تفاقية آيسدا الرئيسية من “الجمعية الدولية لمبادلة المشتقات”

يكثر الحديث بين الفينة والأخرى عن اتفاقية آيسدا الرئيسية الخاصة بتعاملات المشتقات المالية، نظرا للدور الهام الذي تلعبه يوميا، وبصفة خاصة، في التعاملات المصرفية الدولية حول المشتقات. واتفاقية ايسدا الرئيسية، عبارة عن اتقاف “نموذجي” تسير على نمطه بعض العمليات المصرفية. وهذه الاتفاقية الرئيسية، والصادرة من الجمعية الدولية للمشتقات كاتفاق نموذجي، تعتبر من أهم الاتفاقيات المالية المحاسبية للمشتقات بين البنوك مع بعضها البعض أو بين البنوك من جهة والزبائن من الجهة الأخرى. وفي ايجاز شديد، فان المشتقات المالية هي عقود مالية تستمد قيمتها من الأصل الأساسي وتتغير قيمة الأصل الأساسي تبعاً لظروف السوق. ويمكن تداول المشتقات من خلال التنبؤ بحركة السعر المستقبلية للأصل الأساسي.

Asia 728x90

واتفاقية آيسدا الرئيسية قد تكون بين طرفين في مكان واحد به عملة واحدة ة وفي هذه الحالة تسمي “اتفاقية العملة الواحدة”، أو قد تكون بين أطراف في أمكان مختلفة ذات عملات متعددة وفي هذه الحالة تسمي “اتفاقية العملات المتعددة”. واتفاقية ايسدا الرئيسية “النموذجية” أصدرتها الجمعية الدولية لمبادلة المشتقات قبل فترة طويلة، ولكنها خضعت وتخضع لتعديلات عديدة كلما طرأت مستجدات عملية مصرفية. ولاحظنا هذا، خاصة بعد الأزمات المالية التي تعرضت لها البنوك العالمية في أوقات الأزمات المختلفة. لأنه، وبطبيعة الحال، ومع كل أزمة مالية مصرفية تظهر ممارسات أو إخفاقات أو بعض الصعوبات في التطبيق. وكل هذا بالطبع، يتطلب النظر في كيفية تجاوز أو تعديل أو تصحيح ما حدث. ومن صلب هذه الحالات ومن رحمها تأتي أو تتم ولادة المقترحات الجديدة و \ أو التعديلات للاتفاقية وذلك حتي يستمر دولاب العمل المصرفي في هذه الجزئية من الأعمال المصرفية الهامة. والعمل المصرفي يتميز بالديناميكية والتجديد المستمر ليتماشي مع السوق. 

ومن المعلوم، أنه قد تم مناقشة اتفاقية ايسدا الرئيسية \ النموذجية أمام المحاكم في بعض الدول وفي عدة قضايا حساسة خاصة بعد قضايا الافلاس الكبيرة كقضايا “ليمان برزورز” والتعاملات المصرفية التي تمت في هذه المجموعة. وبغرض التوضيح نقول، أنه ومن واقع هذه القضايا المختلفة تم اختبار اتفاقية آيسدا الرئيسية أمام المحاكم الأمريكية حيث تم الإجماع علي ضرورة التقيد والالتزام بأحكام البنود الواردة في الاتفاقية وأخذها مع بعض ككتلة واحدة لا تتجزأ، وهذا يعني أن علي كل طرف التقيد التام بأحكام الالتزامات المترتبة عليه بموجب الاتفاقية ككتلة واحدة. ومن الجدير بالذكر، أن بعض المحاكم الانجليزية نظرت في قضايا تقدم بها زبائن البنوك استنادا علي أن البنوك قامت باستغلالهم وعدم توضيح كل المخاطر المترتبة علي الاتفاقية خاصة وأنهم ربما لا يعتبرون ضمن إطار “جهات الاستثمار المؤسسية” المؤهلة للدخول في متاهات اتفاقية ايسدا بكل تعقيداتها المالية والمحاسبية والاجرائية. ولقد وقفت المحاكم في صف بعض الزبائن “قليلي المعرفة” ممن لا يجوز على البنوك إقحامهم في اتفاقية ايسدا ومتاهاتها. وهنا يقع على عاتق البنوك مسؤولية شرح وتوضيح كل التفاصيل الفنية الخاصة بهذا النوع من الاتفاقيات الاستثمارية. وكل هذا لحماية المستثمر وعدم أخذه على غرة، كما يقولون، والا قد يكون هناك نوع من التدليس والخداع و”آنديو انفلونس”.

ولهذا الوضع الخطير قانونا، فانه يجب علي البنوك الحذر عند عرض اتفاقية آيسدا علي الزبائن “العاديين” والتأكد من تبيان كل التفاصيل الضرورية لهم بدرجة تزيل الجهالة ومعرفة كل المخاطر المرتبطة بالتطبيق خاصة أن هذه التعاملات المالية ذات طبيعة متقلبة غير ثابتة وذات مخاطر عالية. وربما يكون من الأجدر للبنوك الحرص على توجيه كل المتعاملين بالحصول علي استشارات فنية محاسبية قانونية قبل توقيع هذه الاتفاقية. نقول هذا لأن، الممارسات المصرفية السليمة تتطلب الشفافية الكاملة في مثل هذا النوع من المعاملات المصرفية المتطورة والمعقدة في نفس الوقت. وكل هذا احتراما للزبون وحقوقه وحتي لا يؤخذ الزبون أو المتعامل علي جهالة بسبب عدم فهم التفاصيل الفنية.

وعند اتفاق الأطراف علي اتفاقية ايسدا الرئيسية “النموذجية”، توجد هناك جداول معينة ملحقة بهذه الاتفاقية يتم توقيعها بين الطرفين المتعاقدين. وفي هذه الجداول يتم النص صراحة علي أي من بنود الاتفاقية الرئيسية “النموذجية” ينطبق علي الطرف الأول فقط وأي من بنود الاتفاقية ينطبق علي الطرف الثاني فقط أو ينطبق على الطرفين معا. وكل هذه التفاصيل تمثل أحكام البنود التي يتم الاتفاق عليها بعد المشاورات والمناقشات بين الأطراف المتعاقدة، وهذه المرحلة هامة جدا لأنها تتضمن التزام كل طرف ومدي قناعته علي حدة وفق ما هو مبين في الجداول المرفقة والموقع عليها من الأطراف المتعاقدة. ومن النقاط القانونية الهامة التي يجب الاتفاق عليها صراحة، وفق كل حالة، القانون الواجب التطبيق (مثل القانون الانجليزي أو البحريني أو غيره) والمحاكم المتمتعة بالاختصاص القضائي (كمحاكم لندن أو نيويورك أو غيرها) وأيضا تفاصيل التحكيم من حيث اختيار مركز التحكيم ومكانه وهيئة التحكيم وكل ما يرتبط بعملها. ومن النقاط القانونية الهامة، أن كل العمليات المختلفة التي تتم بين الأطراف تعامل كاتفاقية واحدة تحت مظلة اتفاقية ايسدا، وهذا يجب النص عليه لأن الأطراف قد تدخل في عمليات متعددة مختلفة وليس هناك ما يمنع هذا.

وهناك التزامات توضيحية وتعهدات يلتزم بها كل طرف تبين أنه مؤسس ومنشأ بموجب القانون وأنه يملك الصلاحية للدخول في الاتفاقية، وأن هذا الدخول لا يعتبر مخالفا للقانون ولا ينتج عنه تضارب مصالح، وأن الأطراف الموقعة لها صلاحية التوقيع، وأن القوانين المحلية لا تمنع من الدخول في الاتفاقية، وأنه يلتزم بتقديم كل الوثائق أو المستندات الضرورية التي يطلبها الطرف الثاني، كما أنه قد حصل علي الموافقات الحكومية أو غيرها كلما يتطلب الأمر ذلك. كما يفيد بعدم وجود قضايا أو إجراءات قانونية ضده قد تؤثر علي سير الاتفاقية، وربما يكون هناك حاجة لإصدار تعهدات خاصة إضافية كالالتزام بدفع فرق العملة إذا حدث هذا مثلا بين صدور الحكم القضائي وتاريخ السداد، وتعهدات تامة بالتنازل عن الحصانة القانونية وحق السيادة… وهكذا تتم التفاصيل وفق كل حالة.

نقول ان من الأحكام الهامة في اتفاقية ايسدا تلك التي تتناول “حالات الإخفاق أو الفشل في التنفيذ وحالات إنهاء الاتفاقية” ومن هذه الحالات مثلا الفشل في السداد أو التسليم في التواريخ المتفق عليه أو فشل أحد الأطراف في تنفيذ أي اتفاقية أو التزام أو خلافه… إذا لم يتم معالجة الوضع خلال فترة 30 يوما من تاريخ إرسال الإنذار المعني بسبب الإخفاق. ومن حالات إنهاء الاتفاقية مثلا مخالفة القانون أو حدوث ظرف قاهر أو إنهاء الاتفاقية بسبب الفشل في التنفيذ.

وعمليا تحدث خلافات حادة بين الأطراف عند حدوث مثل هذه الأمور في الواقع وذلك لتباين المواقف بين الأطراف، ولذا من الأصوب الوصول إلي تفاهم تام لموقف كل طرف أثناء مناقشة الاتفاقية وذلك لتجنب الانزلاق في ردهات المحاكم أو مراكز التحكيم خاصة وأننا لاحظنا أن المحاكم في هذه القضايا تميل إلي التقيد التام بحرفية نصوص الأحكام الواردة في الاتفاقية. وهذا يتطلب الحذر من جميع الأطراف، الحذر واليقظة التامة عند تحديد الالتزامات والواجبات التي تم الاتفاق عليها في الاتفاقية والجداول المرتبطة بها.

ونلاحظ أن بعض البنوك، تقوم بالتوقيع على هذه الاتفاقية بصورة ميكانيكية لأنها جاهزة “ردي ميد” وتقريبا معبأة للاستخدام المباشر والجميع بتعامل معها وبها، وهنا مكمن الخطر. وننصح، كل بنك بضرورة الفهم الجيد والدخول في مناقشات لتوضيح مرئيات الطرف الآخر. وهذا، في نظر العديد سهل المنال، والأطراف على البر وقبل الدخول في منافسة السباحة التي ربما تكون عكس التيار. فالحذر المهني واجب دائم.

 المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب

ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ. م. م

البحرين \ دبي