المتطلبات القانونية لوديعة النقود في البنوك 

لخميس 16 يونيو 2022

Asia 728x90

من العمليات المصرفية المهمة جدا التي تقدمها البنوك لعملائها السماح لهم بإيداع النقود في البنك، ومن هنا انتشر العمل المصرفي وزادت أهميته. و”الوديعة النقدية” عبارة عن عقد بين الزبون والبنك. وهذا العقد يخول البنك حيازة النقود المودعة والتصرف فيها بما يتفق مع نشاط البنك المهني، مثل تقديم القروض وتمويل المشروعات، مع التزامه التام برد مثلها في القيمة للزبون المودع عند الطلب. وعدم رد المبلغ عند الطلب، سيسبب مشاكل قانونية كبيرة على البنك وقد تصل لمرحلة اعلان الافلاس. وفي عقد الوديعة النقدية، يكون رد قيمة الوديعة بذات نوع العملة المودعة. هذا وبصفة عامة، يجوز اشتراط فائدة. ووفق القانون تحسب الفائدة بالسعر القانوني، إلا إذا اتفق على سعر آخر بشرط أن لا يتجاوز الحد المنصوص عليه قانونا. وهذا الحد القانوني تقوم البنوك المركزية بتحديده من وقت لأخر وفق ما تراه ملائما. وفي حالة وجود اتفاق بين الطرفين على الفائدة المصرفية فإنها تدفع في نهاية كل سنة ما لم يتم الاتفاق أو يجري العرف على غير ذلك. والمقصود هنا العرف التجاري أو المصرفي السائد والمستمر والثابت لفترة طويلة غير متقطعة.  

يقوم البنك بفتح حساب للمودع «وديعة النقود» وتقيد في هذا الحساب جميع العمليات (سحب أو إيداع النقود أو مبلغ الشيكات) التي تتم بين البنك والزبون أو بين البنك والغير لحساب الزبون المودع. وهذا التقييد من الأمور المهمة التي يجب مراعاتها وتنفيذها بمهنية فائقة من البنوك خاصة وأن هناك منازعات عديدة تنشأ ونشأت بين الزبائن والبنوك فيما يتعلق بالتقييد الذي قد لا يكون صحيحا في بعض الأوقات. هذا ويجوز للزبائن والبنوك الاتفاق على عدم قيد بعض العمليات وهذا يعود لاتفاقهم ووفق الكيفية التي يحددونها، ولكن في مثل هذه الحالات يجب على البنك الاحتفاظ بسجل يتضمن كل العمليات التي تتم في الحساب حتى يتم الرجوع إليها عند الضرورة، ولاغراض التدقيق والمحاسبة أيضا. ويقوم الزبون في بعض الأوقات بوضع قيود أو شروط معينة على عقد الوديعة مثل أمر البنك بالصرف على أشياء معينة من الوديعة والسداد في وقت معين لأمر معين “أمر سداد دائم”. وفي مثل هذه الحالات يجب على البنك التأكد من وجود الأموال الكافية في الوديعة لمقابلة هذه الالتزامات وبالعدم يتحمل البنك المسؤوليات القانونية عن فشله في تنفيذ تعليمات الزبون المودع. وأيضا قد يتم وضع الوديعة كضمان لقروض معينة من البنك أو غيره وفي هذه الحالات أيضا يجب الاحتفاظ بالوديعة بالطريقة التي تمكن الاستفادة منها لمقابلة الضمان وفق مقتضيات كل حالة، مع تنبيه الزبون بكل المستجدات. وفي جميع الأحوال يجب على الزبون التأكد من وجود مبلغ كاف في حسابه قبل طلب أي سحب من النقود لأن عقد الوديعة، من الناحية القانونية، لا يعطي الزبون المودع الحق في سحب أي مبلغ من البنك إذا لم يكن له رصيد كافي وقت السحب من البنك. ولكن من الناحية المصرفية يجوز في بعض الحالات وبالاتفاق أن يجري البنك عمليات لحساب الزبون المودع، ويترتب على هذه العمليات أن يصبح رصيد الزبون دائنا بالنسبة للبنك، وهذا يحدث غالبا لوجود اتفاق أو تسهيل سحب على المكشوف. وفي مثل هذه الحالات يجب على البنك إخطار الزبون المودع لتسوية مركزه بتغطية العجز أو اتخاذ الترتيبات اللازمة وفق تسهيلات السحب على المكشوف. وهذا الاجراء يعتبر من العمليات المصرفية اليومية بالاتفاق والتفاهم مع الزبون.

إن مبلغ الوديعة الكامل يملكه الزبون المودع طيلة الوقت، وعليه يجوز لهذا الزبون أن يطلب رد المبلغ الموجود في وديعة النقود كليا أو جزئيا وعلى البنك أن يقوم بردها عند الطلب ما لم يتفق على غير ذلك، لأنه يجوز للمودع في أي وقت التصرف في كامل الرصيد أو جزء منه. وفي معظم البنوك، توضح الشروط العامة كيفية التعامل مع مثل هذه الحالات وقد تشمل هذه الشروط تعليق هذا الحق «حق سحب الرصيد» على إخطار سابق أو على حلول أجل معين أو غير هذا من الشروط التي يراها البنك كدفع غرامة أو رسوم اضافية. ومن الأفضل، ان تكون مثل هذه الشروط واضحة تماما للزبون، حتي لا يحدث سوء تفاهم في مثل هذه الحالات التي غالبا ما تكون طارئة أو مستعجلة للزبون.

معظم القوانين المصرفية تنص على أن يرسل البنك بيانا بالحساب «كشف حساب» إلي الزبون المودع مرة على الأقل كل (ثلاثة أشهر) ما لم يقتض العرف أو الاتفاق بإرسال بيان أو كشف الحساب أكثر من مرة خلال هذه المدة ويجب أن يتضمن البيان صورة من الحساب ومقدار الرصيد بعد آخر حركة له. ولكن يمكننا القول أن هذا النص أصبح الآن قليل الفائدة لأن غالبية الزبائن يمكنهم الاطلاع على الحساب وكل حركاته عبر الانترنت والصيرفة الالكترونية التي جعلت كل هذه المعلومات   في متناول اليد في أي وقت. ولكن هذا الوضع الجديد لا يمنع الزبائن من إخطار البنك بضرورة إرسال كشف الحساب بصورة منتظمة وفق حاجتهم لأن الكشف المرسل من البنك يكون في أوراق رسمية وممهورا بالتوقيعات المفوضة، ويمكن الزبون من الاحتفاظ به لسهولة الرجوع اليه في أي لحظة. في الوقت الحاضر، وبسبب تعدد الأعمال وتنوعها، قد يحتاج العديد من التجار ورجال الأعمال والشركات إلي عدة حسابات ودائع مصرفية. مثلا، حساب لنشاط المقاولات وحساب لإيجار العقارات وحساب خاص بالأسرة وهكذا، وقانونا إذا تعددت حسابات الزبون المودع في بنك أو في فروعه فان كل حساب يعتبر مستقلا تماما. ومن التجارب العملية، هناك عدة مسائل قانونية قد تنجم من هذه الحسابات المتعددة لان موظفي البنوك في زحمة العمل قد يخلطون بين هذه الحسابات في تعاملاتهم اليومية. وهذا الخلط غير صحيح لأن كل حساب مستقل عن الحسابات الأخرى ويجب أن يستمر كذلك. وننصح المصارف بوضع علامة تنبيه في الملفات توضح أن للزبون عدة حسابات في نفس البنك أو الفرع وهذا بالطبع سيقلل من الأخطاء التي أشرنا له أعلاه لأن الموظف سيأخذ حذره ويتعامل مع الحساب المقصود وفق رغبة الزبون..

قد يطلب الزبون المودع دفتر إيداع للتوفير أو كما يعرف «دفتر التوفير»، ويجب أن يكون هذا الدفتر باسم من صدر لصالحه الدفتر، وعلي البنك أن يقوم بتدوين جميع المدفوعات والمسحوبات في الدفتر وتكون البيانات الواردة والمدونة في الدفتر والموقع عليها من موظف البنك المفوض بالتوقيع حجة في إثبات البيانات المذكورة فيما يخص العلاقة بين البنك وبين من صدر لصالحه الدفتر، ووفقا للقانون، يقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك. وفي حالات عديدة استفادت البنوك مما تم تدوينه في دفتر الإيداع لأن بعض الزبائن يحاولون التشكيك فيما أخذوه أو سحبوه من حساب وديعة النقود ويكون دليل البنوك البيانات المدونة في دفتر التوفير وهذه البيانات مدونة بطريقة كافية لإثبات السحب أو الإيداع ومقداره وتاريخه والمبلغ المتبقي في الحساب من آخر حركة وعما إذا تم إضافة الفوائد من عدمه، إذا كانت هناك فوائد مصرفية…. ألخ.  كما ذكرنا أعلاه فان «دفتر التوفير» يكون باسم من صدر لصالحه الدفتر ومن هذا يتبين لنا أن صاحب الحساب الفعلي قد يطلب من البنك إصدار دفتر التوفير في أسم شخص آخر يختاره هو مثل مدير شركته أو مدير الحسابات أو شريكه في العمل أو في اسم أحد أولاده. وهذا جائز لأن صاحب الحساب هو من يقرر كيفية التعامل مع هذا الحساب وفي أي يد يكون هذا الدفتر للتعامل مع الحساب وبالطبع فان البنك عندما يملأ البيانات في هذا الدفتر، مثل الاسم ورقم البطاقة الشخصية وأرقام الاتصال والتوقيع … وخلافه، فانه يدون البيانات الخاصة بالشخص الذي حدده صاحب الحساب ووفق إرادته.

تقوم البنوك الآن بتقديم حوافز عديدة لاستقطاب الزبائن لإيداع النقود والأموال لديها خاصة وأن البنوك تحتاج لهذه النقود لتوفير السيولة اللازمة التي تمكنهم من القيام بأعمالهم المصرفية للجمهور مثل تقديم القروض والتسهيلات المالية، ومن هذه الأعمال تحصل البنوك على الرسوم والفوائد وبالطبع كلما توسعت قاعدة هذه العمليات زادت الرسوم والفوائد التي تتحصلها البنوك، ولذا فان «وديعة النقود» وغيرها من حسابات الودائع تجد كل الترحيب والاهتمام. ولهذا نلاحظ الاعلانات الكبيرة والجاذبة من البنوك في كل الأركان والشاشات، وتدعو الجميع لفتح حساباتهم ووضع ودائعهم لديها. وهذه «النفرة» المصرفية لاستقطاب الحسابات والودائع تعود بالفائدة على الجميع من بنوك وزبائن بل وكل المجتمع الذي يستفيد من تدوير هذه الأموال داخل النشاط المصرفي، اضافة الى تطبيق نظرية “الشمول المالي” التي تتبناها البنوك المركزية والدول. ونظير هذه الفوائد العديدة فعلى البنوك بذل المزيد من العناية بالزبائن وبودائع النقود التي يضعونها أمانة في أعناق البنوك والعاملين في الصناعة المصرفية. وفي جميع الأحوال وتحت كل الظروف يجب على البنوك الحرص التام والتأكد من تطبيق مبدأ «أعرف زبونك» وأعرف زبون زبونك.. وهكذا، عند فتح هذه الحسابات والودائع لضمان أن مصادر الأموال قانونية ونظيفة وبما ينسجم مع القوانين والأنظمة الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب، ولنجعل كل الأموال داخل كل البنوك نظيفة سائغة الطعم والرائحة وتأتي بالخير والنماء.

المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب

المؤسس والرئيس التنفيذي

ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.م

البحرين \ دبي