أثر القانون في الصناعة المصرفية وقطاع الأعمال

الخميس 29 سبتمبر 2022

Asia 728x90

كلنا يذكر الأزمة الحادة التي تعرضت لها البنوك في أمريكا بسبب أزمة الضمانات العقارية مما أدى لانهيار شنيع في القطاعات المصرفية والمالية. وكرد فعل معاكس لهذه الانهيارات التي حدثت قبل أعوام قامت السلطات الرسمية بمبادرة من البيت الأبيض بتكثيف دراسة الأسباب والمبررات التي أدت إلي حدوث الانهيار وكيفية تلافي أسبابه في المستقبل والحد من آثاره والسيطرة عليها، وقام الرئيس أوباما بتوقيع ” قانون إصلاح وول ستريت وحماية المستهلك ” والمعروف جوازا باسم “قانون دود – فرانك” تخليدا لاسم الشخصين، كما جرت العادة في أمريكا، الذين عملا بحماس ليري هذا القانون النور. والغرض من إصدار هذا التشريع يتمثل في عدة نقاط، أهمها معايير جديدة للشفافية والإفصاح ومبدأ تحمل المسؤولية في الشركات المسجلة بالبورصات والبنوك وشركات التأمين، بغرض الحد من المخاطر الكبيرة التي تعصف بها ومن ثم بالنظام المالي الأمريكي مع العمل علي السيطرة علي هذه المخاطر. ومن دون شك، هذه أمور هامة جدا لهذه القطاعات الهامة وسيؤثر ايجابا عليها وعلى الحركة الاقتصادية والمصرفية.

والقانون  يوجه كل هذه المؤسسات المالية المعروفة صراحة لتحمل مسؤولياتها بنفسها بدلا من ترقب إنقاذ الحكومة، كما يجري الحال، مع توفير أسس المراقبة التنظيمية التي تضمن حماية المستهلك من الممارسات المصرفية والتأمينية الخاطئة. ومسعى القانون أن تعتمد الشركات علي نفسها عند الضيق وعدم ضخ أموال دافعي الضرائب أي عدم تقديم الدعم الحكومي وإلزام الشركات لتحمل نتائج أعمالها. وهذا تطور له أبعاده، إذا أخذنا في الاعتبار الأموال والحوافز التي ظلت الخزانة الأمريكية تدفعها لشركات الوول ستريت وأصحاب اللوبيات الخاسرة.

اتفقت العديد من الجهات المختصة أن قانون “دود – فرانك” قد يعتبر بداية جيدة في سعي الحكومة للوصول إلي طريق الاستقرار المالي واستقلاليته خاصة وأن القانون يتضمن تكوين مجلس أعلى من العديد من الوكالات الفدرالية، مع بعض الأعضاء المستقلين من مراقبي البنوك والبورصات والتأمين دون أن يكون لهم حق التصويت. والجهات المكونة للمجلس ذات اختصاص مباشر يمكنها من توجيه الأمور نحو ما يقود إلي الاستقرار المالي وتجنب المخاطر المحتملة. وهناك من يرى تطورا ايجابيا في هذا التشريع لأنه يتناول في بوتقة واحدة كل السلطات الفدرالية الخاصة بمجلس الاحتياطي الفدرالي وهيئة مراقبة أسواق المال وهيئة مراقبة التأمين وهيئة حماية المستهلك وهيئة ضمان الودائع وغيرهم من الهيئات الفدرالية المنظمة لقطاعات المال والاقتصاد والاستثمار حيث كان كل منها يعمل بمفرده في طريقه المحدد، وقد يكون بدون تنسيق مع بعضهم البعض بل تنافر.

وبحسب ما تبين فان وجود الشركات الكبيرة كان من المشاكل التي أدت للانهيارات، لأن هذه الشركات وصلت إلي قناعة بأنها “أكبر من الفشل” وفوق الجميع، ولذا فان القانون أتي بنظرة مختلفة تتضمن أحكاما للحد من سلطات الشركات المالية الكبيرة خاصة وأن هذه السلطات ساعدت أو قد تساعد في حدوث الخلل الذي قد يقود بدوره إلي الانهيارات. ويركز القانون على تحقيق حوكمة الشركات والإدارة الرشيدة الفعالة ومن ضمنها وضع أسس جديدة لتحديد رواتب ومزايا ومنح أعضاء مجالس الإدارة والإدارات التنفيذية العليا في الشركات.

لتحيق هذه التوجهات فهناك اشتراطات جديدة لا بد من التقيد بها، وفق القانون، فمثلا بالنسبة للبنوك وشركاتها المرتبطة تم تحديد طرق تقديم التقارير للجهات المختصة مع تقارير خاصة للكونغرس، وتحديد الحدود المطلوبة للتمويل والضمانات والإجراءات الإضافية للتصفية ومعالجة الإعسار. وبالنسبة لأسواق المال هناك ضوابط ومعايير جديدة لتسجيل شركات تقديم الاستشارات الاستثمارية وضوابط إنشاء الصناديق المختلفة وضوابط إدراج الشركات في البورصات ودعم وحماية المستثمرين في أسواق المال. أما بالنسبة للتأمين فهناك أحكاما جديدة لمراقبة الصناعة التأمينية في كل مراحلها مع إيجاد البدائل لتعريف الفراغ التنظيمي الذي قد تنجم عنه أو بسببه أزمات مالية، مع التركيز علي فتح نوافذ التأمين لكافة الفئات. ومن المهام الضرورية تقديم التوصيات المسبقة حول مكامن الخطر والمخاطر في التأمين ومراجعة كيفية إدارة تأمين الإرهاب بكافة أشكاله مع التنسيق بالنسبة لمسائل التأمين الدولية.

ولكن بالرغم من كل هذه النقاط الهادفة والمفيدة في قانون “دود-فرانك”، الا ان “الرئيس ترامب” لم يعجبه هذه القانون وانتقده عدة مرات أثناء فترة رئاسته وأجري عليه بعض التعديلات التي قد تؤثر على تحقيق المأمول وما يتطلع اليه المستهلك من قانون “دود-فرانك”. وقال “ترامب” صراحة أن أصدقائه أفادوه بأنهم لا يستطيعون التعامل بحرية مع القطاع المصرفي بسبب الشروط التي وضعها القانون، والذي بدأ ينجح في كبح المخاطر والسيطرة عليها وإعادة وضع خط سير القطار في طريقه لتقويم ما أعوج من سير أقوي اقتصاد في العالم؟

نقول، ان اصدار التشريعات القوية الهادفة لها أثر كبير في دعم وتوجيه القطاع المصرفي الحساس، وهذ يتطلب نكرانا للذات من أجل المصلحة العامة واستقرار الاقتصاد وحماية المستهلك. قانون “دود-فرانك” في نظرنا وضع اليد على الجرح وظهرت بعض آثاره الايجابية في السوق، وفي نفس الوقت، فان اتخاذ خطوات عكسية لوقف التشريعات المفيدة له أيضا آثار سلبية في السوق. ومن المفروض أن نضع القوانين الحديثة المتطورة التي تنظر بعين الجميع وتراعي المصلحة العامة بعيدا عن المزايدات السياسية أو التوجهات الذاتية التي تبحث عن مصالحها الشخصية على حساب الآخر. 

 ولتجنب الأزمات المالية والاقتصادية، فان دول العالم في حاجة الى اصدار ما يشبة قانون “دود-فرانك” ونحتاج إلي تطبيقه بنفس القوة والزخم في كل أرجاء المعمورة. وبالفعل، بدأت العديد من هيئات أسواق المال والبورصات والبنوك المركزية في العديد من دول العالم في دراسة إمكانية اصدار وتطبيق مثل هذا القانون للاستفادة من موجهاته الهامة لرفد الاقتصاد ودعمه. قطعا، للقانون أثر كبير ومباشر في تطوير الاقتصاد والمجتمع، وليقف العالم صفا واحدا لتقنين أعمال القطاع المصرفي والمالي بما يضمن مهنيته وسلامته وفائدة جميع الأطراف. القانون هو الفيصل.

المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب

المؤسس والمدير التنفيذي

شركة د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.م

البحرين \ دبي