العقوبات والتدابير البديلة

. عبد القادر ورسمه غالب

العديد من الدول، وفي سبيل تطوير العقوبات والاجراءات الجنائية، أصدرت قانونا يتناول “العقوبات والتدابير البديلة”. وهذه التدابير البديلة الغرض منها أن تحل محل عقوبة “السجن والحبس” وهي متعددة وتشمل العمل في خدمة المجتمع، الإقامة الجبرية في مكان محدد، حظر ارتياد مكان أو أماكن محددة، التعهد بعدم التعرض أو الاتصال بأشخاص أو جهات معينة، الخضوع للمراقبة الإلكترونية، حضور برامج التأهيل والتدريب، إصلاح الضرر الناشئ عن الجريمة. وبالطبع، لكل حالة وضعها وفق المقتضيات.

Asia 728x90

وفي هذا الصدد نشير الي أن فقه وفلسفة العقوبة الجنائية لا تبحث عن الانتقام أو التشفي ممن ارتكب الجرم ولكن تهدف أساسا للاصلاح والتأهيل والتدريب ليعود مرتكب الجريمة شخصا صالحا لمجتمعه ولنفسه، والاصلاح من أهم أهداف العقوبة. ومما لا شك فيه، ان العمل في خدمة المجتمع كبديل للعقوبة من الخطوات المميزة لأنها تمنح مرتكب الجريمة الفرصة للتآلف والتصالح مع مجتمعه، وذلك بالقيام بخدمة أو بخدمات تعود بالنفع على المجتمع في البداية وأيضا تعود له شخصيا بصفته جزء من هذا المجتمع.

وخدمة المجتمع تتمثل في عدة طرق يتم تحديدها للالتزام بتنفيذها وفق المطلوب. ومهما كانت الخدمة بسيطة الا ان نفعها للمجتمع مباشر ويعود بآثار معنوية ومادية ومجتمعية. وهذا يخلق نوع من الترابط بين المجتمع ومرتكب الجريمة لأنه سيشعر أنه غير منبوذ وغير مكروه، بل أن مجتمعه منحه الفرصة لخدمته وسنده وفق طاقته ومعرفته. وفي هذا الاطار، نشير لضرورة اشراك القطاع الخاص وشركاته لمنح الاعتبار والمشاركة الفاعلة لاحلال التدابير البديلة في تطبيق العقوبة. ومن دون شك، هناك من يمكن الاستفادة من خبراته في الكمبيوتر أو الامور الفنية أو الادارية أو غيرها لأن مثل هذه التخصصات قد تكون متوفرة لديهم ويبدعون في تنفيذها. وعبر هذا المنفذ تستفيد الشركات وكل المجتمع. وأيضا، في عدة حالات، قد يستطيع من صدرت ضده العقوبة القيام باصلاح الضرر وجبره للحد المقبول للطرف المتضرر، فلماذا يقضي جزء ولو يسير من عمره خلف القضبان بعيدا عن أسرته ومجتمعه.

ان تحقيق العدالة والردع للآخرين أمر هام وحيوي لحماية المجتمع، ولكن هناك حالات تستدعي مساعدة الشخص “المجرم” وتأهيله ليعود لمجتمعه، وفي هذا اصلاح واعادة الجميع لحضن المجتمع والعمل على فائدته. ولتحقيق هذا، يجوز للقاضي عند الحكم بعقوبة الحبس أن يستبدلها بعد تحديد مدة الحبس بعقوبة بديلة أو أكثر من المنصوص عليها في القانون.

وأيضا يجوز، لكل محكوم عليه بالحبس أو بالإكراه البدني أن يطلب من قاضي تنفيذ العقاب أن يستبدل بتنفيذ، عقوبة الحبس أو الإكراه البدني، عقوبة بديلة أو أكثر من المنصوص عليها في القانون، ويفصِل قاضي تنفيذ العقاب في الطلب بعد سماع أقوال النيابة العامة. ويجوز أيضا، لمؤسسة الإصلاح والتأهيل (وليس مصلحة السجون كما كان سايقا) أن تطلب من قاضي تنفيذ العقاب أنْ يستبدل، بالعقوبة الأصلية المحكوم بها، عقوبة بديلة أو أكثر لمدة تساوي باقي العقوبة أو مجموع العقوبات المحكوم بها. مع العلم أن ذلك يتم إذا توافرت في المحكوم عليه بعض الاشتراطات، من ضمنها أن يكون قد أمضى نصف مدة العقوبة أو العقوبات المحكوم بها، أن يكون حسن السيرة والسلوك، ألا يكون في الإفراج عنه خطر على الأمن العام، وأن يكون قد أدى الالتزامات المالية المحكوم بها عليه من المحكمة الجنائية ما لم يكن من المستحيل عليه الوفاء بها. وفي جميع الأحوال، يفصل قاضي تنفيذ العقاب في الطلب بعد سماع أقوال النيابة العامة.

ان استبدال العقوبات، وفق الاطار القانوني المبين أعلاه، له مزايا لا حصر لها وبدون أي أضرار. وهناك من يقول أن ترتيب بدائل العقوبة يقفل باب “الشر” أمام  الكثير من الشباب لأن مجرد دخولهم في السجن قد يعني اضافة شخص جديد لقائمة مرتادي الاجرام ومترددي السجون، لأن فترة البقاء الأولي قد تفتح الذهن الاجرامي والملكات الاجرامية التي ربما يستهويها وتجد عنده القبول بسبب النصائح الخطيرة التي وجدها داخل الزنزانات. وقفل هذا الباب مفيد ومريح ويعود بالفائدة لكل المجتكع وفق أحكام القانون والممارسات القضائية السليمة.

د. عبد القادر ورسمه غالب

المؤسس والمدير التنفيذي

ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات

البحرين \ دبي