الخميس 4 يناير 2018 جريدة عمان التحكيم ومعضلة تعدد العقود

د. عبد القادر ورسمه غالب

ينطلق التحكيم في العادة من واقع فكرة تضمين العقد المبرم بين الأطراف بندا يتناول “شرط التحكيم” والتفاصيل المرتبطة به. وهذا البند، يتم وضعه خصيصا لتوضيح نية الأطراف المبدئية في اختيار اللجوء للتحكيم كبديل للفصل في المنازعات التي قد تطرأ بينهما خلال تنفيذ العقد المبرم بينهما. وبذا يكون ما تضمنه هذا العقد في “شرط التحكيم” هو بداية الانطلاق نحو التحكيم اذا دعت الحاجة عند نشوء أي خلاف بين الأطراف الموقعة علي العقد. والعقد شريعة المتعاقدين، ويتم التعامل بين الأطراف وفق شروط العقد التي تم ادراجها بعد الاتفاق عليها.

Asia 728x90

بالنسبة لإجراءات التحكيم، فان هذا الأمر واضح جدا خصوصا في ما يتعلق بالأطراف المتنازعة وشروط العقد المبرم بينهم، ويكون التحكيم بين هذه الأطراف ويتم وفق نيتهما الصريحة الواردة “عيانا بيانا” في العقد. ولكن، قد تظهر بعض الحالات التي تستدعي اضافة عقد أو عقود أخري للتحكيم الجاري. وهي عقود خارجية ومستقلة عن العقد الأولي موضوع التحكيم.

هذه النقطة، الخاصة بإضافة عقد آخر جديد علي العقد الأساسي للتحكيم أو ما يعرف بتعدد العقود، اعتبرتها محكمة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية من النقاط الشائكة نوعا ما. ولقد أفادت المحكمة بأن شرط التحكيم بصفة عامة يختص بذلك العقد المبرم، ولكن قد تطرأ حالات يجوز فيها اضافة عقد جديد مستقل للتحكيم بالرغم من أنه يعتبر طرفا “غريبا” علي العقد الذي يتم التحكيم بموجبه. وهذا قد يحدث مثلا، عندما يتفق أطراف العقد صراحة علي اضافة العقد الجديد للتحكيم أو عند توفر بينة كافية توضع أنهم قد يرغبون في هذه الاضافة وذلك من واقع الأمور المرتبطة بتنفيذ العقد.  

ونلاحظ أن محكمة التحكيم طبقت هذا التوجه في قضية شركة “ويست لاند” البريطانية والخاصة بالنزاع المعروض علي التحكيم بين هذه الشركة و”الهيئة العربية للتصنيع الحربي”  و”الشركة العربية البريطانية لصناعة الهليكوبتر” التي سبق أن أنشأتها كل من مصر والسعودية والامارات وقطر لتصنيع نوع من طائرات الهليكوبتر الحربية. وفي هذه القضية تناولت محكمة التحكيم عدة مسائل هامة تتعلق بالتحكيم، ولكن ما يهمنا هنا موضوع تعدد العقود في تحكيم واحد.

في هذه القضية المقامة من شركة “ويست لاند” البريطانية تم ابرام عدة عقود مع الشركة لتصنيع طائرات الهليكوبتر ومنها عقد مع “الهيئة العربية للتصنيع الحربي” وكذلك عقد مع “الشركة العربية البريطانية لصناعة الهليكوبتر”.

وعند حدوث خلافات بين الأطراف، تقدمت شركة “ويست لاند” البريطانية للتحكيم وقررت محكمة التحكيم السماح بالسير في اجراءات تحكيم واحد يضم شركة “ويست لاند” من جهة و”الهيئة العربية للتصنيع الحربي والشركة العربية البريطانية لتصنيع الطائرات” من الجهة الأخرى وذلك بالرغم من أن العقود التي تناولتها المحكمة متعددة ومنفصلة لكنها مبرمة بين الشركة وهذه الأطراف.

ولجأت المحكمة لهذا القرار، كما تبين، استنادا علي تطابق فقرات العقود المتعددة ونية الأطراف المنحصرة في تنفيذ مشروع واحد.. هذا مع العلم، أن “شروط التحكيم” في هذه العقود المبرمة غير متطابقة تماما وبها بعض الاختلافات، ولكنها جميعها تشير صراحة للجوء للتحكيم في غرفة التجارة الدولية ووفق نظامها التحكيمي.

ولقد اتبعت محكمة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية نفس هذا المنهج في قضية أخري تتعلق بثلاثة شركات فرنسية كان لديها عقود متعددة مع “هيئة الطاقة الايرانية”  و”الهيئة الايرانية العامة للاستثمار”  بخصوص تقديم تمويل وانشاء مفاعلات نووية في ايران.

وجميع هذه العقود المتعددة المبرمة بين هؤلاء الأطراف تتضمن شرط اللجوء للتحكيم أمام غرفة التجارة الدولية. وعند نظر التحكيم قررت المحكمة السير في التحكيم وفق أحد العقود المبرمة ولاحقا رأت اضافة العقود الأخرى لنفس التحكيم وذلك لتشابهها في الغرض وتوفر نفس النية لتنفيذ المشروعات. 

ومن الجدير بالذكر أن هذا القرار المتعلق بالسير في التحكيم وضم عقود متعددة لنفس النزاع، تم نقضه بواسطة محكمة التمييز الفرنسية ولكن محكمة التمييز في مجمل حكمها لم تستبعد تماما امكانية ضم عقود متعددة في نفس التحكيم الجاري وذلك بناء علي رغبة الأطراف أو بما قد تراه “هيئة التحكيم”  من انطباق نية الأطراف والحقوق المترتبة علي هذه العقود المتعددة حيال التحكيم الجاري أمامها. وفي هذا تحدي كبير لهيئات التحكيم، لأنه يتطلب المزيد من الحرص حتي لا تتعرض القرارات النهائية للنقض بواسطة المحاكم القضائية المختصة.

من الواضح أن هذا الموضوع المتعلق “بتعدد العقود” لا يخلو من بعض المشكلات وخاصة القانونية لأن كل عقد يعتبر قائما بذاته وله خصوصيته وكينونته. ولكن قد يكون طرح هذا الموضوع أمام هيئات التحكيم أمرا لا بد منه خاصة في المشاريع المشتركة ذات الأطراف المتعددة التي يتداخل فيها العمل والمهام لدرجة لا يمكن فصلها عن بعض الا بعملية جراحية دقيقة جدا.

وعلي المحكم أو هيئة التحكيم في مثل هذه الحالات بذل المزيد من الجهد المهني ودراسة الأمر بعناية والتعامل معه بمهنية وحرفية فائقة، خاصة وأن تداخل التجارة البينية واتحاد المشروعات أصبح من الأمور التجارية الحتمية والضرورية … وهكذا مع تطور التجارة والأعمال قد تتشعب وتتداخل الأمور المرتبطة بالتحكيم مما يستدعي الوقوف التام والتركيز الدقيق والهمة العالية من كل من له علاقة بصناعة مهنة التحكيم.

طبعا الأمر قد يكون سهلا، نوعا ما، بالنسبة لتعدد الأطراف والادخال والتدخل في القضايا المدنية بالنسبة للمحاكم القضائية لأن قوانين الاجراءات المدنية والمرافعات تحدد وتتضمن فقرات واضحة بالنسبة لتعدد الخصوم والادخال والتدخل أثناء سير الدعوي … وكذلك الأمر بالنسبة لتدخل أو ادخال طرف ثالث أثناء التنفيذ لعلاقته بالتنفيذ أو لحفظ حقوقه من الضياع بسبب التنفيذ.. 

ومثل هذه الاجراءات قد لا تكون موجودة أو غير واضحة في قوانين وأنظمة التحكيم واجراءات مراكز التحكيم، وعند مجابهة هذه الأوضاع  فان الأمر يتطلب من المحكم أو هيئة التحكيم بذل الجهد والاجتهاد في اتخاذ القرارات الضرورية التي تضمن سير التحكيم بما يحقق العدالة الناجزة لجميع الأطراف.

 

د. عبد القادر ورسمه غالب

الخبير والمستشار قانوني

ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات

المنطقة الدبلوماسية

برج الدبلومات

الطابق 4 – شقة رقم 45