الخميس 31 أغسطس 2023
العمل المصرفي مترابط مع بعضه البعض كوحدة واحدة وجل القوانين المصرفية تم اصدارها آخذين في الاعتبار الممارسات المصرفية السليمة المستمرة لفترة طويلة. ومن هنا يأتي ترابط العمل المصرفي في كل التعاملات المصرفية في كل العالم، ونجد هذا واضحا في العديد من العمليات المصرفية اليومية مثل أحكام التعامل بالأوراق التجارية من شيكات وكمبيالات وسندات أذنية وما شابه. وتوسعت الأعمال التجارية وشملت أطراف من عدة بلدان في عملية تجارية مصرفية واحدة، وهذا نجده كثيرا في تمويل البنوك لعمليات التجارة الدولية عابرة القارات.
وفي مجال تمويل التجارة الدولية، تحديدا، تلعب الأعراف الموحدة للأعتمادات المستندية دورا كبيرا لا يمكن تجاهله، والتعامل بهذه الأعراف الموحدة بدأ منذ منتصف القرن الماضي حتي وصلت الى نشرة الاصدار رقم (600) للأعراف الموحدة للاعتمادات المستندية، وهي المستخدمة الآن. وهذه الأعراف الموحدة تلتزم بها البنوك قاطبة في جميع العالم لتنفيذ رغبات العملاء من المستوردين والمصدرين، ولذا سميت الموحدة “يونيفايد”. وللعلم فان هذه الأعراف الموحدة ليست “قانون” بالمعني الحرفي، ولكنها تمثل مجموعة الأحكام المتفق عليها بعد الممارسة الطويلة، وبعد أن تمت صياغتها تتم الاشارة لها في العقود المبرمة بين البنوك والعملاء وغيرهم. ومن هنا يأتي الالتزام بها بقوة الاتفاق بين الأطراف المتعاقدة. وللعلم، هناك أعراف موحدة أخرى كثيرة تم اصدارها وتتعامل بها البنوك، ولكن لا يسعنا المجال لذكرها هنا.
ووفق نشرة الاصدار رقم (600)، نجد تعريفا واضحا يتناول العلاقة بين “الاعتمادات” المستندية من جهة و”العقود” المبرمة بين الأطراف المستوردة والمصدرة من الجهة الأخري. ومن هذا التعريف يتبين لنا أن خطاب الاعتماد بحكم طبيعته يعتبر عملية مستقلة تماما عن عقد البيع أو غيره من العقود التي قد يستند اليها. ومبدأ الاستقلال “اتونومي” هنا يجب التقيد به لأن التعامل يتم بناء على المستندات “الاعتمادات المستندية” فقط. وبناء على هذا فان البنوك، لا تعتبر باي حال معنية او ملزمة بالعقد التجاري المبرم بين الأطراف، لاستيراد وتصدير خردوات أو حديد مثلا، حتى لو تضمن الاعتماد أي إشارة بأي شكل إلى ذلك العقد. ومن هذا نقول، بأن تعهد البنك بالوفاء أو تعهده بالتداول أو تعهده بأداء أي التزام آخر بموجب خطاب الاعتماد لايكون خاضعاً لأي ادعاء او حجج من طالب الاصدار بسبب أو نتيجة عن علاقته بالبنك المصدر للاعتماد أو بالمستفيد. وبالتالي، لا يحق للمستفيد باي حال من الاحوال أن ينتفع من العلاقة التعاقدية القائمة بين البنك أو بين طالب الإصدار والبنك المصدر .
وكل هذا لأن خطاب الاعتماد “الاعتماد المستندي” ليس له علاقة بالعقد اطلاقا، لأنه مستقل عنه تماما كما ذكرنا لأنه غير مرتبط به بأي درجة. وتحقيقا لهذا الاستقلال، يجب على البنك المصدر للاعتماد عدم تشجيع أي محاولة قد تطرأ من قبل طالب الاصدار بان يضمن له البنك، كجزء مكمل للاعتماد، نسخاً من العقد المبرم أو عن الفاتورة المبدئية أو أي شيء مماثل من هذا القبيل.
ووفق الأحكام الواردة في الأعراف الموحدة للاعتمادات المستندية فان البنوك تتعامل بمستندات الاعتماد فقط، حسب ما هي مبينة ومذكورة في خطاب الاعتماد، وهي لا اتتعامل اطلاقا بالبضائع او الخدمات أو غير ذلك مما يمكن ان تتعلق بها المستندات. وانطلاقا من هذا، اذا كانت البضاعة موضوع الاعتماد لا تطابق المواصفات فان البنك غير مسؤول عن عدم المطابقة أو أي عيب آخر في البضاعة. وهذا بكل بساطة، لأن هذا الأمر خارج اختصاص البنك المتعلق بالاعتماد المستندي. وهذه هي القاعدة العامة الذهبية.
وبالنسبة لمضمون مستندات الاعتماد، هناك شروط يجب التقيد بها، ومنها ان يبين خطاب الاعتماد اسم البنك المتاح لديه الاعتماد او فيما اذا كان الاعتماد متاحا لدى اي بنك آخر، وأن الاعتماد المتاح لدى البنك المسمى يعني انه متاح ايضاً لدى البنك المصدر. وأيضا يجب ان يبين خطاب الاعتماد فيما إذا كان متاحاً بالاطلاع أو بالدفع الآجل أو بالقبول أو بالتداول، وفي كل من هذه الحالات هناك فروق كبيرة. كما يجب أن ينص الاعتماد على تاريخ الانتهاء للتقديم، وهنا، يعتبر تاريخ الانتهاء المذكور للوفاء أو للتداول هو تاريخ الانتهاء للتقديم، ويكون مكان البنك المتاح لديه الاعتماد هو مكان التقديم ويجب أن يتم التقديم من المستفيد أو بالنيابة عنه في أو قبل تاريخ الانتهاء. وهذه نقطة هامة ومفصلية لأن التقديم بعد تاريخ الانتهاء لا يلتفت اليه البنك وغير ملزم له.
ووفق الأعراف الموحدة للاعتمادات المستندية، يتعهد البنك المصدر بالوفاء شريطة أن تقدم المستندات المنصوص عليها الى البنك المسمى أو الى البنك المصدر. ويحب أن تكون المستندات المقدمة مطابقة للمستندات المبينة في خطاب الاعتماد، وهذه المطابقة نقطة هامة جدا. ويلتزم البنك المصدر للاعتماد بشكل غير قابل للنقض بالوفاء منذ وقت اصداره للاعتماد. وأيضا، يتعهد البنك المصدر للاعتماد بتغطية البنك المسمى الذي قام بالوفاء أو بتداول مطابق وأرسل المستندات الي البنك المصدر، ويعتبر تعهد البنك المصدر بتغطية البنك المسمى تعهدا مستقلا عن تعهد البنك المصدر للمستفيد.
وفي ايجاز، نقول أن، الأعراف الموحدة للاعتمادات المستندية تم صياغتها باحكام بعد تداول عميق بين الجهات الفنية المختصة مع مراعاة ملاحظات البنوك. بل نقول ان الصياغة تناولت كل التفاصيل المطلوبة لتغطية كل الاحتمالات المتوقعة وهنا تظهر خبرة وكفاءة من قام بالاعداد والصياغة. ومن المطلوب من البنوك عند اعداد العقود الخاصة بتمويل التحارة الخارجية، عبر الاعتمادات المستندية، الاطلاع بعمق على الأعراف الموحدة للاشارة للاحكام المطلوبة بكل دقة. وبالعدم، ربما تواجه البنوك وكذلك العملاء العديد من المعضلات التي كان من الممكن تجاوزها. وعليه ننصح البنوك والدوائر المختصة فيها باستيعاب وهضم وفهم نشرة الاصدار رقم (600) التي تتناول تفاصيل الأعراف الموحدة للاعتمادات المستندية الواجبة التطبيق بما تتطلبه كل حالة. وهذا العمل فني ويتطلب المهنية في التطبيق لتحقيق الفائدة. وكما نعلم، فان المحاكم ملئية بالمنازعات المتصلة بالاعتمادات المستندية، ودائما يكسب من قام بواجبه الفني السليم وفق الممارسات المصرفية السليمة. ولنكن كذلك.
المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب
المؤسس والمدير التنفيذي
ع \ شركة د. عبد القادر ورسمه للاستسارات ذ.م.م
البحرين \ دبي