مكافآت مجلس الادارة وحوكمة الشركات

الخميس 14 يوليو 2022

Asia 728x90

مجلس ادارة الشركة هو رأس الرمح والعقل المدبر للشركة نيابة عنها وعن أصحاب الأسهم، وفي هذا الخصوص، يقوم مجلس الادارة وبتفويض من المساهمين ونيابة عنهم بوضع الاستراتيجية العامة وتوجيه دفتها نحو الأهداف التي من أجلها تم انشاء الشركة لصالح الملاك والمجتمع قاطبة. كما يقوم مجلس الادارة أيضا بالإشراف العام على الادارة التنفيذية للشركة بما يضمن تنفيذ الاستراتيجية لتحقيق الأهداف وفق الخطط الموضوعة والبرامج المتفق عليها.

ويجب على مجلس الادارة، في تحقيقه لهذه المساعي، أن يبذل كل الجهد المطلوب منه وهذا يكون تحت سمع وبصر أصحاب الأسهم الذين يحق لهم قانونا مساءلة رئيس وأعضاء مجلس الادارة عما قاموا به من أجل تنفيذ مهامهم، لأنه تكليف لهم وليس تشريف. ومسئوليات ومهام مجلس ادارة الشركة تظل كبيرة وعظيمة ولها الأثر المباشر في تقدم الشركة أو تأخرها وفي ربحها أو خسارتها وفي بقاءها أو فناءها. وعليهم جميعا العمل بيد واحدة متماسكة من أجل التصدي لحمل هذه المسئوليات والارتقاء بها نظير الثقة التي منحت لهم في تبوء قيادة الشركة.

واذا سلمنا جدلا بأن دور مجلس الادارة له الأثر الكبير في تقدم الشركة وتحقيق الأرباح الكبيرة اضافة للفوائد العديدة غير المحصورة، فان تحقيق هذه المهام وتنفيذها بنجاح يجب أن يقابله الثناء وتقديم العرفان للمجلس لما يقوم به من الانجازات. وهذا العرفان يشمل، من ضمن اشياء أخري، تقديم المكافآت المالية التي تقابل كل المجهود والبذل الذي قام به مجلس الادارة في خلال العام، والذي أتي أكله هنيئا مريئا لأصحاب الشركة وحملة الأسهم. 

وفي العديد من الحالات، تظل العلاقة بين مجالس الادارة وملاك الشركات في حميمية مصبوغة بكل الود والتراحم والتفاهم. وفي هذا الاتجاه، يظل مجلس الادارة يبذل عصارة جهده مما يحقق الارباح التراكمية وبالمقابل تظل الشركات عبر أصحاب الأسهم وفية لهم وتقوم بمنحهم المزيد من المكافآت والعطايا “السخية ” من دون من أو أذى.

وبالرجوع لأول الموجهات القانونية لتنظيم العلاقة بين الشركات ومجالس الادارة، نلاحظ أن قانون الشركات الانجليزي الذي شرع في عام 1862، منح بعض السلطات للمساهمين لوضع الاطار العام لمكافآت مجلس الادارة وذلك عبر اجتماع الجمعية العمومية للشركة. وظل المساهمون يمارسون هذا الاطار العام عبر هذا الاجتماع العام في آخر كل عام، وبمرور الزمن ظل مجلس الادارة يعكف علي تحديد المكافأة السنوية ويقوم المساهمون بدورهم بتمريرها كما هي بصفتها مقترحة من مجلس الادارة. وظل الأمر علي هذا المنوال حتي جاءت توصيات تقرير “قرينبري” في عام 1995 وكذلك توصيات تقرير “كادبوري” والتي حددت أن أمر مناقشة تحديد مكافأة مجلس الادارة يعتبر من الحقوق القانونية للمساهمين.

وبموجب هذا التقارير أصبح أمر مناقشة المكافأة “حقا قانونيا” للمساهمين يجب عليهم ممارسته ولكن، وكما يري البعض، في حدود صفة “استشارية” فقط لمجلس الادارة الذي يتوجب عليه تقديم المكافآت للمساهمين بعد اجازتها عبر “لجنة الترشيح والمكافآت” المكونة من مجلس الادارة، كما تنص مبادئ حوكمة الشركات، وفق ترتيبات معينة تشمل وجود الاعضاء المستقلين في “لجنة الترشيح والمكافآت” وذلك لافتراض حيادهم واستقلالهم عند مناقشة الموضوع.

وظل الأمر يسير علي هذا المنوال المتوازن نوعا ما فيما بين مجلس الادارة والمساهمين. ولكن، اثر ظهور النكسات المالية والاقتصادية التي عصفت بالعالم في الفترة الأخيرة قفز، موضوع مكافآت مجالس الادارة للسطح بل ان البعض وصل الي حد القول بأن مجالس ادارة الشركات هي السبب في الطوفان والغرق “التسونامي” وبالرغم من هذا فهي تستمتع بلعق العطايا المملوءة بكل ما لذ وطاب. وظل هذا الموضوع من مواضيع الساعة في كل مكان في العالم، وطفح الأمر بالشد والجذب وبين القيل والقال والتدخل بالتقنين والتشريع أو عدمه، وهكذا أصبح الأمر ساخنا بل ملتهبا لدرجة الغليان. وكان من هذا مثلا، وكرد فعل أمريكي، اصدار قانون “دود- فرانك لإصلاح وول استريت وحماية المستهلك” لوضع بعض الضوابط القانونية بل الكوابح لإعادة تنظيم الاقتصاد والعمل المصرفي الأمريكي وفق متطلبات جديدة بما في ذلك سلطات مجالس ادارة الشركات الكبرى.

واذا عدنا لمقدار المكافآت التي تحصل عليها مجالس الادارة، وبصفة عامة، فان القوانين العامة لا تضع لها تحديدا “محددا” ومبلغا معينا “علي داير المليم”، بالرغم من وجود بعض الضوابط في بعض الأماكن التي تنص علي جواز منح المكافآت في حدود نسبة من الأرباح. ومن الملاحظ أن قوانين الشركات في دول الخليج مثلا تشير الي منح مكافآت لمجلس الإدارة بما لا يتجاوز 10% من صافي الربح اضافة لشروط اخري ومع جواز منح المكافآت في حالة عدم تحقيق أرباح شريطة الحصول علي موافقة الوزير المختص (وزير التجارة).

ولا أدري من أين تم الوصول لهذه النسبة وهل هي الأنسب أم لا ؟ وماذا اذا تم بذل كل الجهد ولم تتحقق الأرباح لأسباب خارج ارادة مجلس الادارة ولم يوافق الوزير على منح المكافآت ؟ ومن هذا يتضح لنا وجود سقف أعلى لمكافآت مجلس الادارة في دول الخليج مع جواز استخدام السلطات الرقابية، مثل وزارة التجارة أو البنك المركزي، لبعض الصلاحيات في تحديد مقدار المكافأة وذلك وفق المعطيات التي يرونها. وبصفة عامة، يمكن أن نقول أن مكافآت مجالس الادارة في المنطقة ما زالت “تحت السيطرة” وفي حدود المعقول لمعظم الأطراف المعنية، ونأمل أن يشكل هذا الوضع القائم نوع من الاستقرار المطلوب لتحفيز الانتاج في الشركات في الخليج ولضمان المؤسسية في الأعمال.

اذا عدنا لتحديد مكافآت مجلس الادارة فهناك عدة عوامل يجب أن نأخذها في الاعتبار، منها الوضع الاقتصادي العام وفي البلد المعني بصفة خاصة، وكذلك وضع الشركة المعنية في السوق والمهام الملقاة على عاتق مجلس الادارة، وأثر ما يتم منحه من مكافآت على أنفسهم من منظور الدعم والتحفيز، وغيره من الأمور ذات العلاقة.

ومن دون شك، فهناك من يقف الآن مع اغداق العطايا لمجلس الادارة لدفعه للأمام في ظل المنافسة العالمية الشرسة ولجذب الولاء والاهتمام والأمانة والابداع، وعلى الجهة الأخرى، هناك من يقف بعيدا عن هذا وينتقد هذا التوجه ويقف ضده وينادي بملأ فمه بكف اليد وتقليل العطاء مع شد الأحزمة… ولكل مبرراته ومسوغاته التي يستند عليها، وكل هذا يجعل الوضع “عائما” ومتأرجحا بين هذا وذاك… ومثل هذه الضبابية ستضر بالمؤسسية وروح الابداع والقفز فوق الصعاب، وقطعا لهذا آثاره.

والآن، أصبحت معظم قوانين الشركات ومبادئ الحوكمة المرتبطة بها تنادي بمبدأ “الرأي حول الدفع” (سي أون بيي) أي منح الحق للمساهمين لإبداء رأيهم وقولهم حول الدفع المستحق لمجلس الادارة كمكافأة. ومن هذا المنطلق أصبح مجلس الادارة ملزما بإخطار الجمعية العمومية العادية بمقدار المكافأة الممنوحة في آخر العام لمجلس الادارة، وكذلك اخطار الجهات الإشراقية المختصة ك(سوق المال أو البنك المركزي) بهذه التفاصيل بكل شفافية ليتمكنوا جميعا من المناقشة الصريحة وابداء “الرأي حول الدفع” أو مقدار المكافأة القابلة للدفع.

وعلى هدي هذا المبدأ تسير الآن أمريكا ومعظم دول الاتحاد الأوربي، حيث يقوم المساهمون بمناقشة المكافآت والموافقة عليها وعلى تفاصيلها. ولكن كل هذا يتم دون تحديد مقدار معين ثابت، بل يظل الأمر متروكا لما يحدده “اقترحه” مجلس الادارة وما “أقره” المساهمون لاحقا وذلك وفق كل حالة ووفق المعطيات الخاصة بها. ويتضح من هذا المبدأ القانوني أن المشرع قصد توفر الافصاح الكامل مع الشفافية المطلقة بين طرفي الأمر، أي المساهمون من جهة ومجلس الادارة من الجهة الأخرى، واذا توفرت هذه المعايير فان ما تم انجازه خلال العام سيكون مطروحا على الطاولة وبجانبه مقدار الجهد الذي قام مجلس الادارة ببذله لتحقيق هذا الانجاز.

ومن حقيقة هذا الوضع المطروح أمام الجميع يتم التوصل لمقدار المكافأة “المناسبة” أي تلك المقترحة من مجلس الادارة والحائزة علي مباركة المساهمين. ومن تحقيق هذا “التوازن” بين مصالح الجميع ستستفيد الشركة وكل أصحابها بما فيهم أعضاء مجلس الادارة، وكل هذا بالطبع من دون تضارب للمصالح أو ايثار للنفس أو هضم لحقوق الأطراف. ومن توفير هذا الجو سيشعر الجميع بروح العدالة ولن يشعر أحد بأن حقوقه مهضومة أو منقوصة. ولكن يجب أن نوضح أن هناك آراء كثيرة تقف ضد هذا التوجه لأنه في نظرهم يمثل انتقاصا لسلطات “مجلس الادارة” وصلاحياته مما يشكل اهتزازا لعلاقة الثقة المفترضة بين أصحاب الأسهم ومجلس الادارة.

وفي انجلترا، وللسيطرة غير المباشرة على مكافآت مجلس الادارة، هناك توصيات بتقليص فترة أو فترات البقاء في مجلس الادارة لأن البقاء لفترات طويلة تنمو معه نزعة المطالبة بالمكافآت الكبيرة بغض النظر عن مقدار الانتاج ومساهمة عضو مجلس الادارة فيه.

مما تقدم يتضح لنا أن موضوع مكافآت مجلس الادارة ما زال متأرجحا، وسيظل كذلك لفترة قد تطول، وهناك من ينادي بالتدخل للضغط وللتقليل من المكافأة وهناك من ينادي بالعطاء في المكافأة لفتح المجال لمجلس الادارة للإبداع والتفاني وخلق الفرص للتحليق عاليا بالشركة. وهكذا، المواقف متباينة بل قد تكون متضاربة. ونري ضرورة التوازن بين مصلحة الطرفين حتي نأتي بأفضل النتائج للشركة، وفي رأينا أن يتم هذا التوازن عبر لجنة دائمة (وليس القرار في اجتماع واحد قد يعتريه ما يعتريه) مختارة من خيرة المساهمين ومن مجلس الادارة. على أن تقوم هذه اللجنة المختارة بإجراء التقييم الفني والمهني لما قام ويقوم به مجلس الادارة من كافة الانجازات السنوية وتحديد مقدار مكافأة المجلس بناء علي ذلك الانجاز، آخذين في الاعتبار آثار الانجاز على مستقبل الشركة المنظور وتطورها الطموح.

وقد يكون من المناسب أيضا الاستعانة ببيوت الخبرة المؤهلة المستقلة اضافة للجهات الإشراقية الرقابية المختصة وذلك للمساعدة في اجراء التقييم العلمي والفني من أجل تحديد المكافأة المتوازنة لجميع الأطراف بحيث ينال كل ذي حق حقه من دون زيادة أو نقصان.

وعلى مجلس الادارة أن يضرب المثل في نكران الذات وايثار الآخرين والنظر لموضوع المكافآت بكل موضوعية لصالح جميع الأطراف بعيدا عن الذاتية. وقد يكون من الأفضل لهم وللشركة ربط المكافأة بنسبة معينة من الأرباح يتم تحديدها من بداية العام ويتم العمل بموجبها منذ البداية ووفق أولويات متفق عليها، مع ضرورة مراجعة هذه النسب بين فترة وأخري بالتشاور مع المساهمين. وكل هذه الاجراءات يجب أن تتعدي مرحلة النوايا ومن الأفضل وضعها في لوائح تنظيمية نافذة علي الجميع بعد الحصول علي “المباركة” والتأييد من كل السطات الإشراقية الرقابية المختصة..

المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب

المؤسس والمدير التنفيذي

شركة د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.م

البحرين \ دبي