لائحة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بالتبليغ العام (سي آر اس) عن التهرب الضريبي

قامت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (أو اي سي دي) بإعادة اصدار لائحة التبليغ العام، والتي بموجبها ووفق أحكامها يجب أن تقوم كافة البنوك والمؤسسات المالية في كل الدول بالتبليغ التلقائي وتبادل المعلومات عن حسابات الأجانب لديهم. والغرض من هذا التبليغ التلقائي وتبادل المعلومات بين الجهات المختصة، هو العمل علي تمكين سلطات الضرائب في أي بلد لمعرفة تفاصيل حسابات مواطنيهم (ذويهم) في الخارج بغية متابعة المتهربين من دفع الضرائب في بلدانهم وفق ما هو مطلوب منهم بموجب القوانين والاجراءات الصادرة في هذا الخصوص.

Asia 728x90

من دون شك، فان التهرب الضريبي أصبح من آفات العصر ومن الجرائم الاقتصادية المالية الخطيرة التي قد تهدد بانهيار الدخل القومي للدول وفراغ الخزينة العامة من أموال الضرائب المستحقة الدفع وفق الأحكام والاجراءات القانونية المختصة في كل بلد. ومن المعلوم، أن مورد الضرائب يعتبر من موارد الدخل الرئيسية للعديد من الدول، بل أغلبها، ومن هنا تنبع الأهمية وضرورة المتابعة لرفع نسبة التحصيل الضريبي بغرض زيادة الدخل ورفع مقدرات الدولة المالية.

ولقد أشارت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الى أن العديد من التقارير المعروفة بفضائح بنما (بنما ليكس) وتقارير (التاكس هيفن – جنة الاعفاء الضريبي)، التي ظهرت للعيان قد كشفت أن أعدادا كبيرة من ذوي المداخيل الكبيرة ظلت تتهرب من دفع الضرائب بل وتعمل علي تهريب أموالها وذهبها ومكتنزاتها الغالية بعيدا عن الأعين وبصفة خاصة عن أيدي مفتشي الضرائب وجامعي المكوث.. وهذه التقارير التفصيلية بالأرقام، ولحكمة لا نعلمها الآن، قد فضحت أمر الكثيرين من أصحاب الجيوب الكبيرة والحسابات ذات الأرقام الضخمة، وما خفي أعظم.

وما ورد في هذه التقارير وفي غيرها من الجهات العديدة، يدلل بوضوح تام علي فشل القوانين المحلية الداخلية في كبح جماح المتهربين من دفع الضرائب وكسر أنانيتهم المتمثلة في اخفاء ما يملكون حتي لا يساهمون في رد بعض الجميل لبلدانهم وأوطانهم ومواطنيهم. ولقد ظل هذا الوضع مؤرقا للدول والحكومات والمنظمات الدولية المختصة وقبل هؤلاء تلم الفئة من الملتزمين بدفع الضرائب علي “داير المليم” لأنهم يشعرون بالغصة في حلوقهم نظير التزامهم الوطني بدفع ماعليهم من ضرائب وأتاوات وغيرهم يستمتع بالتهرب بدون رقيب حسيب.

لتجاوز هذا الوضع القبيح الشاذ، كان لا بد من ابتكار وسائل وبدائل أخري لرد أموال الضرائب المستحقة وفي هذا الاطار قامت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بدراسة الوضع وتمخض عن ذلك اصدارها “لائحة التبليغ العام” والتي تطلب فيها من المؤسسات المالية التبليغ عن أموال الأجانب لديها وذلك وفق ما ورد في أحكام اللائحة. وكل هذا من أجل الصالح العام وسعيا نحو تضييق الفرص أمام من يرغبون في التهرب الضريبي لأن أي جهة يضع فيها أمواله ومقتنياته ستقوم بالتبليغ الفوري عنه تلقائيا وبذا فان أخباره ستصل قبل أن يرتد اليه طرفه.

وبالطبع فان المؤسسات المالية والبنوك مستهدفة بصفة أساسية للمساعدة في هذا الأمر لأن الأموال والمكتنزات الغالية ستوضع في خزائنها السرية والمحاطة بالإجراءات الأمنية القوية علي مدار الساعة. وهكذا قدر المؤسسات المالية والبنوك فهي المستهدفة من المجرمين أولا وفي نفس الوقت من الجهات المختصة من متابعي المجرمين من الجهة الثانية.. والتجربة التي تمت مع ال (فاتكا) الأمريكية ليست ببعيدة، وكانت تجربة مثيرة للقطاع المصرفي بما لها وما عليها. وكل التجارب، الايجابية أو السلبية، مفيدة لمن يعتبر.

ان عضوية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تشمل تقريبا كل الدول الأوربية وأمريكا واليابان وكندا واستراليا وكوريا وغيرهم، ومن هذا يتضح أنها تقريبا تشمل كل اقتصاد العالم. وفي هذا الخصوص، وبصفة خاصة فان عدد الدول التي أقرت واعتمدت لائحة التبليغ العام (سي آر أس) يتجاوز المائة بلد من ضمنهم دول من الخليج، وهذا ما يهمنا لأن اللائحة ستطبق وتنفذ في دول الخليج حتي تكون المنطقة نظيفة وخالية من مثل هذه الجرائم الخبيثة. ولا بد من الاشارة الى أن قوانين غسل الأموال تشمل الأموال التي تأتي من ارتكاب الجرائم مثل جريمة التهرب الضريبي، والسماح للمتهربين بوضع أموالهم في بنوك بعيدة يفتح لهم ولغيرهم الباب للمزيد من التهرب الضريبي وللمزيد من الممارسات المالية المخالفة للقانون والاجراءات السليمة. والاطار القانوني الذي تعمل فيه البنوك في محاربة غسل الأموال، يسهل لها التعامل مع المتهربين من الضرائب. وهذا بالطبع، يدعم دور البنوك في التفاعل والاهتمام مع توجهات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تنادي بالتبليع العام عن هذه النوعية الأنانية من البشر. ومن هذه الوقفة، لا مكان للمندسين المخالفين للقانون وخاصة المتهربين من الضرائب المقررة عليهم.

وكمثال، نلاحظ أن مصرف البحرين المركزي أصدر توجيها في 30 يناير 2017 وآخر في 10 أبريل 2017،  لكل المؤسسات المالية المرخصة للالتزام بتطبيق ما ورد في لائحة التبليغ العام (سي آر أس)، وذلك يتمثل في التقديم التلقائي للمعلومات المطلوبة عن وبخصوص حسابات واستثمارات وأموال الأجانب المودعة والمستثمرة لديهم . وبعد الحصول علي المعلومات المطلوبة سيقوم مصرف البحرين المركزي بإبلاغ الجهات الأجنبية المختصة. وهكذا تكتمل دورة المتابعة والملاحقة على أعلى المستويات.

وهذا الاجراء يوضح أن المؤسسات المالية بالبحرين ستقوم بما هو مطلوب منها وفق “لائحة التبليغ العام” الصادرة من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وتنفيذا للتوجيه الصادر من مصرف البحرين المركزي ليتم تطبيق الاتفاقية التي وقعتها حكومة البحرين في هذا الخصوص. والالتزام والتعاون الدولى هام جدا في هذا الخصوص لحماية الجميع وفق القانون والاتفاقيات الدولية.

من دون شك، فان تطبيق ما ورد في لائحة التبليغ العام بواسطة المؤسسات المالية في البحرين له التزامات يتم تحملها والاعداد لها. من ضمن هذه الالتزامات اعداد ووضع البرامج التقنية الالكترونية الضرورية للتنفيذ، اعداد اللوائح والمستندات الخاصة بالحسابات المصرفية أو الاستثمارات المالية، اتخاذ الخطوات القانونية الضرورية من حيث الحصول علي موافقة العملاء وكيفية التعامل بما يحفظ الحقوق القانونية للمؤسسات المالية، اعداد الكفاءات البشرية وتدريبها التدريب اللازم للقيام بهذا العمل بصورة سليمة.. وكل هذا يحتاج للمال وللعمل المتواصل وللوقت الثمين وربما توظيف الكفاءات.. وغيره. ولكن، أملنا كبير في ان تجتاز المؤسسات المالية هذه المرحلة بسلام مستفيدين من التجارب السابقة خاصة تجربة تطبيق ال (فاتكا) الأمريكية.

ان التهرب الضريبي يعتبر من الجرائم المالية الاقتصادية المضرة، ويجب علي الجميع التصدي لها وحشد كل الامكانيات المادية والبشرية في مواجهتها. والمؤسسات المالية وخاصة البنوك، لعبت دورا كبيرا في التصدي للعديد من الجرائم المالية الاقتصادية مثل جرائم غسل الأموال القذرة وجرائم تمويل الارهاب.. وكانت تجربة البنوك في هذا الصدد ناجحة وكل هذا النجاح والتجارب المتتالية المكتنزة ستمكن البنوك والقائمين عليها من استيعاب اللوائح والاجراءات الخاصة بمكافحة ومنع التهرب الضريبي.. وقطعا، سيضاف ما تقوم به المؤسسات المالية لإنجازاتها المهنية المتواصلة دوما لتطبيق القانون وسيادة حكم القانون.

ان جريمة التهرب الضريبي من الجرائم عابرة الحدود بحثا عن الأمان ومواجهتها تتطلب التعاون والتكاتف الدولي، والا لن تتوقف وسيستمر المجرمون في استنزاف الأموال واكتنازها لتحقيق مآربهم الشخصية علي حساب بلدانهم ومواطنيهم. وهذا يجب الاصطفاف في مواجهته صفا واحدا وقلبا واحدا ويدا واحدة.. والا سيتسرب الماء عبر المسالك المنحدرة السهلة غير المحصنة. ولذا، فان علي كافة المؤسسات المالية والبنوك الاستعداد واعداد العدة اللازمة لخوض هذه المعركة لكسبها دون خسائر تذكر.. وعلى جميع البنوك بذل الجهد والاستعانة بالمختصين في هذه المجالات الحساسة تجنبا للمخاطر القانونية وغيرها، خاصة تلك المتعلقة بحماية البيانات والمعلومات الشخصية وفق القوانين الوطنية والدولية وأيضا تلك المتعلقة بسرية العلاقة بين البنوك والزبائن..

المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب

ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.مالبحرين \ دبي