حوكمة الشركات وأسس الحوكمة المالية

الخميس 13 أبريل 2023

Asia 728x90

مبادئ حوكمة الشركات تتناول العديد من الأمور الهامة والمفصلية لتعزيز حوكمة الشركات لترتقي باعمالها وتسمو بأثرها المباشر في التنمية المستدامة للمجتمعات. وهناك، كما نعلم، عدة تقارير ساهمت في وضع الأسس السليمة الدافعة للحوكمة. ومن هذه التفارير الهامة، نجد تقرير “السير ادريان جادبري” والمتعلق أساسا بحوكمة المسائل المالية في الشركات، والمعروف اختصارا ب “تقرير جادبري”، لأن التقرير تم اعداده بواسطة لجنة متخصصة برئاسته. ولقد تم تشكيل هذه اللجنة لضرورة عاجلة ملحة بناء علي طلب العديد من الجهات الرسمية والمهنية من ضمنها سوق لندن للأوراق المالية وجمعية مهنة تدقيق الحسابات وبعض المسؤولين التنفيذيين في بعض الشركات.

و”تقرير جادبري” الصادر من اللجنة يتضمن، في مجمله، توصيات معينة تتعلق بكيفية إدارة مجلس ادارة الشركة، وبصفة خاصة، كيفية ادارة الجوانب المالية للشركة ليتم تدارك أو تخفيف آثار المخاطر الخاصة بالمسائل المالية وتجاوز عوامل الفشل المرتبطة بها حتي تستقر الأوضاع المالية للشركة. وتقرير “جادبري” تم اعتماده في أواخر 1992، ولأهميته المباشرة تمت الاستفادة منه والاستعانة به في تطوير أحكام مبادئ الحوكمة الصادرة من منظمة الوحدة الأوربية، وكذلك تمت الاستفادة منه في تجربة الحوكمة الأمريكية والبنك الدولي وغيرهما. وكل هذا يدلل، وبصفة قاطعة، على أهمية تقرير جادبري.

وكفذلكة تاريخية للتذكير، فان اللجوء الي انتهاج واستحداث مبادئ حوكمة الشركات في الولايات المتحدة الأمريكية، وكما يعلم الجميع، تم كرد فعل قوي بعد حدوث فضيحة “شركة انرون للطاقة” في أمريكا، والتي طفحت بعد الأعمال الخطأ عديمة الأخلاق خاصة تلك التي قامت بها شركة “آرثر أندرسون لتدقيق الحسابات” في اخفاء المعلومات وتمزيق “شريدنق” مستندات البيانات الحسابية بغرض التضليل لإخفاء الحقيقة النتنة والممارسات غير الأخلاقية المخالفة للمهنة.

وبسبب هذه الفضيحة الفاضحة هاجت وماجت كل الدوائر وكل الجهات الساسية والرسمية المختصة في أمريكا وعلى رأسها السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، مما استدعى العمل علي انتهاج واستحداث مبادئ حوكمة الشركات ليتم ضمان نزاهة وحسن سير الأعمال في الشركات والقطاع المؤسسي حتي لا تتكرر مثل هذه الفضائح القذرة، أو علي الأقل، عمل مكابح للتقليل من حدوثها أو التفكير في حدوثها.

ومن الناحية الثانية، استشرى الخبر وانتشر في كل العالم، وفي المملكة المتحدة تم تكوين لجنة لدراسة المسائل المالية بغرض تحقيق حوكمة الشركات. ولقد اصدرت اللجنة “تقرير جادبري”، وهذا في الحقيقة أيضا تم كرد فعل لبعض الفضائح التي حدثت للعديد من الشركات العملاقة ذات السمعة الكبيرة والتي كانت تملأ الأسماع والأبصار ويشار لها بالبنان. وخير مثال تلك الفضيحة التي حدثت بصورة مفاجأة بعد غرق “روبرت ماكسويل” المليونير الانجليزي في عام 1990 عندما كان في نزهة ابحار في يخته في جزر الكناري.

وبعد وفاته في ظروف مريبة (أو ربما انتحاره) اتضح أن شركاته ذات السمعة الكبيرة في الأسواق تعاني من مسائل مالية حادة بسبب الديون المتراكمة التي تم الحصول عليها بالتدليس والخداع الكاذب. وفقط بعد الاختفاء المريب لماكسويل، والذي تم في ظروف غامضة، وقبل حدوث الغرق (أو الانتحار) تبين حدوث أخطاء أو وجود تجاوزات مالية محاسبية كبيرة، وتم التدليس في تقديم المعلومات عن شركاته المقترضة حتي أذنيها اضافة لاختفاء مئات الملايين من الاسترليني من حساب صندوق التقاعد الخاص بشركاته.

ومن الواضح أن بعض الشركات العابرة الأخطبوطية كانت تعمل بطرق ملتوية وأن الجهات الرقابية الرسمية في المملكة المتحدة وأمريكا وغيرها كانت “نائمة” وفي عالم آخر. وبالتالي لم تتمكن من اتخاذ المحاذير أو الاجراءات المطلوبة ضد ماكسويل أو شركاته أو ممتلكاته بالرغم من وجود العديد من المخالفات الكبيرة والجسيمة. وبعد أن امتلأت خزائنها بالقروض وأموال المودعين، وبعد استنزاف هذه الموارد لمصالحهم الجشعة، وفي فترة لاحقة تقدمت هذه الشركات بإعلان الافلاس كخطوة لحماية نفسها في المملكة المتحدة وأمريكا. فهل يجوز هذا؟ او هل هو مقبول؟

هذا، وفي نفس الوقت الذي ظهرت فيه فضائح روبرت ماكسويل وشركاته، ظهرت أيضا مشكلة افلاس بنك الاعتماد والتجارة الدولي (بي سي سي آي) في لندن وكذلك مشكلة شركة بولي بيك… وكل هذه الشركات في الظاهر كانت في أوضاع مالية تبدو سلمية ومتعافية وكانت هذه الشركات “عملاقة في نظر الجميع” وكانت مثلا يحتذي في البزنس وقطاع الأموال، ولكن فجأة وبدون مقدمات يحصل الانهيار والتساقط والافلاس الكبير الذي يعرض كل القطاع الاقتصادي والتجاري بل كل فرد للكوارث الماحقة. ولهذا طرأت فكرة تكوين لجنة “جادبري” لعمل اللازم من أجل حوكمة المسائل المالية في جميع الشركات في المملكة المتحدة. وهذا التصرف كان وسيكون أضعف الايمان لتصحيح الأوضاع وتنظيف الأجواء للعمل المؤسسي السليم.

تضمن تقرير “جادبري” توصيات هامة ساهمت في تعبيد الطريق نحو الوصول لحوكمة الشركات، ومن أهم هذه التوصيات، استحداث وثيقة الممارسات السليمة التي تلزم جميع المهنيين المختصين بانتهاج اتباع أفضل وأسلم وأنجع الممارسات أثناء تنفيذهم لواجباتهم المؤسسية ومن لا ينصاع لأحكام هذه الممارسات السليمة عليه تحمل كافة المسؤوليات والتبعات.

ومن التوصيات العمل على رفع كفاءة مجلس الادارة والأعضاء غير التنفيذيين ودورهم، اضافة لحقوق كل الأعضاء في التدريب والحصول على الدعم الفني والاستشارات الفنية الضرورية لأعمالهم. وفي ما يتعلق بالمسائل المالية هناك توصيات خاصة تتعلق بالتقارير المالية والمحاسبية وكيفية الاعداد والمتابعة لتفادي الممارسات غير السليمة والتجاوزات بسوء قصد، ودور مدققي الحسابات ومسؤولياتهم المهنية والقانونية في كل الاحتمالات وكل الحالات، وتوصيات بخصوص العلاقة والارتباط في ما بين المساهمين صغارهم وكبارهم مع مجلس الادارة ومسؤوليات كل طرف ومدى نفوذ دور المساهمين في المتابعة والمراقبة خاصة في المسائل المالية والمحاسبية لضمان سلامة التنفيذ وتضييق الفرص للممارسات غير السليمة والمخالفة للقانون والأعراف والأخلاق المهنية وفق اللوائح والضوابط السارية التي يجب أن يتبعها الجميع في كل شركة من قمة الهرم الى أسفله…

هذه بعض التوصيات الأساسية التي تضمنها “تقرير جادبري” لحوكمة كافة الأمور المرتبطة بالمسائل المالية في الشركات، وذلك سعيا لتحقيق أفضل السبل للإدارة الرشيدة والممارسة السليمة وحتي يتم توفير الحد الأدنى من الرقابة والمتابعة المستمرة لما يجري في “حسابات” هذه الشركات قبل أن يقع الفأس في الرأس… ومن  توصيات تقرير “جادبري” تم وضع بعض اللبنات الهامة في طريق الحوكمة “المالية” للشركات. وبكل أسف ما زال انهيار بعض الشركات اللامعة يشكل هاجسا وأرقا، ولا يفوتنا ما حدث من أتهيار قبل أيام للعديد من البنوك الأمريكية والأوربية حيث سقطت وتلاشت في غمضة عين كأنها “نمر من ورق” بدون أساس قوي وضوابط حامية. وعليه، ننصح جميع الشركات ومجالس ادارتها ومساهميها للاستفادة مما ورد في تقرير جادبري الهام الذي أتي كرد فعل للعديد من الفضائح المشينة التي لطخت وجه العمل المؤسسي، والشاطر من يستفيد من أخطاء غيره. وأنتم كذلك دون شك.

المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب

المؤسس والمدير التنفيذي

شركة د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.م