اجراءات التحكيم والتنازل عن الحقوق

الخميس 23 فبراير 2023

Asia 728x90

يلعب التحكيم دورا كبيرا في تسوية المنازعات المختلفة، وفي هذا الخصوص، هناك مسئوليات كثيرة ملقاة على عاتق المحكم الفرد أو هيئة التحكيم أثناء ادارتهم للتحكيم. ويجب في جميع الأحوال التنبيه الي أن أطراف النزاع المعني قد لا يكونون مستوعبون تماما لحقيقة التحكيم وكنه التحكيم ومن ثم الاجراءات المرتبطة به طيلة فترة التحكيم حتي صدور القرار النهائي.

ما دعانا لهذا القول أننا لاحظنا أن بعض أطراف النزاع يبدو أنهم لا يفهمون أن التحكيم وكمنهج فانه يسير وفق قوانين ونظم وضوابط اجرائية، وبصورة مشابهة تقريبا  لسير الاجراءات أمام المحاكم القضائية. ولهذا، لا بد من لفت نظر الأطراف المتنازعة الي أنهم أمام جهة تعتبر في مقام محكمة  خاصة “التحكيم قضاء خاص”، ومنوط بها أن تنظر في تحقيق العدالة وهي تستمد قوتها أساسا من التفويض الذي منحه لها الأطراف وفق رغبتهم وارادتهم الحرة عند اختيارهم اللجوء للتحكيم كبديل لتسوية النزاع  الذي طرأ في ما بينهم، وأيضا، وفق الأحكام الواردة في قانون التحكيم.

لقد لاحظنا من واقع بعض القضايا أن الأطراف يتغيبون عن الجلسات دون تكليف أنفسهم اخطار هيئة التحكيم أو سكرتارية المركز، وبعضهم قد لا يفهم أن الغياب قد يضر بقضيته لأن الاجراءات قد تستمر في غيابه أو غياب وكيله، وتأتي بنتائج عكسية ضد مصالحه. وأذكر جيدا في احدي قضايا التحكيم قال أحد الأطراف هل من الضروري حضوري والمثول أمامكم تماما كما في المحاكم … هذا مثال من حالات كثيرة.

ما يهمنا التركيز عليه أن على المحكم الفرد أو هيئة التحكيم، وخاصة في الدول التي ما زالت ثقافة التحكيم فيها يانعة وفي مراحلها الأولية، لفت نظر الأطراف بصفة عامة الي بذل جهدهم وعنايتهم لتوضيح وطرح كل قضيتهم أمام التحكيم. وذلك بداية من عريضة الدعوي “المطالبة” التي يجب أن تتضمن كل ما يرونه من ضمن حقوقهم، وأن عدم ذكرهم لأي حق من حقوقهم في عريضة الدعوى يعتبر “تنازل” عن هذا الحق . والتنازل، أمر جائز في الحقوق والمطالبات المدنية.  

وكذلك نفس الأمر ينطبق على عريضة الدفاع أو الدعوي المتقابلة التي يتقدم بها المحتكم ضده “المدعي عليه”، فيجب عليه التطرق لكل ما أثير في عريضة الدعوي وعليه كذلك تضمين كل الحقوق التي يراها في الدعوي المتقابلة  “اذا كانت هناك رغبة في اقامة دعوي متقابلة” والا فان السهو عن أي حق يعتبر بمثابة  “تنازل” عن هذا الحق.

الأمر أكثر من هذا فان عدم اثارة أي اعتراض علي اختصاص المحكم أو هيئة التحكيم عند بداية اجراءات التحكيم، بالرغم من احتمال وجود عدم الاختصاص لأي سبب، يعتبر تنازلا عن هذا الحق القانوني وعليه لا يمكن طرح موضوع الاختصاص لاحقا أي بعد صدور الحكم  أو مقاربته، لأن عدم طرح الموضوع  في الوقت المحدد يعتبر تنازلا عن هذا الحق وهو حق هام وله أثر كبير في النتيجة النهائية.

أيضا اذا خالف المحكم أو هيئة التحكيم “شروط التحكيم” المتفق عليها أو خالف نظام التحكيم التابع لمركز التحكيم أو قانون التحكيم .. مثلا، تطبيق قانون مخالف غير القانون المحدد للتطبيق أو اختيار مكان مخالف أو لغة مخالفة أو أي مخالفة أخري لمهمة التحكيم أو للنظام، فان عدم الاعتراض على ما تم وفي حينه يعتبر “تنازل” عن الحق. وعليه، لا يجوز لاحقا الانتباه من هذه “الغفوة” والمطالبة بالحق لأن ما بدر عنه من سكوت سابق يعتبر تنازلا عن الحق، وكان عليه هو شخصيا التمسك بهذا الحق والاصرار علي تنفيذه والا فانه يعتبر قد أسقط هذا الحق وتنازل عنه. بالطبع، بعض هذه النقاط يجوز فيها الطعن بالنقض لقرار التحكيم، ولكن هذا اجراء آخر… لماذا ننتظره ونتجاوز الاجراء في حينه.  

هذه المسائل وبالرغم من أهميتها الا اننا لاحظنا أن معظم أطراف النزاع غير ملمين بتفاصيلها ولا يعلمون بمدي العواقب الوخيمة التي قد تترتب علي تصرفاتهم حيالها، والتي قد تتم في أغلب الأحوال بسبب “الجهل” النوعي وغالبا بحسن نية ومن دون قصد . لاحظت أن بعض هيئات التحكيم الحصيفة تتناول طرح هذه الأمور بصفة عامة في أول جلسة حيث تتم الاشارة الي الحرص في التعامل الحريص مع التحكيم وعدم التفريط في الحقوق القانونية العامة أو الخاصة، والا فان كل حق لا يثار سيتم صرف النظر عنه لأن صاحبه أسقطه وتنازل عنه. وهذا ايضا، هو الاجراء المتبع أمام المحاكم المدنية.

ولإزالة الجهالة، من الأفضل تضمين فقرة خاصة في قوانين التحكيم وكذلك في أنظمة كل مراكز التحكيم المؤسسي، تتناول الاشارة لهذه المواضيع لأهميتها. ومن المفيد أن يتم التوضيح في نصوص واضحة لجميع أطراف التحكيم مع التركيز على أن عدم التمسك باي حق أو اجراء مرتبط بالتحكيم يعتبر “تنازل” عن هذه الحق ولا يحق الرجوع له لاحقا لأن ما بدر عنه من تصرف يدل علي “التنازل” عن هذا الحق أو الاجراء. وهناك نصوص مشابهة، في قوانين الاجراءات المدنية، توضح أن عدم الاشارة والتمسك باي حقق يعتبر “تنازل” من صاحب الحق، ونحتاج لنفس الموقف بالنسبة للتحكيم.

هذا وربما تضيع حقوق بسبب أمور اجرائية بسيطة، أمام المحاكم أو التحكيم، ولكن اتباع الاجراءات أمر هام وواجب التنفيذ في حق الجميع، وطبعا، الجهل ليس بعذر. وما زال طريق التحكيم أمامنا طويلا، ولنعبر هذا الطريق بسلام وأمان تام، بحثا عن العدالة الناجزة، علينا الالمام بكل حقوقنا والحرص على ذكرها وتوضيحها، للمحكم الفرد أو هيئة التحكيم، في حينها حتي لا نفقدها.

المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب

المؤسس والمدير التنفيذي

ع \ شركة د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.م البحرين \ دبي