حياد هيئة التحكيم

 يوليو 2022 7 الخميس

Asia 728x90

الرغبة في اللجوء للتحكيم لحسم المنازعات تعود لأطراف النزاع أنفسهم، لأن التحكيم يمثل ارادة الأطراف الطوعية حيث يختارون طريق التحكيم لتسوية النزاع الناشئ بينهم. وهذه الرغبة الخاصة باللجوء للتحكيم كبديل لتسوية المنازعات يحميها القانون الذي يمنح التحكيم القوة القانونية لنفاذ قرار التحكيم النهائي. ولكن، هناك شروطا معينة يجب توفرها ليصبح التحكيم نافذا بالقانون. أن كيفية اختيار هيئة التحكيم وأعمالها الاجرائية ومدة عملها وكيفية عزلها، كل هذه النقاط وفق رغبة الأطراف ووفق أحكام القوانين التي تصدر في أحكام الزامية، وعلي الهيئة الالتزام التام بهذه الأحكام. وعليه، فان كل هذه الأحكام يجب مراعاتها بدقة، حتي يتمكن “التحكيم” من القيام بدوره في تحقيق العدالة لأطراف النزاع وترسيخ مبادئ العدل بصفة عامة. ولقد ثبت جليا، أن اللجوء للتحكيم ساعد كثيرا في تسوبة المنازعات الكبيرة الحساسة مما أدى لترسيخ أركان العدالة الناجزة.

ومن أهم الأحكام الالزامية الخاصة بالتحكيم ليكون نافذا، ضرورة حياد “نيوترلاتي” أعضاء هيئة التحكيم وعدم وجود أي علاقة أو رابط أو تواصل بين أعضاء هيئة التحكيم وأطراف النزاع أو موضوع النزاع. ووفق هذه القاعدة الأصولية الجوهرية فان حياد هيئة التحكيم أمر الزامي يجب توفره وبصورة مطلقة ونهائية. ان حياد أعضاء عضاء أعضاؤ هيئة التحكيم وعدم وجود علاقة مع أطراف وموضوع النزاع، أمر هام لأنه يضمن عدم تأثر أعضاء هيئة التحكيم بهذه “العلاقة” التي قد تؤثر أو تلقي بظلالها علي القرار النهائي المنهي للخصومة. والبشر يتأثرون، سلبا أو ايجابا، بهذه العلاقات ولذا يجب ألا تكون موجودة بأي صفة حتي يتوفر الحياد المطلق والتام. ومن المفروض أن يكون عضو هيئة التحكيم “خالي الوفاض تماما” من النزاع وأطرافه، وعبر هذا الواقع يأتي حكمه فقط من واقع ما تم عرضه أمام هيئة التحكيم وليس من واقع ما يعرفه أو يتعاطف معه مسبقا.

من هذا الأمر الواقعي والقانوني، فان عدم توفر “حياد” هيئة التحكيم يؤدي الي “نسف” كل ما قامت به هيئة التحكيم لأن عدم الحياد التام، ولأي درجة كانت، يقود الطرف المتضرر للتقدم بالطعن لنقض حكم التحكيم. واذا ثبت عدم توفر الحياد، فان المحكمة المختصة ستقضي ببطلان حكم التحكيم، وفي هذا “نسف” للتحكيم الذي تم واهدار للوقت والمال وعدم احترام العدالة بل اعاقتها وامتهانها. وعلي الجميع أن يدرك، أن الطرف المتضرر سيبحث عن “القشة” لقصم ظهر البعير، وهذا تصرف طبيعي ممن فقد شيئا ماديا أو معنويا.

كمبدأ عام، فان الاعلان عن الحياد يعتبر من المسؤوليات المباشرة لكل عضو. وهذا الاعلان يتم في مرحلة اختيار هيئة التحكيم، حيث يطلب ممن يتم اختياره للتحكيم الاعلان والافصاح عن عدم وجود أي علاقة مع أطراف النزاع أو القضية موضوع النزاع. وفي هذه المرحلة الأولية، يجب على هذا العضو تأكيد عدم وجود أي علاقة مهما كانت مما يؤكد حياده التام. وهذه من الأمور الهامة التي تهتم بها مراكز التحكيم المؤسسي. وأيضا في نفس الوقت، على من تم اختياره الافصاح اذا كانت هناك أي علاقة مباشرة أو غير مباشرة بأطراف النزاع أو القضية. وهنا، علي أطراف النزاع وبعد الالمام بالتفاصيل الضرورية، تقرير السماح أو عدم السماح له بالسير في التحكيم وذلك وفق ما يرونه لتحقيق مصالحهم. والأمر هنا بالطبع يعود لكل حالة علي حدة وعلي حسب الظروف المعلن عنها وحسب ظروف الأطراف والقضية ونوع العلاقة المفصح عنها. وهناك حالات كثيرة تمت الموافقة على السير في التحكيم بالرغم من وجود العلاقة المفصح عنها، وهذا جائز ويعود تقديره للأطراف.

هناك حالات معينة ظهرت من الممارسة، حيث لا يستطيع العضو المختار القرار بشأنها وهل هناك تأثير على اعتباره محايدا أم لا؟ وهنا نقصد حالة “عدم اليقين” أو الحالة الضبابية التي لا تمكن من تمام الرؤية، والمهنية تحتم على هذا العضو الافصاح عن هذه الحالة وعما يعانيه ويطلب من هيئة التحكيم أو المركز أو الأطراف اتخاذ القرار حول السماح له بالاستمرار أو عدمه. وفي جميع الأحوال، على العضو المختار لهيئة التحكيم، أن يكون أمينا وهذه الأمانة تتطلب منه الافصاح التام وعدم التستر أو الخداع أو التمويه أو عدم اليقين، بل عليه توضيح أي نوع من العلاقة ومهما كانت صغيرة أو بعيدة، والا سقط عن “الحياد” وعليه تحمل النتائج المترتبة علي هذا التصرف غير السليم البعيد عن المهنية. ولا بد من التوضيح، أن العضو المختار ربما يتبين له عدم توفر الحياد في أي لحظة أثناء التحكيم، وفي هذه الحالات عليه الافصاح الفوري عن الوضع لهيئة التحكيم وأطراف النزاع وللدرجة التي تمكنهم من اتخاذ القرار المناسب بخصوص استمراره. والأمر يعود لهم وحدهم وعليه الانصياع لقرارهم. ونقول، أنه وفي جميع الأحوال، يجب توفر الحياد التام الذي يمثل ضمان للعدالة المبرأة من أي عيب، ولهذا أهميته البالغة بل هو العدالة بعينها.

المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب

المؤسس والمدير التنفيذي

ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.م البحرين \ دبي