هل لأموال المساهم ضمانات كافية

الخميس 21 أبريل 2022

Asia 728x90

اذا ألقينا نظرة سريعة على مؤشر حركة البورصات، يتضح جليا أن الاستثمار في أسهم الشركات يجذب الأموال ويأتي كل مساهم بما لديه من أموال مدخرة لشراء الأسهم ثم البيع ثم إعادة الشراء وهكذا تنشط البورصات ويزيد الاستثمار في سوق الأسهم، ومع هذا تكبر الشركات وتزيد أرباحها وتتداخل كل النشاطات الاقتصادية وتتلاحم في بعضها والكل يستفيد. وأيضا يأتي مساهمون جدد لشراء الأسهم والاستثمار فيها بحثا عن الربح والمزيد من الفوائد، ومن كل هذا الحراك تحدث التنمية الاقتصادية والاجتماعية كما نري في العديد من الدول التي ترعي الاستثمارات المالية وتضع لها الأرضية المناسبة للنمو ثم “التفريخ” المنتج. والدليل على ذلك، أن ميزانية بعض الشركات أصبحت أكبر من ميزانية بعض الدول، وهذا بفضل الجهود الادارية وتفاعل الملاك أصحاب الأسهم.

ولكن، دائما ما تصلنا أسئلة كثيرة من الراغبين في الاستثمار في أسهم الشركات، هل هناك ضمانات كافية لأموالنا عندما نشتري الأسهم ؟ ونجيب بالقول القاطع بأن البنية التشريعية للاستثمارات المالية، وخاصة في الأسهم، تشمل عدة ضمانات تشكل في مجموعها سياجا كافيا واقيا لأموال المساهم المستثمر في أسهم الشركات بجميع أنواعها وخاصة “شركات المساهمة” المدرجة في أضابير البورصات، ويتابع أخبارها الجميع صباح مساء.

نقول أن أول الضمانات توجد في يد المساهم نفسه، وذلك من حيث أن المساهم يتمتع بالقوة القانونية التي تمكنه من اختيار مجلس إدارة الشركة، وهو يملك هذا الحق بصفته حاملا لبعض الأسهم في الشركة. وإذا التزم هذا المساهم وعمل بحرص علي اختيار الإدارة المؤهلة والمقتدرة والأمينة لإدارة الشركة فهذا بداية الضمان لأموال المساهم لأن الشركة تكون في يد “القوي الأمين”. وهل هناك ضمان أكثر من هذا ؟ بل القانون يذهب نحو الميل الإضافي ويمنح المساهم الحق، وكل الحق،   في متابعة أداء من قام باختيارهم وتكليفهم بإدارة الشركة وهذا الحق مكفول لأصحاب المال طيلة فترة تملكهم للأسهم. وهذا ضمان مضمون لصالح المساهم.

ويمكن عبر هذا الحق،  تقويم أداء الإدارة وتوجيهها لتنفيذ أغراض الشركة وكذلك عزلها إذا دعي الأمر بل ومقاضاتها جنائيا أو مدنيا لدفع التعويضات المالية الضرورية لتغطية الخسائر التي تكبدها المساهم بسبب الإخفاق أو خيانة الأمانة أو الفشل المتعمد في تأدية المهام الموكولة لهم والبينة على من ادعى. كل هذه الصلاحيات وما يرتبط بها من واجبات منحها القانون لحملة وأصحاب الأسهم، وعليهم الحرص على الاستفادة من هذا المنفذ القانوني الهام لضمان حسن الأداء وبالتالي ضمان أموال المساهم وحقه الذي يتأتى من حسن إدارة الشركة. ومن هذا يتضح، أن “رافع العصا \ السوط” الأول لضمان تقويم الأداء في الشركة هو صاحب الأسهم بنفسه ولذا عليه أن يدرك متى يرفع “الجزرة” ومتى يرفع “العصا \ السوط” ومن هذه المعادلة يأتي الضمان الأكبر لأموال المساهم.

إضافة للسلطات الإدارية العامة التي ذكرناها، يجوز للمساهم وعبر البدائل القانونية المتوفرة الاطلاع علي “مصير أمواله” ومعرفة “أين تسير؟” ويجوز له إلقاء نظرة فاحصة علي حسابات الشركة والبيانات المالية والموازنات وكيفية إدارة الصرف والدخل من أرباح أو خسائر. من كل هذا، وبموجب القانون والواقع أيضا، يتضح أن أرقام وبيانات الشركة تظل مكشوفة بكل شفافية أمام المساهم كما يمكنه طلب المزيد من المعلومات المالية والمحاسبية والاستفسار عن جميع المشروعات القائمة والمدرجة تحت التجهيز وما يتعلق بإبرام العقود وتنفيذها وما تأخذه الإدارة من المكافآت والبونس وغير هذا وذاك… فهل قام المساهم بهذا الواجب عبر البدائل الموجودة له في القانون، وهي كثيرة ومتعددة ؟ إذا فعل ذلك الواجب سيجد أن أمواله في ضمان و “مضمونة” بمتابعته وحسن تصرفه، وإذا كان المساهم ساهرا علي ماله فقطعا ستكون إدارة الشركة “مجبورة” على السهر.

ولقد حضرنا الكثير من اجتماعات أصحاب الأسهم مع مجلس إدارة الشركة وشاهدنا فيها “الويل” وكيف يمكن لأي مساهم أن يجعل “الكراسي ساخنة” بل ساخنة جدا. وفي المقابل، فان مجلس الادارة الذي سهر على حقوق الشركة يجد التقدير من كل مساهم، وذلك عند اصدار الموافقة بابراء ذمة مجلس الادارة من المسؤولية واصدار قرار خاص بذلك. “وما جزاء الاحسان الا الاحسان”.

والضمانات القانونية للاستثمار في أسهم الشركات متوفرة في عدة تشريعات من أهمها قوانين الشركات وقوانين البورصات وهيئات أسواق المال والقانون المدني وضوابط حوكمة الشركات وغيره، وكل هذه التشريعات تمنح المساهم عدة حقوق قانونية لضمان استثماراته وتلزم إدارة الشركات بالعمل النزيه وإتقان التنفيذ طيلة فترة توليهم المسؤولية مع ضرورة الالتزام بتوفير الافصاح والشفافية المطلوبة التي تمكن المساهم من الإلمام الكافي بكل ما يدور حوله أو حواليه … والغرض من كل هذا هو حماية المستثمر وحماية أمواله وأسهمه. ولذا، نلاحظ حمي شراء الأسهم التي تقود إلي التدافع في البورصات بغرض الحصول علي الأسهم ونيل عوائدها وفوائدها. وما انتشار هذه “الحمى” إلا دليل كافي يبين وجود الضمان لأموال الأسهم، كل الأسهم، مع التكافؤ العادل في التعامل مع الأسهم صغيرها وكبيرها.

من الضمانات الإضافية المتعلقة بحسن الأداء وضمان سلامة التصرفات المالية للشركة أن القانون يمنح حملة الأسهم الحق في تعيين المدقق القانوني (المراجع) الخارجي لحسابات الشركة، ويتم اختيار المدقق الخارجي من بين شركات التدقيق ذات المهنية والدراية الكافية مع الاستقلالية في تنفيذ واجبهم ولدرجة عالية تمكنهم من معرفة جميع أوضاع الشركة المالية المحاسبية شاملة التفاصيل المتعلقة بدخلها ومصروفاتها. وقانونـا، يجب على المدقق الخارجي تقديم تقرير شامل عن حسابات الشركة للمساهمين، كما يجوز للمساهمين أن يتقدموا له بكل استفساراتهم المتعلقة بالحسابات من واقع تقاريرهم أو لأي أسباب أخري يرونها ذات علاقة.   

من واقع سلطة المساهم في تعيين المدقق الخارجي مع توفر المهنية والاستقلالية في أعماله ورفع التقارير مباشرة في اجتماعات المساهمين، يتضح أن المساهم لديه الفرصة الكافية لمعرفة أحوال الشركة وعبرها معرفة موقف الأسهم التي يملكها وكل هذا يوفر ضمان قوي لأموال المساهم. بل أن القانون ذهب أكثر من ذلك بمنحه الحق للمدقق الخارجي في دعوة المساهمين مباشرة للاجتماع في حالة الضرورة التي يراها وفق تقديره (أيضا هذا الحق تتمتع به بعض الجهات الرسمية الأخري)، ومن هذه القوة القانونية الإضافية للمدقق الخارجي أو غيره تأتي قوة إضافية لضمان أموال الشركة، عفوا، بل أموال كل مساهم على حدة وغيره من المساهمين بصفتهم جميعا أصاحب أموال الشركة.

وإذا ذهبنا أكثر، نقول أنه يحق لكل مساهم حضور اجتماعات الشركة والمشاركة فيها بدلوه وأفكاره، ومساهماته مهما كانت صغيرة لا بد من أن توضع في الحسبان لأنه من ملاك الشركة وصاحب حق، بل من سؤال صغير قد تظهر أشياء كبيرة مثيرة. وهذه الاجتماعات العامة ولمنحها المزيد من القوة تحضرها الجهات الرسمية الرقابية والإشرافية وأولها وزارة التجارة المسؤولة عن منح التراخيص لتأسيس الشركات ومتابعة أحكام قانون الشركات وكل الضمانات المتوفرة فيه للشركة من جهة وكذلك لأصحاب الشركة المساهمين من الجهة الأخرى.

وإذا تبين أن إدارة الشركة، وعلى كل المستويات، غير جادة وغير أمينة فهناك إجراءات قانونية وإدارية تتمتع بها وزارة التجارة لحماية القانون وتطبيق المؤسسية. وهذه السلطات الحكومية الرقابية من وزارة التجارة، ومن غيرها من الهيئات والمؤسسات الأخرى كالبنوك المركزية وهيئات أسواق المال وهيئات التأمين والاتصالات…. ، تحضر وتراقب الاجتماعات لمنح الثقة لأصحاب الأسهم ولتؤمن ضمان سير الشركة وفق الضوابط القانونية وانسجاما مع المتطلبات السلوكية والمهنية التي تم إنشاء الشركة لتنفيذها لصالح أصحاب الأسهم وأصحاب العلاقة المرتبطة وكل المجتمع الذي تعمل فيه الشركة و”تدور” فيه أموال المساهم. 

إضافة للتشريعات العامة التي تنطبق علي الجميع، يجوز قانونا لأصحاب الشركة وضع كل الضمانات الإضافية الملائمة في عقد تأسيس الشركة وهذه الضمانات تأخذ قوتها من قوة العقد القانوني “الموثق” المبرم بين الأطراف، ونلاحظ أن بعض عقود تأسيس الشركات تتناول تفاصيل كثيرة وهذا جائز عند إبرام العقد أو في أي وقت لاحق أثناء حياة الشركة. ومما يتم الاتفاق عليه يجد المساهم الأمان لأنه يضع ضمانات لأمواله المستثمرة في أسهم الشركة، وهذا يجور في كل الشركات بل وفي أرقي الشركات.

كل هذه الترتيبات التشريعية تم وضعها في مجملها بغرض توفير الحماية للمستثمرين من أصحاب الأسهم، ولضمان حسن وسلامة استخدام أموالهم لتعود عليهم بالفوائد المادية والمعنوية. وهكذا، ومن هذا الواقع المتدثر بالقانون يتحرك دولاب الاقتصاد و “تدور” الأسهم و “تدور” الأموال بعيدا عن يد أصحابها ولكن في ضمان وحماية وحاكمية المؤسسية القانونية. ولهذا نقول هناك ضمانات كافية لأموال المساهم لدرجة الاطمئنان الكافي الوافي.

ولكن، ومن دون شك، فان المساهم هو صاحب القرار الأول والأخير ولديه كامل الحرية في أين يتوجه وأي نوع من البذرة يزرع وأي نوع من الثمار يرغب في قطفها ومتى ولماذا ؟ واذا اختار الاستثمار في الشركات فان أسهمه تتمتع بالحماية الوقائية القانونية الكافية، وعليه الحرص في المتابعة والمراقبة لتأكيد توفر الضمان لأسهمه.

المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب

المؤسس والرئيس التنفيذي

ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذم.م البحرين \ دبي