التطورات القانونية لحوكمة الشركات

Asia 728x90

نشاط الشركات التجارية، لأهميته البالغة، تنظمه عدة قوانين وأهمها قانون الشركات التجارية. وظل هذا القانون يتعدل ويتبدل لمجاراة الواقع والتطورات التجارية، ولكن بالرغم من هذا يظهر “فراغ” تنظيمي في بعض الحالات. وفي نظرنا، ان من أهم المحاولات التي ظهرت بغرض تحسين وضع ادارة الشركات، نجد ما يعرف بحوكمة الشركات التي أتت بمبادئ ادارية قانونية جوهرية، منها الافصاح والشفافية ومنح الادارة والمساهمبن الادوار المعروفة مع ضوابط المسؤولية والمسائلة.

من الناحية التاريخية نقول أن هذا الأمر تم على مراحل متعددة. ففي القرن السابق وخاصة في خلال الفترة التي أعقبت قيام “وول ستريت مباشرة، قام بعض علماء القانون مثل أدولف أوغسطس وادوين دود وجيم غاردينر، بالتفكير في بعض الوسائل الجديدة لدور متغير لقيام “شركات حديثة” في المجتمع. وهذا شمل، وسائل دراسة مفهوم الشركة الحديثة والملكية الخاصة”. ولا يزال لهذه الدراسات القانونية الهامة تأثير عميق على مفهوم حوكمة الشركات في المناقشات العلمية المسنمرة حتى اليوم.

ومن مدرسة شيكاغو الاقتصادية، تم عرض فكرة تكاليف المعاملات وأثرها في كيفية فهم لماذا يتم تأسيس الشركات وما أهدافها؟ وكيفية استمراها وكيف تتصرف للبقاء. وبعد عدة سنوات تم ترسيخ فكرة الفصل بين الملكية والسيطرة ونظرية الوكالةكوسيلة لفهم حوكمة الشركات استنادا الى أن الشركة تعتبر سلسلة من العقود والمعاملات المالية. ولقد هيمنت نظرية الوكالة والتزاماتها القانونية على الأفكار وتم تسليط الضوء عليها لتحديد الأدوار.

وبعد الحرب العاليم الثانية، توسعت الولايات المتحدة في التجارة العاليمة وذلك من خلال بروز دور الشركات متعددة الجنسيات، وهذه الفترة شهدت إنشاء الطبقة الإدارية في الشركات الكبيرة للحاجة الماسة للادارة المتفهمة لدورها. وتم نشر دراسات قانونية عديدة تعمقت في شرح المفاهيم الجديدة لدور الشركات والمشاريع التجارية والسلوك التنظيمي الخاص بها. ومن ضمن الدراسات الهامة برز أمر ضرورة،السيطرة من قبل مجلس الادارة” خاصة بالنسبة للعديد من الشركات الكبير المهيمنة على الشؤون التجارية من دون محاسبة أو مراقبة كافية.

ومنذ عام 1970تحديدا، وحوكمة الشركات بمبادئها الجديدة، كانت موضع نقاش كبير في الولايات المتحدة وحول العالم. وبذلت جهود واسعة النطاق لإصلاح الحوكمة، مع مراعاة

احتياجات ورغبات المساهمين في ممارسة حقوقهم في ملكية الشركات وزيادة قيمة أسهمها، وبالتالي، زيادة ثروتها. وعلى مدى العقود الماضية، توسعت واجبات مديري الشركات حتى أنها شملت واجبات بشكل كبير خارج نطاق المسؤولية القانونية التقليدية المتمثلة في واجب الولاء للمؤسسة ومساهميها. ولاحقا، لقيت مسألة إدارة الشركات في الولايات المتحدة انتباه كبير من الصحافة والاعلام وجميع السلطات وذلك بسبب طرد الرؤساء التنفيذيين لعدة شركات هامة نذكر منها شركة آي بي إم، وشركة كوداك، وشركة هانيويل، بواسطة مجالس ادارة هذه الشركات، ومن هذا برزت حقيقة الخلافات وبعض الصراعات التي تؤثر على اداء الشركات وعلى المؤسسية بصفة خاصة.

وفي خلال نفس الفترة، وبعيدا عن الولايات المتحدة، ظهرت الأزمة المالية الآسيوية التي أثرت على اقتصادات تايلاند، اندونيسيا ، كوريا الجنوبية ، ماليزيا والفلبين. وتضررت هذه الدول من عدة نواحي أهمها خروج رأس المال الأجنبي بعد انهيار أصول الملكية. وتبين أن من أبرز نقاط الضعف في هذه البلدان عدم وجود آليات لحوكمة الشركات في المؤسسات وفي الانظمة الاقتصادية. وفي خلال نفس الفترة، ظهرت الإفلاسات الهائلة والمخالفات الجنائية من شركات أمريكية كبيرة مثل شركة انرون للطاقة وشركة وورلدكوم، وكرد فعل لهذا الوضع تم انهيار شركات عديدة مؤثرة في الاقتصاد، مثل اتصالات أدلفيا، أمريكا أون لاين، شركة آرثر أندرسن، غلوبال كروسينغ، تايكو وغيرها. وهذا أدي إلى زيادة المطالبة بضبط عمل الشركات ومراعاة حقوق المساهمين وضرورة الاهتمام بمبادئ “حوكمة الشركات في الإدارة الفعالة لكل الشركات. وكل ما حدث انعكس بصورة مباشرة في أمريكا مما أدى الى التدخل التشريعي للسيطرة والتنظيم وتم اصدار قانون ساربانيس أوكسلي لعام 2002. وعبر هذه التطورات في أمريكا وغيرها من دول العالم، كانت الحاجة ماسة لوضع مبادئ وضوابط ومعايير جديدة تؤدي الى ضبط المعاملات المالية والى “حوكمة الشركات” وحماية المستثمرين والمجتمع. هذا لان الأثر الإيجابي لإدارة الشركات وحوكمة الشركات سينعكس مباشرة على مختلف أصحاب المصلحة مما يمثل، من دون شك، دعم وتقوية للاقتصاد الوطني وبالتالي سينجم عن هذا التطور حسن الإدارة السليمة والحوكمة للشركات التي تعتبر أداة هامة من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في كل مكان.

قبل عدة سنوات، وفي جميع أنحاء العالم، كان غالبية المشترين والبائعين لأسهم الشركات وتداولها من فئة المستثمرين الذين يمثلون رجال الأعمال الأثرياء أو العائلات وغيرهم من الفئات التي غالبا ما تعوزها مصلحة راسخة أو شخصية مباشرة في أسهم الشركات التي يملكونها. وبمعنى آخر، كان التداول يتم بين هذه الفئات بصورة تجارية تقليدية دون اهتمام مباشر منهم. ومن التطورات الهامة في مجال أهمية دعم الحوكمة، أنه وبمرور الوقت، اكتسبت الأسواق إلى حد كبير الطابع المؤسسي “انستتيوشنال

انفستمنت” والمتمثل في مؤسسات ضخمة مثل صندوق المعاشات التقاعدية، صناديق الاستثمار المشترك، صناديق التحوط، صناديق التداول، مجموعات المستثمرين الآخرين، شركات التأمين، المصارف، السماسرة، وغيرها من المؤسسات المالية. وصعود المستثمر المؤسسي الى هذه الساحة جلب معه بعض الزيادة والاهتمام في العناية المهنية التي يجب أن تسعى إلى تحسين تنظيم سوق الأوراق المالية وبالتالي تحسين عمل الشركات. هذا مع العلم بأن هذا التطور وقع أيضا بالتزامن مع نمو الاستثمار المباشر للأفراد بشكل غير مباشر في السوق، وهذا النمو حدث في المقام الأول عن طريق قيام الأفراد بتسليم أموالهم إلى المهنيين المتخصصين لإدارتها، مثل صناديق الاستثمار المشترك. وبهذه الطريقة، فإن غالبية الاستثمارات يمكن أن توصف الآن بأنها من الاستثمار المؤسسيعلى الرغم من أن الأغلبية الساحقة من هذه الأموال لصالح المستثمرين الأفراد. ويعتبر برنامج التداول في الأسواق، هو السمة المميزة للتداولات المؤسسية حيث بلغ استثمارهم في بعض الأحيان ما يزيد على 80 ٪ من التداولات مثلا في بورصة نيويورك. وهذا النشاط الاستثماري المؤسسي يتنافس لفائدة من يعمل لمصلحتهم ويبحث عن الاستثمارات الناجحة في الشركات الناجحة، وهذا أدي الى المزيد من الأهتمام والعناية بتحسين ادارة الشركات عبر بوابة مبادئ حوكمة الشركات. وهذه المبادئ الآن أصبحت من الضروريات وتجد الاهتمام الفائق من المشرعين واجهزة الرقابة والجهات ذات العلاقة وأيضا كل شرائح المجتمع. ونأمل أن يستمر التطور المؤسسي لأبعد الآفاق حتي ترتقي شركاتنا نحو الكمال والقمة والريادة المؤسسية وفي هذا مصلحة مباشرة للشركات وللمساهمين وأيضا لجميع فئات المجتمع. وعلينا فهم ما تهدف اليه مبادئ الحوكمة وفهم ما بين السطور والقيام بتطبيقها بالطرق المثلى.

المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب

المؤسس والمدير التنفيذي

ع \ شركة د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.م

البحرين \ دبي