القانون والاحتكار

     

Asia 728x90

يتم الاحتكار في الأسواق في الحالات التي تسيطر فيها شركة واحدة بتقديم منتجات أو خدمات إلى جميع المستهلكين. وفي بعض الحالات توجد شركات أخرى لكنها عديمة الأثر ولا تشكل منافسة فعلية. وفي الغالب، تكون هناك شركة واحدة مسيطرة على كامل السوق وبالتالي تستطيع أن تفرض الأسعار وفق هواها لعدم وجود شركات أخرى منافسة في السوق. وفي واقع الأمر، كل الشركات تعمل كل ما في وسعها لتصل لمرحلة التحكم في الأسعار وفرض نفسها وزيادة الأرباح وتراكمها حتي التخمة والتشبع. ولكن، القانون يمنع الاحتكار ولا يسمح بالممارسات الاحتكارية لضررها المباشر على الأسواق والاقتصاد والمستهلكين بكل طوائفهم ومقدراتهم. ان التجارة، بصفة عامة، يجب أن تكون حرة متكافئة في جو تسوده المنافسة الحرة الشريفة، وهذا الوضع يخلق روح التنافس الخلاق وينمى الابداع المحموم للحصول على شهية المستهلكين، وفي هذا فلينافس المتنافسون. ولكن، هناك من لا يقدر على هذا ولا يقبل به ويعمل ضده لتحقيق الجشع والانانية الفردية.

أغلب التشريعات حظرت ومنعت تماما وجود أي نوع من أنواع الاحتكار يكون أو يتم بصورة مخالفة للقوانين والأعراق السائدة والممارسات التجارية المتبعة، وهذا الحظر على المستوىين المحلي والدولى معا. وهذا الموقف الواحد يبين التوافق التام بين الدول بالنسبة للاحتكار والعمل على الحد من وجوده نظرا لانعكاساته الضارة على الحركة التجارية وكذلك الاقتصادية والاجتماعية. ومنذ فترة، نجد التشريعات الوطنية العديدة مثل قانون “شيرمان الامريكي” الذي صدر منذ مدة طويلة لمنع احتكار الأعمال التجارية بين أمريكا والدول الأخرى. وبعد ذلك صدرت العديد من القوانين في أمريكا كان همها حماية المستهلك وتوفير مناخ مناسب للتجارة النزيهة الشريفة. وهناك اتفاقيات دولية تحظر الاحتكار، ومن هذا مثلا نذكر “اتفاقية السوق الأوروبية” التي تنص على منع إساءة استغلال المركز المسيطر للمشروع في السوق المشتركة بغرض التأثير على التجارة بين الدول الأعضاء. ومن مثل هذه الأحكام تتوفر الضمانات القانونية، وكأمثلة للممارسات الاحتكارية، ما يتم بقصد بيع أو شراء المنتوجات بأسعار أو بشروط غير عادلة، أو خفض كمية الانتاج إضراراً بالعملاء، أو فرض مراكز تنافسية سيئة على العملاء، أو فرض شروط لا تتفق مع العادات التجارية المتبعة في كل تجارة. وفي هذا المنحى ، فان “محكمة العدل الأوروبية” اعتبرت أن المركز المسيطر هو الذي يؤدي إلى امتلاك مقدرة اقتصادية تمكن التاجر من تحديد الأسعار أو السيطرة على الانتاج أو على توزيع جزء كبير من السلع، وإعاقة دخول منافسين إلى السوق نتيجة التأثير البالغ الذي يمارسه التاجر المحتكر. وفي هذا التعريف يتم توضيح مهنى للاحتكار بصورة متكاملة وشاملة وتقفل الباب أمام جشع المحتكرين الذين يسعون للسيطرة على السوق دون مراعاة  للنتائج التي تنجم عن هذه الأفعال الاجرامية التي حددها القانون وحدد لها العقوبات. ومن الناحية الشرعية، اتفق الفقهاء على أن الحكمة في تحريم الاحتكار هي رفع الضرر عن عامة الناس، ولذلك فقد أجمع الفقهاء على أن لو احتكر انسان شيئا واضطر اليه الناس ولم يجدوا غيره اجبر على بيعه دفعا لضرر الناس وتعاونا على حصول العيش دون تفريط مضر. وفي تحريم الاحتكار، قال سبحانه وتعالي “يا أيها الذين  آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل” وقال رسولنا الكريم (ص) “من احتكر حكرة يريد أن يغلي بها على المسلمين فهو خاطئء”، وأيضا قال رسولنا الكريم (ص) “من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئء من الله تعالى وبرئء الله تعالى منه”. وكل هذا يدل على التحريم الشرعي للاحتكار في كل صوره.

ان جرائم الاحتكار بشتى أنواعها تعتبر من الجرائم الاقتصادية التي يعاقب عليها القانون، اضافة الى أنها تخالف السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدول والحكومات. وهناك محاولات حثيثة من المجتمع الدولي للتغلب عليها والحد من سيطرة المحتكرين على مقدرات الدول والشعوب. ولا بد للقوانين الوطنية من تعريف الاحتكار وتجريمه وتفعيل العقوبات في مواجهة مرتكبيه للحد منه. ومن دون شك، يلعب النظام الاقتصادي المتبع دوراً كبيراً في تضييق أو توسيع نطاق الاحتكار. ونلاحظ مثلا، في ما يعرف بدول النظام الرأسمالي والقائم على الحرية الفـردية، حيث يكون للتجار الحرية المطلقة في تحديد أسعار بضائعهم، وحرية المنافسة المبنية على المبادرة الفردية، ولكن ضمن بعض الحدود القلـيلة التي تفرضـها القوانين. ومثل هذا التوجه بالرغم من ايجابياته، الا انه قد يسمح لضعاف النفوس والجشعين بتوسيع مجالات الاحتكار في هذه الدول.

ونظرا للتضييق على الأفراد، بدأ الاحتكار ينتشر بين الشركات الكبرى وأقطاب التجارة في العالم، والكل هدفهم واحد هو تحقيق أرباح طائلة تمكنهم من السيطرة على الأسواق أضافة للتأثير على الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ونلاحظ أثر هذه التجمعات الآن في السياسة الدولية والانعكاسات السلبية على العالم، وخير دليل تغير المناخ الذي يهدد كل العالم بسبب التنافس الصناعي غير السليم. وهذا الوضع خطير، ويتطلب تعاون دولي ومواثيق عالمية ولكن نجد أمريكا ترامب ضد هذا التوجه بسبب ضغوظ ولوبي الشركات الكبيرة.

وفي أمريكا وأوربا، ظللنا منذ فترة نلاحظ القضايا العديدة بين الحكومات والشركات القوية وهي تدور في فلك الاحتكار والمنافسة وما أدراك ما الاحتكار والمنافسة. بل نجد قضايا من شركات أمريكية وأوربية ضد شركات خليجية والصراع الذي بدأ بين شركات الطيران خير دليل، ولا يخفى علينا أن بعض النزاعات قد تتم بسبب الغيرة التجارية، ليس الا. وفي أمريكا مثلا تابعنا قضايا بين الحكومة من جهة ومعها شركات التكنولوجيا ضد شركة مايكروسوفت على أساس أنها تحتكر السوق وتسيطر عليه عبر برامجها التقنية. واستمرت هذه القضايا تشغل البال حتي تم التوصل الي تسويات وقتية بين وزارة العدل الأمريكية ومايكروسوفت على تقسيم الشركة لعدة أفرع وتوزيع النشاطات بينها بحيث لا تتمكن من السيطرة والهيمنة على السوق بمفردها واستبعاد شركات التكنولوجيا الأخري نظير الاحتكار. هذه الحروب القانونية ظلت مستمرة بالرغم من توفر الامكانيات الفنية والتقنية لجميع الشركات المتنافسة، والحد من الاحتكار قد يعود بالفوائد لمصلحة المستهلك المتعطش للتقنية الحديثة التي أصبحت أساس الحياة للجميع.

ان الحرب ضد الاحتكار، في رأينا، يجب ألا تتوقف لأن هناك من يبحث عن الفرص لتحقيق الفوائد الذاتية حتى على حساب المجتمع. والاحتكار يضر التجارة وسريانها الطبيعي ويضر بالمنافسة الشريفة ولا يتيح الفرصة لرواد الأعمال  وللأفكار الجديدة الناشئة بل يقتلها في مهدها دون رحمة. ولذا، يجب الاهتمام الدائم بتحديث التشريعات الوطنية والمواثيق الدولية التي تحارب الاحتكار، والا فان الماء يبحث عن كل المزالق للتسرب.

د. عبد القادر ورسمه غالب

المؤسس والمدير التنفيذي

ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات (ذ م م) البحرين \ دبي