للعقود التجارية الدولية: FOR INTERNATIONAL COMMERCIAL CONTRACTS

Asia 728x90

تناولت في مقال الأسبوع السابق، مدى قانونية مبادئ يونيدروا للعقود التجارية الدولية وأهميتها وأثرها على هذه العقود التجارية الدولية الهامة. ولحسن الحظ وجد الموضوع اهتماما ووصلتني استفسارات عديدة، ونكتب بغرض المزيد من التوضيح لهذه المبادئ القانونية الهامة.

كفذلكة تاريخية نقول، مبادئ يونيدروا أصدرها المعهــد الــدولي لتوحيــد القــانون الخــاص (يونيــدروا) ومقره روما، وهي تأخذ أسمها منه. وبعد اصدار المبادئ تواصل المعهد مع لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (يونسيترال)، التي اصبغت موافقتها وأقرت مبادئ يونيدروا لعام 2010 (وبعدها صدرت مبادئ في أعوام أخري بغرض التطوير)، وبهذه الموافقة من الأمم المتحدة أصبحت مبادئ يونيدروا جزء من القانون الدولي.

وفي خضم موافقتها، أفادت يونيسترال أن الهـدف مـن مبـادئ يونيـدروا لعـام ٢٠١٠ ينحصر بصفة أساسية في معالجة بعض المواضيع القانونية التي تهم قطاع الأعمال التجارية الدولية والأوساط القانونيـة. ومن الواضح أن من قام بوضع المبادئ كان يهدف لأعادة روح سيادة القانون وروح ال “ليكس ميركاتوريا”، المنبثقة من مبادئ القانون الروماني القديم المنظم للأعمال التجارية، ولكن في ثوب جديد مقبول للتعامل وفق الأسس القانونية التي تمكن الأطراف من اختيار القانون الواجب التطبيق. ومن أهم ما تتنــاوله المبادئ وضع أحكام قانونية اضافية للعقود التجارية الدولية مثل رد الحــق في حالــة عــدم تنفيــذ العقــد، انتفــاء الــشرعية، الشروط المرتبطة بالعقد، تعدد المتعهدين والمتعهد لهم، حساب المقاصة، سقوط الحق بالتقادم، شروط الالتزام المشترك والمتعدد، قواعد تطبيق العدالة الطبيعية “ايكويتي”، اجراءات المحاكم المحلية بالنسبة لمبادئ يونيدروا، اللجوء للقضاء، اللجوء


للتحكيم وموقف القضاء والتحكيم من المبادئ.. ألخ.

ولا بد من القول أن المبادئ عبارة عن “قانون يتكون من 116 مادة و7 فصول” وهي تشكل ما يشبه قانون جديد للعقود لكن لم يصدر من سلطة تشريعية، لكنها طورت وضعا جديدا في بعض المبادئ السائدة والمعروفة في قانون العقود (المتوفر بين أيدينا وما درسناه في الجامعة). ونذكر من هذا مثلا، حالة الظروف الاستئنائية الطارئة “الاستحالة حيث وضعت المبادئ اجراءات تفصيلية للحفاظ على العقد الي أقصى حد ممكن ومهما كانت ظروف الاستحالة. وهذا قد يكون كمخر ج قانوني جديد يضع أطراف العقد أمام مسؤولية التمسك بالعقد وتنفيذه لابراء الذمة، وكما نعلم دار نقاش قانوني عميق حول الاستحالة والظروف القاهرة بسبب حائحة كورونا. (وقد يرتاح البعض لهذا المخرج القانوني الذي يضع الحل في حالة “الاستحالة” في يدهم دون اللجوء للمحاكم، وعليه ولمن يرغب في هذا المخرج أن يضع في العقد مبادئ يونيدروا لتكون القانون الواجب التطبيق، والأمر جله كما أوضحنا يعود لأطراف العقد). وكذلك تتناول يونيدروا بعض الأحكام الخصة بالوكالة ودور “الوكيل” ودور “الأصيل المستتر” الذي لا يملك الحق المباشر في مقاضاة الطرف الثالث، وبصفة عامة هذا أمر جائز وفق الأحكام العامة لعقد الوكالة.

العديد من الجهات والكفاءات القانونية ولجنة يونسيترال، كلها توصي باستخام المبادئ عند الاقتضاء للأغراض المقصودة منها، وهناك اعتراف تام بأن مبادئ يونيدروا تضع مجموعة شاملة من القواعد الخاصة بالعقود التجارية الدولية وبذلك تكون مكملة للعديد من صكوك ووثائق القانون التجاري الدولي، بما في ذلك اتفاقية الامم المتحدة لعقود البيع الدولي للبضائع، نظرا لما بهذه الاتفاقية من فائدة في تيسير التجارة وتكون يونيدروا مكملة لها.

وتنص أحكام ٢٠١٠، علـى أنَ المبادئ، تضع قواعد عامة للعقود التجارية الدولية، وأنها تطبق عندما يتفق الطرفان على تطبيقها على العقد المبرم بينهم. ويجوز تطبيقها عندما يتفق الأطراف على أن احالة العقد الى مبادئ القانون العامة أو قانون التجارة أو ما شابه ذلك (ولاحظنا هذه في عدة عقود)، وعندما لا يختار الاطراف قانون محدد يحكم العقد. وكما يجوز أن تستخدم لتفسير الصكوك والوثائق القانونية الدولية الموحدة أو استكمالها، وأن تستخدم لتفسير القانون الداخلى أو استكماله، وأن تكون


المبادئ بمثابة نموذج للمشرعين على الصعيدين الوطني والدولي. ومن هذا يتبين لنا، أن نطاق تطبيق المبادئ واسع لفتح المجال أمام العديد من الحالات، وهكذا تلعب يونيدروا في مرمي تطوير ودعم وتقنين عقود التجارة العالمية.

واذا اطلعنا على المبادئ الخاصة بعقود التجارة الدولية، نجد أنها وضعت في صياغة قانونية محكمة من كفاءات قانونية فنية ذات خبرات طويلة في العمل الأكاديمي والقضاء والمحاماة والتجارة والأعمال. وهذه الكفاءات وضعت عصارة تجاربها في صياغة المبادئ بعد دراسة كل القوانين المحلية والدولية والمعاهدات والاتفاقيات ذات الصلة بغرض الاتيان بحلول قانونية جديدة تنطبق بصفة أساسية على من يختارها. ويونيدروا تتناول العديد من الأمور القانونية الدولية ومن أهمها المبادئ القانونية الأساسية الخاصة بقانون العقود. وكما يقول من شارك في وضع هذه المبادئ، أن الغرض منها خلق أو وضع قانون مناسب للمعاملات التجارية الدولية التي لا ترتبط مباشرة بقانون محلي ويفضل أصحابها تطبيق نظام قانوني آخر (غير محلي).

وللتنبيه، فان دور المبادئ ينحصر في التطبيق على “العقود التجارية” فقط وليس على أنواع العقود الأخري التي تتعلق بالمستهلكين مثلا أو الايجار أو العمل، وكذلك فانها لا تنطبق عندما يكون أحد الأطراف لا يتعامل بالتجارة ولا يحترف التجارة كمهنة ثابتة. ومن هذا الواقع نلاحظ بان العدد الأكبر من العقود اليومية يقع خارج الاختصاص. وهذا يعود، بالطبع، الى أن المبادئ تستهدف في الأساس حاجة التجارة الدولية الي حلول قانونية معينة ترضي فكر وأهداف ومرامي التجارة الدولية ورجال الأعمال والتجار الدوليين، وبصفة خاصة في تلك المسائل التي لا تحققها القوانين المحلية الوطنية لنظرتها الداخلية المحضة.

مبادئ يونيدروا تعتبر اضافة حقيقية في مجال القانون الدولي، وتم وضعها بكفاءة مهنية مستقلة وبعيدة عن تدخل الحكومات، وهذا يمنحها ميزة مميزة وتفتح الباب لمن يرغب في الاستفادة منها خاصة بعد صدور أحكام قضائية وتحكيمية تمنحها القوة القانونية المعتمدة وتأييد لجوء الأطراف لها كمنفذ قانوني سليم وكفء.

المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب

المؤسس والمدير التنفيذي

شركة د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.م

البحرين \ دبي