التحكيم في منازعات الاعتمادات المستندية

 ICC Rules for Documentary Instruments Dispute Resolution Expertise – DOCDEX   نطام دوكدكس

Asia 728x90

تقوم غرفة التجارة الدولية بباريس (أي سي سي)، ممثلة في لجانها الفنية المختلفة، بإصدار العديد من اللوائح والأنظمة الموحدة لتنظيم التجارة الدولية التي تتم عبر الخدمات المصرفية. ولتحقيق هذا الغرض أصدرت غرفة التجارة الدولية عدة لوائح تنظيمية هامة. ومنها نذكر، القواعد الموحدة والممارسات المصرفية لتنظيم الاعتمادات المستندية (يو سي بي) وآخرها هي (يو سي بي 600)، والقواعد الموحدة لغرفة التجارة الدولية لإعادة الدفع بين البنوك للاعتمادات المستندية (يو آر آر)، والقواعد الموحدة لغرفة التجارة الدولية للتحصيل (يو آر سي)، والقواعد الموحدة لأحكام الضمانات المصرفية (يو آر دي جي)، والقواعد الموحدة لتوفير الخبرة لتسوية منازعات الاعتمادات المستندية (دوكدكس)…. وهذه القواعد الموحدة تبين لنا أن الصناعة المصرفية، صناعة واحدة في كل العالم، لأن القواعد المتبعة واحدة في كل البنوك.

وفق هذه القواعد والأحكام الموحدة تقوم البنوك بتقديم الخدمات المصرفية التي يطلبها كافة العملاء. وهذه القواعد الفنية الموحدة، كما ذكرنا، يتم استخدامها في كل العالم ويتم تحديثها وتنقيحها ومراجعتها، كلما دعي الأمر، لتتماشى من تطورات العمليات التجارية خاصة الدولية والممارسات المصرفية السليمة ولتجاوز ما يطرأ من عقبات أثناء التنفيذ. وهناك لجان فنية عديدة تعمل تحت مظلة غرفة التجارة الدولية بباريس وبصفة دائمة لتلحق الزمن في كل ما يطرأ وكل ما يستجد أو كل ما يستصعب تطبيقه. وكل هذا النشاط المحموم لتوفير البيئة الفنية والتشريعية المناسبة لتطوير العمل وتأهيله لخدمة كل قطاعات التجارة الدولية عبر الخدمة التي تقدمها المؤسسات المصرفية المتطورة.

إن ازدهار التجارة الدولية عبر القطاع المصرفي وعملياته المرتبطة بالعملاء والتجار يجد الرعاية القصوى من غرفة التجارة الدولية. ولهذا اهتمت هذه الغرفة اهتماما خاصا بوسائل تسوية المنازعات بشتى أشكالها، والتي من الطبيعي أن تطرأ من وقت لأخر بين الأطراف. ومن أجل هذا قامت غرفة التجارة الدولية بإنشاء “محكمة التحكيم الدولية” كبديل لتسوية المنازعات التجارية والمصرفية وغيرها من كل أنواع المنازعات. ولقد قامت “محكمة التحكيم الدولية” بانجاز أعمال كبيرة تم من خلالها التسوية الناجزة للمنازعات، وهذا شكل حافزا كبيرا ودعما ملموسا لدعم التجارة الدولية لأن توفير العدل والعدالة يخلق الثقة ويوفر الطمأنينة في النفوس.

ولم تقف غرفة التجارة الدولية عند هذا الحد فقط، بل سارت في مشوار البحث المضني لتقديم المزيد من بدائل تسوية المنازعات التي تطرأ بخصوص كافة العمليات المصرفية ومنها تلك المرتبطة بالاعتمادات المستندية بكل أشكالها، وذلك لخصوصية هذه المعاملات الهامة وأثرها المباشر في التجارة الدولية. وفي هذا الخضم وتحقيقا له، تم استحداث نظام غرفة التجارة الدولية لتقديم الخبرة الفنية لتسوية المنازعات المتعلقة باكافة عمليات الاعتمادات المستندية والمعروف اختصارا بنطام (دوكدكس)، وبموجب هذا النظام تم إنشاء مركز الخبرة التابع لغرفة التجارة الدولية وهو مرتبط مباشرة بسكرتارية غرفة التحكيم الدولية.

ان مركز “الخبرة” المعني يتكون من خبراء من القطاعات المصرفية والقانونية والمحاسبية وغيرهم من القطاعات الفنية ذات العلاقة، ويتم اختيار هؤلاء الخبراء بعناية فائقة بواسطة غرفة التجارة الدولية. وتتم إحالة كافة المنازعات الخاصة بالاعتمادات المستندية المبينة أعلاه لمركز “الخبرة” للنظر فيها وإصدار القرارات الفنية في كل نزاع. وللعلم، ووفق نظام “دوكدكس” يجوز لصاحب الدعوى “المدعي” تقديم طلبه لمركز الخبراء موضحا قضيته ومرفقا كل المستندات والبيانات الضرورية وعلى الطرف الآخر “المدعى عليه” تقديم دفاعه متضمنا حججه ورأيه المشفوع بالمستندات والبيانات الضرورية لمركز الخبرة. مع العلم، أن قرار “دوكدكس” قد يصدر إذا لم يقدم المدعى عليه دفاعه ومستنداته خلال الفترة الزمنية المحددة له تحقيقا للعدالة الناجزة. ولذا يجب الحرص من جميع أطراف النزاع، والا قد يحدث ما لا يحمد عقباه.

وكما ذكرنا تتوفر بغرفة التجارة الدولية قوائم بكل الخبراء من الفئات الفنية المتخصصة والمؤهلة للنظر في مسائل الاعتمادات المستندية ومنازعاتها المختلفة الأوجه والمتشعبة المداخل. وفي هذا الخصوص، تقوم الغرفة باختيار 3 (ثلاثة) من قائمة الخبراء ممن تتوفر فيهم الكفاءة والخبرة الفنية الخاصة لدراسة وتقييم المنازعات وإصدار القرارات الفنية التي تراها بشأنها. مع العلم، أن لجنة الخبراء بعد الانتهاء من عملها تقوم بتقديم رأيها الى “خبير خاص” يتم تعيينه بواسطة لجنة المصارف التي تتبع لغرفة التجارة الدولية، وذلك استنادا لما له من خبرة ومعرفة في مجال الاعتمادات المستندية والقرارت المنظمة لها. ويقوم هذا “الخبير الخاص” بدور فني هام جدا يتمثل في مراجعة القرار للتأكد من أنه يطابق وينسجم أو لا يتعارض مع القواعد التنظيمية الخاصة بالاعتمادات المستندية الصادرة من غرفة التجارة الدولية بباريس.

عبر هذه الممارسة يتم نظر المنازعات المتعلقة بالاعتمادات المستندية في خلال فترة زمنية لا تتجاوز ثلاثة أشهر على أقصى حد، وفي هذا تطور كبير وكسب للزمن عصب التجارة، لأن عرض مثل هذه المنازعات للمحاكم يأخذ وقتا طويلا بل سنوات عديدة وفي الكثير من الحالات فان القرارات القضائية الصادرة قد تكون غير منسجمة ولا تتوافق مع الممارسات المصرفية السليمة المتعارف عليها دوليا. ومن هذا يتبين أن صناعة التحكيم لها أفضال كثيرة في حسم المنازعات المصرفية الفنية مهما كانت صعبة، وفي أسرع وقت وفي منتهى السرية التي يتميز بها التحكيم ويعض عليها بالنواجذ، لأن القرار يصدر من أصحاب الخبرة الطويلة والعلم الكافي والمهنية المكتسبة. ومن هذا يتم تجاوز العديد من المشكلات الفنية اليومية التي قد تعترض مسار التجارة الدولية والممارسات المصرفية السليمة، وبهذا الوضع السليم، يستمر دولاب العمل التجاري لتغطية جميع متطلبات المجتمع والتاجر والمستهلك. وفي هذا مكسب كبير لغرفة التجارة الدولية بباريس وكذلك مكسب لغرف التجارة الوطنية المنتشرة في كل الدول، والمكسب الأكبر يكون لكل القطاع المصرفي خاصة في دوائر خدمات الاعتمادات المستندية وتسهيل تمويل مشتقاتها المتعددة.

إضافة لما أوضحنا أعلاه، فان من مميزات “نظام دوكدكس” أن قراراته تعتبر “معيار مهني” وسط المهنة المصرفية و”بنش مارك” يتم الاسترشاد به ويتم إتباع القرارت بواسطة البنوك عند التعامل مع الاعتمادات المستندية. وبالطبع، فان هذه المرجعية الفنية تدعم تطور المهنة المصرفية الى حد كبير، وتقود أيضا في نفس الوقت الى انتهاج أفضل الممارسات المصرفية السليمة المتطورة من أجل تقديم أفضل الخدمات لصالح البنوك والعملاء من أفراد أو شركات أو دول. وتأكيدا لأهمية “نظام دوكدكس”، ظلت غرفة التجارة الدولية تحرص وتدعو لاجتماعات ولقاءات عصف ذهني يتم فيها مناقشة كيفية دعم وتطوير هذا النظام، مع المناداة باللجوء إليه كلما تعثر الوضع أو تعذر لأن النظام يحمل في طياته الذخيرة الكافية من الأحكام والقرارات المطلوبة لحسم منازعات الاعتمادات المستندية المتعددة المشارب. ومن واقع تجربتنا القانونية المصرفية فاننا ندعم هذا التوجه لأهميته وفاعليته، اضافة لأنه الأجدي نظرأ للخبرة التراكمية المكتسبة عند غرفة التجارة الدولية بخصوص “ابنها الشرعي” لأنها قامت بولادة اصدار كل القواعد الموحدة للاعتمادات المستندية وغيرها من تلك القواعد الموحدة الصادرة لتنظيم الخدمات المصرفية. ونقول، ما زال في رحم التجارة والصناعة المصرفية العديد من الانجازات وهذا يقابله استعداد غرفة التجارة الدولية لتطوير وتحديث القواعد والضوابط كلما دعى الحال.. وتستمر المسيرة وعلينا الاستفادة منها لتطوير التجارة والعمليات المصرفية.

المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب

المؤسس والمدير التنفيذي

ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.م البحرين \ دبي