعض الشركات بهذا لأسباب تنافسية لتوسيع نشاطها التجاري، أو تطبيق قانون السوق الذي يصدر السندات أو الأوراق التجارية وفقا لقانون البورصة المعنية، أو تطبيق قانون محايد وهذا باختيار بلد آخر غير مرتبط بالعقد المزمع توقيعه وذلك نظير تمتع هذا البلد بسمعة تجارية وقانونية ممتازة لوجود محاكم نزيهة وإجراءات قانونية متطورة وخبرة تجارية مرموقة ومكاتب قانونية مؤهلة أو القيام باختيار محكمة العدل الدولية أو احد مراكز التحكيم الدولية أو الإقليمية أو مراكز التحكيم الخاصة، أو تطبيق القانون الدولي العام (على الرغم من بعض التحفظات القانونية التي تقول أن القانون الدولي ليس قانونا بالمعني المفهوم للقانون)، والمقصود بالقانون الدولي العام هنا، وبصفة عامة، كل تلك القوانين والمبادئ القانونية أو الأعراف المتفق عليها دوليا، أو تطبيق قانون مكان المفاوضات أو مكان التوقيع أو مكان السداد أو مكان عمل الأطراف أو مكان تنفيذ العقد أو جزء منه.
هذا ومن الضروري أن نذكر انه إذا تم الاتفاق بين الأطراف على تطبيق قانون معين فان هناك افتراضا قانونيا بأن هذا القانون الذي تم الاتفاق عليه يعتبر قانونا معروفا ومقبولا لدي كل الأطراف، وفي حالات معينة ربما يتم الاتفاق على تطبيق أكثر من قانون واحد أو على مزيج من قوانين محلية و دولية. وبالرغم من أن هذا يعود لرغبة الأطراف إلا انه لا يفوتنا أن نوضح بان هذه الاختيارات الخاصة بعدة قوانين أو المزج فيما بينها ربما تجد صعوبات متعددة أثناء التطبيق وأيضا في قرارات المحاكم والتنفيذ.
لقد لاحظت في بعض الحالات أن هناك من يختار قانونا للتطبيق علي العقد وهو لا يعرف عن هذا القانون غير اسمه وليس لديه التفاصيل عنه وربما يتضمن هذا القانون الذي قام باختياره بعض الأحكام التي تتعارض مع مصلحته، ومن هنا يتضح ضرورة دراسة الأمر دراسة وافية وشافية قبل الاتفاق علي القانون الواجب التطبيق، وإذا دعي الأمر فقد يكون من المستحسن الحصول علي رأي قانوني من المختصين في ذلك البلد وأيضا قد يتم الاسترشاد بآراء بعض البنوك الأخرى التي لها تجارب سابقة في التعامل مع هذا القانون وهذه المحاكم وهذا البلد.
الأمر الخاص باختيار القانون الواجب التطبيق يعتبر من المسائل القانونية البحتة التي يجب أن تترك تماما للقانونيين لان بعض التنفيذيين قد يتدخلون ويوجهون باختيار قانون معين بالرغم من عدم إلمامهم بمثل هذه الأمور الفنية وما قد تقود إليه.
هناك بعض الاعتبارات التي تدخل دائما في اختيار القانون الواجب التطبيق نذكر منها بعض الأسباب المحلية ذات الصبغة الوطنية، أو ربما مجرد التعود على نمط قانوني معين أو ربما أيضا لسهولة إتباع ما هو معروف سابقا وذلك لتحاشي المصروفات القانونية أو الخوف أو الكسل من بذل الجهد والدخول في البحث عن قوانين أخري بها بدائل جديدة.
من واقع التجربة، ننصح بأخذ هذه الأمور في الاعتبار عند النظر في اختيار القانون الواجب التطبيق، وكل هذا لتجاوز المخاطر القانوينة وتجنبها لتحقيق مصلحتك العليا.
المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب
المؤسس والمدير التنفبذي
ع \ شركة د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.م
البحرين \ دبي