الائتمان المصرفي والمنظور القانوني

الخميس 5 مايو 2022

Asia 728x90

تلعب البنوك دورا كبيرا في دعم الاقتصاد والتجارة والاستثمار عبر الخدمات المصرفية المتعددة التي تقدمها للعملاء ولكل المجتمع، وفق الضوابط والأعراف والقوانين المصرفية وكذلك وفق الممارسات المصرفية السارية السليمة لأن العمل المصرفي كما نعلم يقوم على القانون اضافة للممارسات المصرفية السليمة. ومن أهم الخدمات التي تقدمها البنوك خدمة عمليات الائتمان المصرفي (بانكنق كريدت) والتي بدورها تمثل عصب الحياة للحركة الاقتصادية والتجارية في كل مكان وزمان. وبصفة عامة، يتمثل الائتمان المصرفي في عمليات الإقراض والاقتراض وهو في الغالب يتم عن طريق البنوك التي تقوم بدور كبير في هذا الخصوص مع الحرص علي مراعاة القوانين المصرفية والضوابط التي تصدرها البنوك المركزية بصفتها الجهة الاشرافية الرقابية المسؤولة عن سلامة العمليات المصرفية وخاصة عمليات الائتمان المصرفي بكل أشكاله.

اذا نظرنا للقوانين واللوائح المصرفية السارية وكذلك المواثيق العالمية ذات الصلة، يتم تعريف الائتمان عموما بأنه تلك الثقة التي يوليها البنك لشخص ما سواء كان طبيعياً أو معنوياً، و بأن يقوم بمنحه مبلغاً من المال لاستخدامه في غرض محدد، خلال فترة زمنية متفق عليها وبشروط معينة لقاء عائد مادي “أو رسوم” متفق عليه، وكل ذلك بعد تقديم ضمانات كافية وقوية تمكن البنك من استرداد ما قدمه من قرض في حال توقف العميل عن السداد لأي سبب كان.  

وفي نفس الوقت، يتم تعريف القروض المصرفية بأنها تلك الخدمات المقدمة للعملاء التي يتم بمقتضاها تزويد الأفراد والمؤسسات والمنشآت في المجتمع بالأموال اللازمة حسب حوجتهم، على أن يتعهد المدين بسداد تلك الأموال وفوائدها والعمولات المستحقة عليها والمصاريف دفعة واحدة أو على أقساط في تواريخ محددة. ويتم تدعيم هذه العلاقة بتقديم مجموعة من الضمانات والرهونات التي تكفل للبنك استرداد أمواله في حال توقف العميل عن السداد بدون أية خسائر. وينطوي هذا المعنى، على ما يسمى بالتسهيلات الائتمانية ويحتوي على مفهوم الائتمان والسلفيات، حتى إنه يمكن أن يكتفى بأحد تلك المعاني للدلالة عليه من الناحية المهنية المصرفية.

من هذه التعريفات القانونية ومن الواقع الممارس في البنوك، تتمثل أهمية الائتمان في أنه أصبح ضرورة جوهرية للاقتصاد لأنه يقدم الدعم المالي ويمكن الشركات والتجار وأرباب الأعمال من مباشرة أعمالهم أو توسيعها عبر استخدام الأموال المقدمة لهم. ومن هذا وذاك تأتي زيادة انتاج رأس المال مع التطوير لكافة الأعمال التجارية والاستثمارية والخدمية. ويمكن تلخيص أهمية الائتمان المصرفي في عدة محاور منها مثلا، زيادة الإنتاج عبر أنشاء المشروعات الجديدة أو دعم وتطوير القائم منها وجميع هذه الخطوات في حاجة لأموال كثيرة تفوق الموارد الذاتية لهذه المشروعات وأصحابها. أو ربما، بسبب زيادة الرغبة في الاستهلاك لأن الائتمان المصرفي يمكن المستهلكين من الحصول على السلع الاستهلاكية وغيرها من السلع الضرورية وذلك بالرغم من عدم قدرتهم على دفع قيمتها وقتيا وفي الحاضر. أو بسبب توزيع الموارد المالية على مختلف الأنشطة الاقتصادية حيث يلعب الائتمان المصرفي دوراً هاماً في توزيع الموارد المالية المتاحة لدى الجهاز المصرفي لتأخذ دورتها في مختلف القطاعات التجارية والخدمية. أو بسبب تشغيل الموارد الاقتصادية المجمدة عن طريق الائتمان المصرفي حتي يمكن الاستفادة من الأموال المجمدة بالبنوك وتدويرها وذلك عن طريق تمويلات قصيرة الأجل. أو لتسهيل عملية التبادل التجاري باستخدام الاعتمادات المستندية “دوكيومنتراي كريدتس” والتي تمثل أحد أشكال التعامل في التجارة الخارجية، وعبرها يزدادا الائتمان المصرفي لتميزه بتوفير طريقة سهلة للدفع لتوفير وتمويل السلع والخدمات من وفي ربوع كل العالم.

وننتهز هذه السانحة لنذكر أن من الأهداف الأساسية للائتمان المصرفي توفير الخدمات المصرفية وفق الأسس السليمة التي تضمن سلامة وقوة ومتانة البنوك. من الجهة الأخرى، وفي نفس الوقت أيضا، فان من هذه الأهداف دعم الشركات المرتبطة بالائتمان المصرفي لتوجيهها للعمل وفق أسس مؤسسية تتماشي مع ضوابط حوكمة الشركات المتبعة. ومن هذا يقوم العمل في هذه الشركات على وضع أفضل الأسس والسياسات الخاصة بتمويل المخاطر والتأمين عليها، ورسم الخطة الشاملة والرامية إلى توفير أقصى حماية مالية لأصول وموجودات الشركة وبأقل كلفة ممكنة والإشراف على تنفيذ كافة الأحكام والإجراءات المنظمة لها بما يحقق الاستخدام الأمثل للميزانية المخصصة لتمويل المخاطر بشتى أنواعها. وكذلك، تطوير وتحديث الأنظمة المالية ووضع المعايير والأسس المحاسبية بمهنية عالية وبما يضمن تحقيق أقصى درجات المحافظة على مال الشركة. أو مواكبة تطوير الأنظمة المحاسبية وإصدار الحسابات الختامية والتقارير المالية على الأسس والمعايير المعتمدة دوليا بما يوفر أقصى درجات المرونة والدقة والسرعة. أو تحقيق رقابة حقيقية على كافة المصروفات والإيرادات والتسويات وإعداد التحاليل الخاصة بهــا مع تطبيق معايير رقابية تهدف للمحافظة على الأصول والموارد التابعة لإدارة نشاط مشاريع المجموعة المختلفة. ومن تحقيق هذه المتطلبات الهامة، نقول ان الائتمان المصرفي يخدم البنوك وكذلك يخدم الشركات المتعاملة معها. ومن هذا نقصد، ضبط المؤسسية والعمل المؤسسي في قطاع الشركات، التي تقوم “مجبرة” على تحسين وضعها و”شكلها” المؤسسي لتحصل على قبول البنوك وموافقتهم على التزاوج معها ومد يد العون لمستقبل زاهر يجمعهما معا.

ومن واقع الممارسة المصرفية المتعارف عليها في البنوك، نلاحظ وجود أنواع متعددة للائتمان المصرفي وهي بدورها تتشكل حسب نوع الاستثمار. وفي مجملها فإنها تنقسم الي الائتمان الاستهلاكي أو الائتمان الإنتاجي. والائتمان الاستهلاكي يسهل للشخص الحصول على المال اللازم للوفاء بحاجاته الاستهلاكية من مأكل أو مشرب أو صحة مقابل فائدة مترتبة على القرض أو وفق الضوابط المصرفية الأخرى. أما الائتمان الإنتاجي فهو عبارة عن المال الذي يقدم للتجار بقصد استخدامه في المشاريع التجارية أو الصناعية أو الزراعية أو المختلطة، وهذا يعود بالفائدة على المقرض والمقترض في آن واحد ووفق الضوابط المصرفية وتفاصيل العقود المبرمة بين الأطراف.

وفي جميع الأحوال ومن واقع اللوائح المصرفية والممارسة المصرفية السليمة السائدة يتم تصنف فترة الائتمان المصرفي، وذلك من حيث المدة (مدة القرض) كأن تكون قصيرة أو متوسطة أو طويلة وفق أحكام اللوائح المصرفية، وبموجب هذه المدة يتم احتساب الفائدة التي تزيد أو تنخفض وفق مدة القرض. ومن الأهمية القول بأنه لا بد من مراعاة الشفافية والوضوح فيما يتعلق بموضوع الفائدة وتحديدها وكيفية احتسابها، بل ان الممارسة المصرفية السليمة السائدة الآن تلزم البنوك ببذل كل الجهود لتوفير الافصاح الكافي مراعاة لتجنب الغرر والتدليس والاستعلاء والاكراه في عقود الائتمان المصرفية. اضافة لما تقدم، فهناك عدة معايير اضافية يتم انتهاجها خاصة عند النظر في منح الائتمان، ومن هذه المعايير تلك المرتبطة بالشخصية أي شخصية المقترض “نظرية الوجوه”، لأن العمل المصرفي أساسا يقوم علي المعرفة المرتبطة بالثقة الشخصية. وعلي البنوك مراعاة التعامل مع الشخصيات الموثوقة حتي لا تواجه الضرر والاعسار والتعثر والتلاعب باموال البنوك وعدم الأمانة. وهذه النقطة هامة لأن “الشخص” هو الأساس في التعامل المصرفي. ولذا لا بد من جمع كل المعلومات الأساسية عن الشخص وتقييم وضعه بصورة علمية منطقية بعيدا عن العواطف الشخصية والميول الذاتية، وهنا “مربط الفرس”، لأن التعامل مختلف.

ومن المعايير الهامة، ضرورة توفر القدرة والمقدرة علي تنفيذ البرنامج المتفق عليه، وكذلك القدرة والمقدرة في اعادة سداد المبلغ وفق الفترة المتفق عليها، وبهذه القدرة نضمن استمرار العمل المصرفي. وكذلك من المعايير توفر رأس المال لتلك الدرجة التي تمكن المقترض من تنفيذ كل التزاماته وأن لديه رأس المال الكافي لتغطية كل هذه الالتزامات حتي نهاية المشروع، والا فان المخاطر ستزيد للدرجة التي تضر بالبنك. وأيضا، من المعايير الهامة جدا، توفر ووجود الضمان الكافي الذي يضمن للبنك تغطية اعادة استرداد كل القرض والتزاماته. والضمانات عديدة منها الشخصية أو العينية أو المؤسسية كتلك التي تقدمها الشركة أو غيرها من الشركات أو المؤسسات المالية وحتى الحكومات ووكالاتها في بعض الحالات. والضمان “سكيورتي – كولاترال”، يجب أن يكون أمان قوي في يد البنك ويوفر الطمـأنينة الكافية للتعامل المصرفي، ويلزم الاطراف بالتمسك بضرورة الوفاء يوم الوفاء والا فالفقدان المبين والخسران للجميع.

وبالرغم من اتباع الممارسات السليمة عند منح الائتمان المصرفي، وبالرغم من انتهاج العديد من المعايير السليمة والسير وفقها وتطبيقها، الا ان هناك بعض الظروف الأخرى التي تنتج عنها بعض العوامل المؤثرة في اتخاذ القرار الائتماني ومن هذا مثلا نجد العوامل الخاصة بالعميل أو البنك أو الخاصة بالتسهيل الائتماني المعين. وفي نفس الوقت لا بد أيضا من مراعاة المتغيرات على الساحة الدولية كالاتجاه نحو تحرير التجارة الدولية في الخدمات المالية، الاتجاه الكامل نحو تكنولوجيا المعلومات، والاتجاه نحو اقتصاد السوق… خاصة وأن هذه الأمور ضرورية لمواكبة التطورات العملية.

ومراعاة كل هذا، يؤدي إلى ضرورة الاهتمام بالوظيفة الائتمانية للبنك على اعتبار أن المركز المالي له يتأثر بمتغيرات وعناصر كثيرة يجب أخذها في الحسبان انطلاقا من أن سلامة محفظة القروض يؤدي إلى تحقيق عوائد مرتفعة للبنك بأقل مستويات ممكنة من المخاطر المصاحبة لقرارات منح الائتمان. ولهذا نقول، ان الائتمان المصرفي من الخدمات المصرفية الهامة بل والضرورية لكنها محفوفة بالمخاطر العديدة والمتعددة. ومن أجل العمل علي تجنب أو تقليل آثار هذه المخاطر أو حسن ادارتها لا بد من الالمام بالقوانين واللوائح المصرفية اضافة للممارسات المصرفية السليمة، مع ضرورة التدريب المتواصل للعاملين بالبنوك لتنمية امكانياتهم بل ومواهبهم الفطرية للتعامل مع كل المستجدات أين ما طرأت ومتى ما ظهرت في أي شكل ولون. والعالم والعلم والانسان يتطور يوميا، ويجب على البنوك ملاحقتهم لتظل في مستوى المنافسة وتحقيق الريادة في العمل المصرفي لخدمة المجتمع.

وما ذكرناه أعلاه، من واقع التجربة العملية في البنوك ومما ظهر من العديد من الدراسات والبحوث العديدة، وهو يتضمن المنظور القانوني العام الذي يجب أخذه في الحسبان للوصول بالائتمان المصرفي لبر الأمان وبما يخدم الصناعة المصرفية وفي نفس الوقت يخدم المجتمع الذي تعيش فيه ومن أجله هذه الصناعة الهامة. العمل المصرفي مرتبط بالمتغيرات الداخلية والخارجية وهذا ينعكس على الائتمان المصرفي، مما يستوجب وضع اللوائح والأنظمة القانونية السليمة مع تطوير العقود المصرفية التي توفر الشفافية والثقة والأمان بين الأطراف المتعاقدة وهم أساس الائتمان المصرفي، محور العمل المصرفي المتجدد دائما.

المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب

المؤسس والمدير التنفيذي

ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.م البحرين \ دبي