ضوابط تنظيم البنية الأساسية للسوق الأوروبي (أ.م.ي.ر)

الخميس 9 فبراير 2023

Asia 728x90

قانون أمريكي قاد الى خلافات حادة بين أمريكا وأوربا لأنه ليس في صالح الصناعة الأوربية بل يسبب لها أضرارا. وبالطبع الحرب الدائرة الآن في اوكرانيا ستزيد الطين بلة بسبب تأثيرها المباشر على الأوضاع الاقتصادية. وبالاضافة لهذا، من ناحية أخرى، هناك مؤشرات تظهر بين الحين والآخر، تدل على وجود الرغبة لدي الجهات الرقابية والإشرافية في العالم، لتعزيز الرقابة على البنوك والأسواق وزيادة الأشراف على بعض النشاطات المالية والمصرفية لكبح جماحها والسيطرة عليها حتى لا يتعرض العالم لهزات مالية اقتصادية جديدة تعصف بكبار الشركات والبنوك والدول.
في أمريكا سبق أن ظهرت دعوات جديدة لإصدار قانون لتفعيل تطبيق قواعد (فولكر)، رئيس الاحتياطي الفدرالي سابقا، وقواعده تنص على منع البنوك والمؤسسات المالية من الدخول في المغامرات وتجنب المضاربات بأموالها والدخول في الاستثمارات ذات المخاطر العالية دون الحصول المسبق على موافقة الجهات الإشرافية الرقابية المختصة، وبالعدم تعريض أنفسهم ومؤسساتهم للعقوبات والجزاءات. وهذا التوجه بالطبع له ما له ويجد في أمريكا عدم القبول من باحثي الربح السريع ومرتادي المغامرات على حساب الآخرين. ومن هؤلاء من يدافع عن موقفه ويقول ان مثل هذه الإجراءات (التقييدية) ستضر بالبنوك وستقود إلى انكماش الأسواق وغير هذا من النقض لقواعد فولكر، وبالرغم من أن هناك من يقول انها تتضمن بعض المحفزات المضمونة للسوق.
وانتقلت العدوى عبر الأطلنطي إلى أوروبا، حيث أصدرت المفوضية الأوروبية بعض الضوابط الهامة لتنظيم البنية الأساسية للسوق الأوروبي وما تعرف جوازا بـ  (آي أم إي أر) أو (امير)، والغرض منها وضع بعض ممارسات السوق تحت العين و”السيطرة”. بل إن التقيد بهذه الضوابط أصبح مفروضا على البنوك الأجنبية (كطرف ثالث) التي تتعامل مع البنوك الأوروبية لأنها ستسأل عما فعلت أو ستفعل بالضوابط الجديدة، وعبر هذا تتوسع سلطات الرقابة على الأسواق لأن تنفيذ الضوابط امتد ليشمل من هم خارج أوروبا. وهنا أيضا تدور الدوائر، وتوجد الأصوات المعارضة لكبح حرية الأسواق والمناداة بتركها لتصحيح أوضاعها بنفسها دون تدخل قد يأتي بنتائج عكسية.
وإلمام البنوك الأجنبية بالضوابط الأوروبية هام وينبع من أنها تتضمن بعض الاستثناءات لهذه البنوك كطرف ثالث وهذا يتم مع الأخذ في الاعتبار بالتشريعات المحلية التي تحكم البنوك الأجنبية. والعلاقة بين البنوك الأجنبية والضوابط تظهر بصفة خاصة عند التعامل مع اتفاقيات (ايسدا) أي المنظمة الدولية للمبادلات والمشتقات والتي من مهامها الأساسية تهيئة المناخ السليم لكافة التعاملات في أسواق المال ومن هنا يأتي التداخل بين اتفاقيات (ايسدا)، وضوابط تنظيم البنية التحتية للسوق الأوروبي.
وكما ذكرنا فان ضوابط (امير) تحوم داخل السوق الأوروبي وكذلك حول من يتعامل مع هذا السوق، والكثير من البنوك في هذه المعمعة، مما يتطلب معرفة هذه الضوابط بعد إصدارها من المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي، خاصة وأن العديد من الدول الأوروبية وبنوكها تعرض لهزات وأزمات والجميع يرتعد من تكرار هذه التجارب. ولضمان الالتزام بالتطبيق، هناك نصوص تلزم بتحديد الجهات (الوطنية) المكلفة في كل بلد والتي ستقوم بتأكيد الالتزام ودرجات هذا الالتزام مع ضرورة إخطار المفوضية الأوروبية وفق المتطلبات القانونية المعينة.
ومن الضروري أن نذكر أيضا، أن هذه ضوابط (امير) تتضمن بعض الاستثناءات في التطبيق ودرجات التدرج في التطبيق وكمثال هناك بعض الاستثناءات الخاصة بصناديق المعاشات أو صناديق التعاملات الخاصة بالفئات وهذا بالطبع لخصوصية مثل هذه الصناديق وأيضا لخصوصية وطبيعة الاستثمارات المرتبطة بها. وهناك ضوابط معينة أيضا تنطبق على الجهات غيرالمالية بحيث لا يتم التعامل معهم بنفس درجة التعامل مع الجهات والمؤسسات المالية كالبنوك وشركات الاستثمار.
ومن المتطلبات الأساسية التي تشترطها ضوابط السوق الأوروبي نذكر، ضرورة الحصول على موافقة السلطات الرسمية (كالبنوك المركزية) للتعامل في بعض الاستثمارات المالية «أوفر ذا كاونتر»، وتطبيق كل البدائل لتقليل المخاطر عند التعامل في الحالات التي لا تتطلب موافقة السلطات الرسمية، ضرورة الالتزام بتقديم التقارير الوقتية شاملة التفاصيل الضرورية للجهات الإشرافية على هذه المعاملات، وفي كل الأحوال يجب مراعاة تطبيق أفضل المعايير المهنية والممارسات السليمة في جميع التعاملات في الأسواق، مع مراعاة الشفافية والإفصاح الكافي وتوفير كل المعلومات الأساسية والتقارير لعامة الجمهور والجهات الرسمية، وكيف ومتى يتم الإفصاح المطلوب.. مع تطبيق أفضل البدائل لتجنب المخاطر وبما يتضمن تقديم المعلومة الصحيحة في الوقت الصحيح ومن الشخص المناسب في الوقت المناسب، والقيام بتسجيل ومراقبة الحسابات ومضاهاتها، والتأكد من توفر الضمانات والرهونات الكافية، وضرورة توفير البدائل المناسبة لتسوية المنازعات وحفظ الحقوق، وكذلك توفير وإعداد وحسن صياغة المستندات القانونية.. مع التأكد من مدى وكيفية انطباق الضوابط على المؤسسة المالية أو السوق المعني نظرا لأن معايير التطبيق تختلف من جهة لاخرى.
ومع هذه الضوابط الأوروبية الجديدة تم إعداد لوائح عديدة تتضمن العقوبات والجزاءات التي ستنهال على رأس كل من يخالف خاصة وأن هذه (النفرة) الأوروبية الجماعية تتطلب وقوف الجميع خلف الضوابط الجديدة والحرص على تطبيقها لتأتي بأكلها لجميع دول القارة. ولهذا فان من يتخاذل سيضر بالجميع وسيفسد هذا المجهود الجماعي المتوحد، ولذا يجب إيقاع العقوبة حتى يتم الالتزام الكامل من الجميع وبدون استثناء أو أي ثغرة… وهكذا تم توضيح الواجبات وعقوبة من يفشل في تأدية الواجبات.
مما تقدم يتضح لنا أن الوضع في أسواق المال في تغير خاصة بعد القيود في أمريكا وأوروبا، وكما يبدو فان التوجهات في هذه الدول بصفة عامة تحمل في مضمونها الحذر والريبة خوفا من المستقبل بسبب ما تعرضت له الأسواق في السنوات الأخيرة، ولكن هذه القيود لا تأتي فقط بكل ما هو جميل بل قد تأتي بنتائج عكسية والفيصل في كل هذا حركة السوق التي تتأثر بمعطيات كثيرة قد يكون بعضها ظاهرا ومعظمها في المجهول… وبالطبع فان تقييم مردود نتائج هذه السياسات الجديدة يحتاج لبعض الوقت ونأمل ألا يطول. ولكن علينا في جميع الأحوال أن نتبع خطوات الحذر التي يسير عليها العالم حتى لا ينجذب التيار نحونا..

المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب

المؤسس والمدير التنفيذي

ع \ شركة د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.م

البحرين \ دبي