الخميس 5 يوليو 2018 جريدة الخليج كيف تبدأ ممارسة التحكيم ؟

د. عبد القادر ورسمه غالب

في مايو المنصرم من 2018 انعقد في سنغافورة مؤتمر التحكيم الدولي الدوري بتنظيم، كلله النجاح التام، من “المنتدي الآسيوي الباسيفيكي للتحكيم الدولي”. ولأهمية هذا اللقاء الدوري شارك فيه العديد من مكاتب المحاماة والقانونيين ومختلف الاستشاريين وخبراء التحكيم بمراكز التحكيم المختلفة في العديد من الدول… وكان تجمعا مشهودا. اذ اجتمع الكثير من الرواد والخبراء في صناعة التحكيم الدولي، وأتوا جميعا لوضع معايير مهنية معينة تساعد في بداية المشوار للولوج في ممارسة هذه المهنة الهامة والتي تزداد أهميتها مع زيادة المعاملات التجارية الدولية وتشابك المصالح وتفاعلها، وما ينجم عن هذه النشاطات من منازعات تحتاج للحلول السريعة الآمنة المنهية للخصومة … وكل هذا عبر بوابة التحكيم التي يجب أن تكون مؤهلة وصالحة للمرور عبرها، وفق رغبة الأطراف، بأمان وسلامة.

Asia 728x90

تناول المتحدثون العديد من المسائل الهامة التي يجب مراعاتها بواسطة كل من يرغب في ممارسة التحكيم. وفي العادة، وهذا أمر طبيعي، يتطلع كل شخص لنيل الفرصة في ممارسة التحكيم فعليا كمحكم فرد أو كعضو هيئة تحكيم. ومن الملاحظ أنه وفي أغلب الأحوال، فان كل من يطلب منه أو تعرض عليه فرصة المشاركة في التحكيم، يوافق مباشرة ويتحفز لدخول هذا المجال وذلك دون مراعاة أو دون التأكد من نقاط هامة قد يكون لها آثار مباشرة علي تاريخ مهنته وتاريخ مهنة التحكيم.

تركز النقاش في أمور هامة، من ضمنها مثلا، متي يكون الوقت مناسبا لقبول التعيين كمحكم؟ كيف تحصل علي التعيين كمحكم؟ متي تقول “لا” عندما يطلب منك قبول التعيين؟ كيف تجهز نفسك لبداية اجراءات التحكيم وممارسته؟ ودارت مناقشات كثيرة وتباينت الآراء لأسباب مهنية أو شخصية..

ان الاجابة علي الأسئلة المطروحة أعلاه قد تبدو من اللحظة الأولي “سهلة” لكل شخص. ولكن في الواقع هناك أمور صعبة جدا قد تطرأ فور بداية اجراءات التحكيم. ولهذا، يجب أن لا نأخذ الأمر بكل “سهولة” وأريحية، وفي بعض الأوقات يتم القبول الفوري للمشاركة في التحكيم لمجرد اغتنام الفرصة التي قد لا تأتي ثانية أو قد يتأخر وصولها. ولقد تبين جليا، من واقع التجربة في كل الأمكنة والمراكز، أن الموافقة الأولية تأتي من أغلب الأشخاص دون أن يراعي أي منهم أنه لا يملك الخبرة المباشرة في القانون والوقائع المرتبطة بالتحكيم المعني. وتبدأ المعضلة الحقيقية التي يكتشفها وهو في منصة التحكيم حيث يكتشف فعليا أنه غير ملم أو غير مستوعب للوقائع والقوانين ذات الصلة بهذا التحكيم الذي وضع نفسه فيه كمحكم أو رئيس هيئة التحكيم.

ومن مثل هذا التصرف يتضرر التحكيم وتتضرر العدالة ويتضرر الأطراف.. فلماذا نضع نفسنا في هذا الموقف، ولقد أجمع المجتمعون علي هذا السؤال؟ أليس من الأفضل الابتعاد اذا لم تتوفر لدينا المعرفة والدراية والخبرة. وللعلم، وفي حالات عديدة تم رفع دعاوي ضد من وافقوا وانضموا لمسيرة التحكيم وتبين فعليا عدم مقدرتهم لعدم توفر المعرفة الكافية الضرورية للعمل. وفي هذا ضرر كبير كان من الممكن تجنبه بقليل من الأمانة والشجاعة الذاتية، ومنح الخبز لخبازه.

اضافة للمعرفة العلمية فان الخبرة ضرورية خاصة وأن الحلول الفورية والاجراءات التي تتم في أثناء سير التحكيم قد لا يوجد ما يساعد علي فهمها في اضابير الكتب والأحكام القانونية في المواد الجافة، بل تنبع من فكر وضمير شخص متمرس ماسك بزمام وتلابيب الأمور وواثق من كل خطواته التي يخطوها استنادا لتراكم الخبرات المتنوعة والمتعددة الأبعاد خاصة عندما يتطلب الأمر اتخاد قرارات فورية وفي نفس اللحظة. وليس المهم هنا اذا كانت القرارات ايجابية أو سلبية، بل المهم تلك المقدرة الذاتية والحضور الذهني والتمكن النفسي من اتخاذ القرار.

ومن المعلوم أيضا، أن هناك قضايا كثيرة في هذا الخصوص ضد المحكم أو هيئات التحكيم، اضافة الي تشويه السمعة المهنية ولهذا انعكاسات بعيدة المدي لا يقبلها المتطلع للمستقبل المهني الواعد. ولذا، يجب علي الجميع النظر في ايجابيات وسلبيات القبول ومن ثم اتخاذ القرار وتحمل تبعاته. ولا تستعجل، لا تستعجل بل فكر مليا وبروية.

اضافة للمعرفة الفنية والخبرة المتراكمة هناك أمور لوجستية لا بد من أخذها في الحسبان قبل الموافقة للانضمام للتحكيم. وهناك أمثلة كثيرة منها، عدم توفر الوقت الكافي لمنح العناية الكافية للموضوع وعنصر الزمن هام للتحكيم بل من أولوياته الأولي، عدم ملائمة المكان، عدم ملائمة التوقيت، عدم الالمام الكافي باللغة، وجود خلافات مع أعضاء هيئة التحكيم أو مركز التحكيم مما قد يؤثر علي العمل… وغيره..

وقبل كل هذا، لا بد من التأكد التام من توفر الحياد والاستقلال للمحكم من نقطة البداية وحتي نهاية اجراءات التحكيم. لأن السير في التحكيم دون الافصاح التام عن هذه الأمور سيعود بآثار ضارة علي التحكيم والمحكم نفسه مع هدم أسس العدالة الناجزة. وننصح بعدم القبول والابتعاد التام عن التحكيم وقفل بابه تماما ومهما كانت درجة عدم توفر الحياد والاستقلال. ان قول “لا” في مثل هذه الحالات يكون هو القرار الصائب ولا بد من توفر الشجاعة لقول “لا” حتي يسير التحكيم لغاياته النبيلة في تحقيق معاني العدالة العادلة بعيدا عن تضارب المصالح والرغبات الذاتية.

وفي ما يخص كيفية السير بإجراءات التحكيم للوصول بسلام للغاية النهائية وفي الوقت المحدد، كان هناك شبه اتفاق علي ضرورة اعداد جدول واضح بسير الاجراءات من البداية حتي صدور القرار النهائي النافذ. ويجب علي كل محكم المشاركة بفعالية في هذا الاعداد الفني وتجهيز نفسه للمشاركة في المناقشات والمداولات وفحص المستندات والشهود وغيرهم.. مع ضرورة استيعاب الأمور القانونية وكل الوقائع المرتبطة بالنزاع حتي يلعب كل محكم دوره في صياغة القرارات، ولسوء الحظ هناك من يأتي للقاعة وهو غير جاهز وغير مرتب وغير مستعد لمعركة العدالة.. ومن الطبيعي أن تكون مشاركة هذا المحكم غير فاعلة اذ أتي بشخصه فقط وهو غير جاهز وخالي الوفاض.. ومثل هذا الموقف غير المقبول يربك الجميع ويؤثر عليهم سلبا ويحطم روح الفريق وأبجديات المهنة.

لا نستطيع في هذه العجالة تناول كل ما تم في هذا التجمع الهام، ولكن، أشرنا لبعض المعطيات العامة التي لا بد من الالمام بها للاسترشاد والعمل بموجبها للوصول بالتحكيم لنهاياته بصورة سلسة وسليمة. مع أمل أن نعود لاحقا لذكر المزيد من التجارب الثرة التي تم تقديمها بواسطة دهاقنة ورواد وخبراء مهنة التحكيم. ولنعمل لهذا..

د. عبد القادر ورسمه غالب

المؤسس والخبير القانوني الرئيس

ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات

المنامة – المنطقة الدبلوماسية – برج الدبلومات

الطابق 4 – شقة # 45