تأرجح أسعار الأسهم

الخميس 23 مارس 2023

Asia 728x90

إن شراء وبيع الأسهم في أسواق المال “البورصة” من النشاطات الاستثمارية التي تعود بفوائد مالية على المستثمرين، إضافة إلي آثارها المباشرة على الحركة التجارية عبر تنشيط الشركات المدرجة في الأسواق المالية. ونظرا لهذه الآثار الايجابية العديدة المتعددة ظلت الجهات المختصة تحرص على دعم الاستثمار في الأسهم وتوفير البيئة التشريعية والفنية التي تمكن هذه الاستثمارات من النمو والتفاعل في إطار قانوني آمن وسليم. هذا مع العلم، أن فلسفة التشريعات المنظمة لأسواق المال تقوم أساسا علي حماية المستثمر وتوفير الضمانات القانونية والفنية المطلوبة لحمايته خاصة وأن المستثمر هو زاد وعصب هذه العملية، ولو لا وجود “المستثمر” لقفلت الأسواق ابوابها. 

من متابعة حركة أسواق المال ونشاطها في الآيام الأخيرة، نلاحظ انخفاضا كبيرا في أسعار الأسهم وخسائر الأسواق بسبب الانهيار الفجائي لعدة بنوك في أمريكا على رأسها بنك سيليكون فالي وسيغنتشر وغيرهم وكريدي سويس في أوربا. وسوق الأسهم كما يقولون متأرجح وحساس الحركة “فولاتايل”. وبنظرة للوراء، نجد أن هذا الانخفاض يأتي بعد أن شهدت الأسعار زيادات كنتيجة طبيعية لما وصلت إليه العديد من الأسواق من تطور تشهده الأعين وتحسه الأيادي المستثمرة. ولقد انزعج المستثمرون من هذا الانخفاض الذي سبب لهم خسائر مادية ملحوظة وفقدوا عقلهم والكثير من الأرباح بسبب استثماراتهم في أسواق المال.

بصفة عامة، الأسهم المعروضة في الأسواق عبارة عن “بضاعة” بمواصفات خاصة وذات قابلية حساسة إما ارتفاعا أو انخفاضا. ولهذه الخصوصية والحساسية فان القوانين وأنظمة الأسواق يجب أن تكون مبرمجة بطريقة تسمح بزيادة أسعار الأسهم أو انخفاضها ولكن في حدود معينة يجب التقيد والالتزام بها وإلا تدخلت إدارة السوق واتخذت ما تراه مناسبا من الإجراءات حيال الأسهم، وربما الأمر بإيقاف التداول للفترة التي تراها أو وقف نشاط الشركة وتجميده. وكل هذه الإجراءات الاحترازية إلزامية وتهدف لحماية المستثمر وضمان عدم فقدانه لأمواله في لحظات بسيطة، وكذلك لضمان سير العمل في الأسواق وفق وتيرة مقبولة بعيدا من المضاربات والتلاعب والتصرفات غير المقبولة التي تضر بالأسواق وبالاقتصاد.

وهناك مسؤولية قانونية ثابتة تقع علي كاهل إدارة أسواق المال والهيئات العامة لأسواق المال، ويجب الالتزام بهذه المسؤولية بصفة مستمرة بحيث تتم مراقبة العمل في الأسواق للدرجة التي توفر البيع والشراء الطبيعي للأسهم وارتفاع وانخفاض أسعارها وفق معطيات السوق وواقع الحال وليس وفق معطيات ومؤثرات خارجية لا علاقة لها بواقع السوق وحاله وأحواله. ومن هذا نخلص إلي أن أسعار الأسهم يجب أن تكون نابعة من قوة أو ضعف السهم نفسه وليس بعيدا عنه. ومثلا إذا حققت الشركة أرباحا ظاهرة مستمرة فمن الطبيعي أن يرتفع سعر أسهمها والعكس صحيح…

ولتوفير الجو الأمثل لتداول الأسهم في أسواق المال فهناك متطلبات أساسية يجب مراعاتها والعمل على الالتزام بها. لا نستطيع حصر كل المتطلبات في هذه السانحة، ولكن من الأمثلة الهامة نشير لضرورة العمل علي توفير الشفافية والإفصاح من الجهات المرتبطة بتداول الأسهم وخاصة الشركات المدرجة التي يقع علي عاتقها تقديم المعلومات الكاملة الصحيحة عن الشركة وأوضاعها وكل ما يرتبط بها، وهذا بالطبع يقود لمعرفة حال أسهمها وهل هناك مبرر منطقي وقانوني لزيادة أو انخفاض أسعارها.

ولكن، الواقع المعاش يقول أن بعض الشركات لا تقدم المعلومات بصورة مهنية مجردة بل نجد نوع من الدعايات والإعلانات والتصريحات بغرض تجميل وجه الشركة ووضع آخر صيحات المكياج. وكل هذا بهدف رفع الأسهم، وتتم الزيادة ولكنها لم تأت من واقع الحال بل من واقع المكياج الاستعراضي الذي تبدع بعض الشركات في إظهاره مما يؤدي إلي ارتفاع سعر الأسهم وفجأة وفي سرعة يهوي لأنه لم يكن من واقع حال الشركة بل أتي نظير أسباب دعائية وتصريحات مفوهة وخطط دعائية مدروسة بطريقة محكمة لدرجة تبهر العقول وتذهب بالفكر المعقول. 

وهذا الوضع يحتاج إلي ضبط من الجهات المختصة، وهذا الضبط يحتاج إلي متابعة لصيقة لما يجري في السوق وخارجه للسيطرة التامة على المؤثرات الخارجية وخاصة الإعلانات الدعائية والتصريحات الجوفاء بسبب أو بدون سبب. وهناك صراعات ومشاكسات بين بعض الجهات الإشرافية على الأسواق وبعض الشركات التي تعرف كيف تحصر كل جهودها في العمل الدعائي وتصدر واجهات الصحف.. وأسمع جعجعة ولا أري طحينا، ومن مثل هذه الممارسات يجب حماية المستثمر والأسواق بل وحماية الشركات نفسها مما تفعله في نفسها وفي مساهميها.

شراء وبيع السهم في الأسواق لا بد من أن يتم عبر الوسطاء، وفي كل حركة يستفيد الوسطاء ويزيد رصيد عمولتهم. وقطعا فان حركة الوسطاء مؤثرة ولها دور في ارتفاع أو انخفاض أسعار الأسهم وهذا يعود لأسباب عديدة من ضمنها النصائح المهنية والاستشارات الفنية التي يقدمها الوسطاء للمستثمرين. وعلى الوسطاء توخي الحذر وممارسة دورهم وفق المعايير المهنية والضوابط الفنية وكل هذا يجب أن يتم في إطار عكس الواقع الحقيقي للشركات وأسهمها مع عدم المبالغة في الإطراء وتحسين الوضع لدرجة تؤثر على أسعار الأسهم فقط من واقع الإبداع في فن التسويق وعرض البضاعة وليس من حال البضاعة نفسها.

والخطورة هنا تأتي من أن تأثير الوسطاء كبير جدا على المستثمرين وقد يدفعهم للتدافع من أجل شراء أسهم معينة يتم نفخها كالبالون وكثرة الطلب عليها يرفع سعر الأسهم وفجأة تسقط ويتم حصد السراب. وعلى الجهات الإشرافية مراقبة الوسطاء والاطمئنان على أن هذه الأعمال تتم بمهنية مجردة ودون تأثير على حساب السوق وحركته الطبيعية ونشاط الشركات الحقيقي. وقطعا فان دور الوسطاء جوهري وأساسي في تطوير الأسواق وحماية المستثمر، ولهم الفضل المشهود، والذي لا ننكره، في دعم هذا النشاط الاقتصادي الحيوي.

المسؤولية المتعلقة بأسعار الأسهم وحماية المستثمر، وبصفة عامة، لا تنحصر فقط في ادارة الشركات وكبار التنفيذيين فيها أو الوسطاء، بل تتعداهم إلي إدارة الأسواق وهيئاتها العامة بصفتهم يمثلون دور “المايسترو” في ضبط توليفة حركة التداول ومتى يرتفع الصوت ومتى ينخفض، وكلما كان “المايسترو” متمكنا من موهبته وخبرته يأتي العمل منسجما ومتناغما دون نشاز على أي طرف له ضلع في عملية التداول. وإذا أحجمت ادارة الأسواق عن هذا الدور الهام فان الفوضى ستضرب بأطنابها في كل جنبات السوق مما يؤدي لانتكاسته، وفي هذه الحالات سيكون المستثمر هو الضحية إضافة إلي أن الأسواق ستفقد مصداقيتها وسيهرب منها العاقل وغيره.

إن بضاعة الأسهم هشة وبسبب هذه الخصوصية لا بد من التعامل بها ومعها بمنتهي الحيطة والحذر خاصة وأن الأسعار متقلبة جدا ومتأرجحة صعودا ونزولا وهي مليئة بالفقاعات الفارغة. لكل هذا قد نجد المستثمر اليوم “فرحان” وفي الغد “غضبان”، وهو لا يكترث عندما يكون فرحانا ولكنه إذا غضب يستفسر عن نكبته ويقال له “السوق يصحح وضعه أو الأسعار تصحح وضعها” ونقول، إذا جاز لنا، أن هذه مقولة حق أريد بها باطل. لأنها اعتراف ضمني بحدوث مستجدات في السوق.

السيطرة الكاملة على ما يجري في الأسواق، في نظري، أمر صعب التحقيق. ولكن علي الجهات الإشرافية بذل الجهد في مراقبة نشاط الشركات ومسؤوليها ومتابعة دور الوسطاء لتأكيد الممارسة المهنية. كذلك هناك حاجة لمساعدة القطاع المصرفي ليوظف إمكانياته نحو دعم الأسواق والاستثمار فيها وذلك بوضع الضوابط  المنظمة لتمويل شراء الأسهم. وعلي الجهات الممولة الالتزام بالضوابط حتى لا يخرج هذا التمويل عن السيطرة وبما يؤثر على بيع وشراء الأسهم. إتباع مثل هذه الخطوات، وغيرها، قد يكون محاولة جادة لوضع الأمور “تحت السيطرة” مع ضرورة التنبه والحذر لاستخدام مكابح الوقوف السريع كلما ظهر طارئ. ونقول للمستثمرين، إن من “حلاوة” هذا النشاط وجود المخاطر المرتبطة بالأسعار وغيرها وهذه المخاطر بثمنها.

المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب

المؤسس والمدير التنفيذي

ع \ شركة د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.م

البحرين \ دبي