ابراء ذمة أعضاء مجلس ادارة الشركة

يلعب المساهمون دورا كبيرا في وضع الاستراتيجية العامة للشركة وتوجيه دفة البوصلة للوصول إلي كل ما يتطلع له ملاك الشركة. وهذه الأدوار الهامة غالبا تتم عبر اجتماعات الجمعية العمومية العادية وغير العادية للمساهمين والتي يحق لكل مساهم، ومهما كانت نسبة مساهمته، حضورها والمشاركة بفعالية في كل أجندتها المطروحة. وهنا بالطبع يختلف دور كل مساهم عن الآخر، فهناك المساهم المهتم الحذق وهناك العالم ببواطن الأمور، وفي نفس الوقت هناك المساهم غير المهتم السلبي والجاهل بالأمور. والكل يساهم بقدر إمكانياته الفكرية والذهنية والمادية. ويا “ريت” يرتفع كل المساهمون لقدر المسؤولية لتحقيق الفائدة للشركة ومساهميها وللمجتمع.

Asia 728x90

في خضم ممارسة المساهمون لأدوارهم المتعددة، هناك محطات فاصلة وهامة في تحديد مستقبل الشركة وكيفية وأسلوب إدارتها بصفة عامة لتحقيق الأهداف التي من أجلها تم إنشاء الشركة ومن ثم الحصول علي التراخيص اللازمة من الجهات الحكومية المختصة. ومن أهم القرارات المفصلية التي يباشرها المساهمون هو ذلك القرار الخاص ب “إبراء ذمة أعضاء مجلس إدارة الشركة من المسؤولية”. وهذا القرار، وبوجه خاص، يتم اتخاذه أثناء اجتماع الجمعية العمومية العادية للشركة والذي تتم دعوة جميع المساهمين للمشاركة فيه. وفي هذا الاجتماع الهام، ومن ضمن قرارات أخري، يتم اتخاذ القرار الذي يراه المساهمون فيما يتعلق تحديدا بإبراء ذمة أعضاء مجلس الإدارة. وبالتالي فهم لا يسألون من الناحية القانونية عما قاموا أو لم يقوموا به وذلك بموجب “شهادة البراءة”.

في اجتماع الجمعية العمومية العادية والذي يتم عادة في آخر السنة، ونحن الآن على مشارف نهاية 2021، تتم مناقشة أمور هامة عديدة تخص الشركة بما في ذلك الأداء العام لمجلس الإدارة والإدارة التنفيذية للشركة. وفي هذا الاجتماع الهام، يقوم رئيس مجلس الإدارة بتقديم التقرير السنوي الذي يشمل كشف حساب تفصيلي بكل مهام ونشاطات الشركة المنجزة خلال العام المعني. وعند عرض الكتاب وكشف الحساب وكل تفاصيل الحسابات المدققة، يحق للمساهمين إثارة أي نقاط أو استفسارات أو طلب تفاصيل معينة أو عرض مستندات خاصة أو أي نقطة يرون أهمية مناقشتها والرد والأخذ بخصوصها مع رئيس وأعضاء مجلس الإدارة أو الإدارة التنفيذية التي يجب أن تكون حاضرة بل وجاهزة بأركان حربها لهذا الاجتماع الهام.

لقد حضرت اجتماعات عديدة للجمعيات العمومية للعديد من الشركات الهامة، وهناك تباين كبير بين هذه الجمعية وتلك. وكذلك يوجد تباين بين مجلس إدارة أو رئيس مجلس إدارة وآخر. فهناك رئيس مجلس إدارة الشركة المقتدر العالم بدوره وحدود واجباته والواثق مما يقوم به، وهذا يتضح من سيل المعلومات التي يقدمها وتفاصيلها وتسلسلها ونتائجها الايجابية والسلبية، وفي كل هذا فهو حاضر الذهن والبديهة والأريحية ومرتاح النفس والبال لدرجة تمكنه من تقديم أفضل ما لديه للمساهمين ولكل الجهات الحكومية المختصة الحاضرة للاجتماع. ومن وجود مثل هذا الشخص “الرئيس القائد” على قمة الشركة تأتي الانجازات والنجاحات حيث يكون الشخص المناسب في المكان المناسب. وهناك العكس من هذا تماما، حيث تجد “رئيس مجلس إدارة الشركة” وهو لا يدري ما يجب عليه أن يدري به، ولا يدري ما تم ولماذا تم، ولا يدري كيف يتفاعل مع قاعدته من المساهمين والحضور، ويكون غير مرتب ومشتت البال والحال وغير جاهز لمعركة التفاصيل ويغرق “في شبر….”. وقطعا مثل هذا الشخص في الرئاسة دليل عدم النجاح أو الفشل في تحقيق المهام أو ربما لتحقيق مآرب غير معروفة… وهناك أمثلة أخرى تقع فيما بين هذا وذاك، وهذا واقع الحال.

ومن خلال مجريات الأمور خلال هذا الاجتماع وكذلك من واقع المعلومات الأخرى المتوفرة للمساهمين عبر عدة وسائل، ومن مجريات الأمور في خلال العام وما سبقه، وكذلك من المعلومات التراكمية المتوفرة عن أداء الشركة والدور الذي قام به مجلس إدارتها بصفة عامة أو بصفة خاصة في بعض الحالات. من خلال سيل كل هذه المعلومات المتوفرة، بموجب ضوابط حوكمة الشركات من شفافية وإفصاح وحدود تحمل المسئولية، يقوم المساهمون أثناء اجتماع الجمعية العمومية العادية باتخاذ القرار الذي يرونه مناسبا حيال إبراء ذمة مجلس إدارة الشركة من المسئؤولية أو العكس وذلك استنادا لأي سبب أو أسباب يرونها ويتم توضيح تفاصيلها وملابساتها خلال هذا الاجتماع. وبالطبع، فان لهذا القرار الذي يصدر تبعاته الإيجابية أو السلبية خاصة وأن عدم إبراء ذمة أعضاء مجلس إدارة الشركة من المسؤولية يعني فشلهم في تأدية واجباتهم ومهامهم المنوطة بهم وفق القانون أو النظام الأساسي للشركة أو تفويض الجمعية العمومية للمساهمين أو اللوائح المتنوعة. ولهذا الوضع تبعات خطيرة جمة منها القانونية والإدارية والمجتمعية والشخصية وغيره. بالطبع يجب على مجلس إدارة الشركة تحمل المسؤولية بكل ما تعني هذه الكلمة من معاني. والمسؤولية أو التعيين في مجلس الإدارة يعتبر تكليفا وليس تشريفا، كما يعتقد البعض ممن يجري خلف الجميع للحصول علي شرف و”بهرجة” عضوية مجلس الإدارة وهو قد لا يدري أنه “كرس من نار” وأنها مسؤولية جسيمة قد تؤدي بصاحبها إلي الاحتراق والهلاك وغياهب السجون والمتابعات القضائية والمجتمعية إلي ما لا نهاية، بل انه قد يفقد بعض الامتيازات المحسوسة بسبب عضويته تماشيا مع التعليمات الصادرة مثلا من البنك المركزي أو هيئة وإدارة سوق المال أو غيرهم من الجهات الرقابية. والآن ووفق التعليمات الصريحة لحوكمة الشركات، في مملكة البحرين مثلا وغيرها، يجب علي مجلس إدارة الشركة وخاصة رئيس المجلس الإلمام بدورهم تماما مع الحرص على تطوير منهجهم في الإلمام بهذا الدور الهام. بل إن تعليمات الحوكمة تطلب صراحة من رئيس مجلس الادارة العمل الجاد مع غيره من الكفاءات على تدريب وتأهيل كل الأعضاء للدرجة التي تمكنهم من القيام بمسؤولياتهم وفق المقتضى، وإلا فعليهم تحمل النتائج والتبعات. وهذا الترتيب الالزامي، حقا، يشمل كل أنواع الشركات المساهمة العامة أو المقفلة أو الشركات العائلية أو القابضة أو المشتركة.

وتحمل المسؤوليات يتطلب تنفيذ المهام وفق المعايير المطلوبة وأقلها الالتزام بتنفيذ كل ما يتطلبه معيار “الرجل العادي – ريسنبول مان” في الظروف العادية المماثلة، كل هذا مع ضرورة توفر حسن النية والدقة في الاهتمام بتنفيذ الواجبات المربوط بالإخلاص والنزاهة وعفة النفس والتجرد من الذات لصالح المجموعة، وأيضا مع الحرص علي القيام وتنفيذ كل ما هو واجب وضروري في ذلك الوقت مع الأخذ في الاعتبار بكل مصالح الشركة ومساهميها ومجتمعها والمرتبطين بها. كل هذه الأشياء، إضافة لغيرها من المعطيات، يتم أخذها في الاعتبار عند تقييم مدي المسؤولية الملقاة على عاتق أي فرد خاصة من تم منحهم الأمان والثقة باختيارهم “بصفتهم” في تمثيل جميع ملاك الشركة في عضوية مجلس إدارة الشركة. إذا توفر مجمل هذه المعايير، في العادة، سيتحقق نجاح المهمة وعليه يتم منح أعضاء مجلس الإدارة “صك البراءة والغفران”. وبالتالي، يصدر قرارا خاصا من الجمعية العمومية العادية للمساهمين بإبراء ذمة أعضاء مجلس الإدارة من المسؤولية، وبكلمات أخري “اذهبوا فانتم الطلقاء”، وربما يتم تجديد الثقة والتكليف لفترة أخري مع السخاء في العطاء والجزل… وفي تحقيق هذا يتم تتويج دور مجلس الإدارة والعرفان لهم والتقدير التام لكل لما تجشموه من صعاب في سبيل تحقيق وتنفيذ مسؤولياتهم. وهنا قمة التكريم لمجلس الإدارة ومن خلفهم كوادر الإدارة التنفيذية للشركة وكل الأيادي العاملة الساهرة، لكل ما قاموا به من أجل الشركة وجميع مساهميها وكل الجهات المرتبطة. ومن مثل هذا يهنأ الجميع وتتقدم المجتمعات وترتفع الدول.

على كل مساهم القيام بمسؤولياته أيضا، واقلها حضور الاجتماعات والمشاركة الفاعلة في هذه الاجتماعات وفي غيرها من المناسبات المختلفة التي تحتم عليه المشاركة وعدم التعامل بروح سلبية مع الشركة وإدارتها لأنه بمثل هذه المواقف يضر نفسه أولا لأنه صاحب المال والحق والقرار. وعلى كل مساهم، بذل الحرص التام والمجرد في تقييم أداء الشركة ومجلس إدارتها لأن في هذا “تقويم” لهم ودفعهم للمزيد من الانجاز وتحمل المسؤولية. وإذا تكاتف المساهمون في توجيه مجلس الإدارة التوجيه الصحيح ومحاسبته علي الهفوات والأخطاء المتعمدة وغيرها، وفق الضوابط القانونية والإدارية والمؤسسية، فان النتيجة الطبيعية لهذا تكون وضع الشركة في المجرى السليم. وبهذا يكون الجميع ساهم في تحمل مسؤولياته عن نفسه وعن رعيته. وهكذا تكتمل حلقات الدائرة ويشترك الجميع في تحمل المسؤولية بصفة تضامنية متكاملة، ومن هذا، لا يبحث أحد في آخر العام عن كبش فداء أو تصفية حسابات.

إن مسؤولية أعضاء مجلس الإدارة ضرورية وحتمية في جميع الأوقات وتحت كل الظروف وعليهم تحمل أوزارها بالرغم من أنها لا تأتي منفردة لأنها مرتبطة أيضا بمسؤولية المساهم الذي يحضر اجتماع الجمعية العمومية ويشارك سلبا أو إيجابا في قرار إبراء ذمة أعضاء مجلس الإدارة من المسؤولية.. ونختم بأن هذا القرار، بالموافقة أو الرفض، يوضح رأي المساهمون في أعضاء مجلس ادارة الشركة وما قاموا به من أعمال خلال فترة توليهم هذا المنصب الهام، ومدى نجاحهم أو فشلهم .. وليرتفع الجميع، كل عضو في مجلس الادارة وكل مساهم في الشركة، لتحمل دورهم بالكامل ردا للأمانة وتنفيذا للمسؤولية.. وهذا ممكن.

المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب

المؤسس والمدير التنفيذي

د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.م

البحرين \ دبي