
لخميس 29 يونيو 2023
اللجوء للتحكيم لحسم المنازعات أصبح أمرا واقعا ويلجأ له غالبية الأطراف. وذلك نظرا لسرعة الحسم والخصوصية والمهنية التي يتميز بها التحكيم. والمنازعات المصرفية بجميع أنواعها تحتاج للتحكيم. وانطلاقا من هذا، فان غرفة التجارة الدولية بباريس (أي سي سي)، ممثلة في لجانها الفنية المختلفة، تقوم بإصدار العديد من اللوائح والأنظمة الموحدة لتنظيم التجارة الدولية التي تتم عبر الخدمات المصرفية. ولتحقيق هذا الغرض أصدرت غرفة التجارة الدولية عدة لوائح تنظيمية هامة. نذكر منها، بدون حصر، القواعد الموحدة والممارسات المصرفية لتنظيم الاعتمادات المستندية (يو سي بي) وآخرها (يو سي بي 600)، والقواعد الموحدة لغرفة التجارة الدولية لإعادة الدفع بين البنوك للاعتمادات المستندية (يو آر آر)، والقواعد الموحدة لغرفة التجارة الدولية للتحصيل (يو آر سي)، والقواعد الموحدة لأحكام الضمانات المصرفية (يو آر دي جي)، والقواعد الموحدة لتوفير الخبرة لتسوية منازعات الاعتمادات المستندية (دوكدكس). وهذه القواعد الموحدة تبين أن الصناعة المصرفية واحدة في كل العالم، لأن القواعد المتبعة واحدة في كل البنوك. وهذه القواعد الفنية الموحدة، كما ذكرنا، يتم استخدامها في كل العالم ويتم تحديثها وتنقيحها، كلما دعي الأمر، لتتماشى مع تطور التجارة خاصة الدولية ومع الممارسات المصرفية لتجاوز ما يطرأ من عقبات أثناء التنفيذ. وهناك لجان فنية تعمل تحت مظلة غرفة التجارة الدولية بباريس لتلحق الزمن في كل ما يطرأ وكل ما يستجد أو كل ما يستصعب تطبيقه. وكل هذا النشاط المحموم لتوفير البيئة الفنية والتشريعية المناسبة لتطوير العمل وتأهيله لخدمة التجارة الدولية عبر المؤسسات المصرفية المتطورة.
إن ازدهار التجارة الدولية عبر القطاع المصرفي وعملياته المرتبطة بالعملاء والتجار يجد الرعاية القصوى من غرفة التجارة الدولية. ولهذا اهتمت هذه الغرفة اهتماما خاصا بوسائل تسوية المنازعات بشتى أشكالها، والتي من الطبيعي أن تطرأ من وقت لأخر بين الأطراف. ومن أجل هذا قامت غرفة التجارة الدولية بإنشاء “محكمة التحكيم الدولية” كبديل لتسوية المنازعات التجارية والمصرفية وغيرها من المنازعات. ولقد قامت “محكمة التحكيم الدولية” بانجاز أعمال كبيرة تم من خلالها التسوية الناجزة للمنازعات، وهذا شكل حافزا ودعما ملموسا للتجارة الدولية لأن توفير العدل يخلق الثقة ويوفر الطمأنينة في النفوس.
ولم تقف غرفة التجارة الدولية عند هذا الحد فقط، بل سارت في مشوار البحث المضني لتقديم المزيد من بدائل تسوية المنازعات التي تطرأ بخصوص العمليات المصرفية ومنها تلك المرتبطة بالاعتمادات المستندية بكل أشكالها، وذلك لخصوصية هذه المعاملات وأثرها في التجارة الدولية. وفي هذا الخضم وتحقيقا له، تم استحداث نظام غرفة التجارة الدولية لتقديم الخبرة الفنية لتسوية المنازعات المتعلقة بعمليات الاعتمادات المستندية، وبموجب هذا النظام تم إنشاء مركز الخبرة التابع لغرفة التجارة الدولية وهو مرتبط مباشرة بسكرتارية غرفة التحكيم الدولية. ان مركز “الخبرة” المعني يتكون من خبراء من القطاعات المصرفية والقانونية والمحاسبية وغيرهم من القطاعات الفنية ذات العلاقة، ويتم اختيار هؤلاء الخبراء بواسطة غرفة التجارة الدولية. وتتم إحالة منازعات الاعتمادات المستندية لمركز “الخبرة” للنظر وإصدار القرارات الفنية في كل نزاع. ووفق النظام يجوز لصاحب الدعوى “المدعي” تقديم طلبه لمركز الخبراء ومرفق المستندات والبيانات الضرورية وعلى الطرف الآخر “المدعى عليه” تقديم دفاعه متضمنا رأيه المشفوع بالمستندات والبيانات الضرورية لمركز الخبرة. مع العلم، أن القرار قد يصدر إذا لم يقدم المدعى عليه دفاعه ومستنداته خلال الفترة الزمنية المحددة له تحقيقا للعدالة الناجزة. ولذا يجب الحرص من جميع أطراف النزاع، والا قد يحدث ما لا يحمد عقباه.
وكما ذكرنا تتوفر بغرفة التجارة الدولية قوائم بكل الخبراء من الفئات الفنية المتخصصة والمؤهلة للنظر في مسائل الاعتمادات المستندية ومنازعاتها المختلفة الأوجه والمتشعبة المداخل. وفي هذا الخصوص، تقوم الغرفة باختيار 3 (ثلاثة) من قائمة الخبراء ممن تتوفر فيهم الكفاءة والخبرة الفنية الخاصة لدراسة وتقييم المنازعات وإصدار القرارات الفنية التي تراها. مع العلم، أن لجنة الخبراء بعد الانتهاء من عملها تقوم بتقديم رأيها الى “خبير خاص” يتم تعيينه بواسطة لجنة المصارف بغرفة التجارة الدولية، وذلك استنادا لما له من خبرة ومعرفة في مجال الاعتمادات المستندية والقرارت المنظمة لها. ويقوم “الخبير الخاص” بدور فني هام يتمثل في مراجعة القرار للتأكد من أنه يطابق أو لا يتعارض مع القواعد التنظيمية الخاصة بالاعتمادات المستندية الصادرة من غرفة التجارة الدولية.
عبر هذه الممارسة يتم نظر المنازعات المتعلقة بالاعتمادات المستندية في خلال فترة زمنية لا تتجاوز ثلاثة أشهر على أقصى حد، وفي هذا تطور كبير وكسب للزمن عصب التجارة، لأن عرض مثل هذه المنازعات للمحاكم يأخذ وقتا طويلا وفي الكثير من الحالات قد تكون القرارات القضائية لا تتوافق مع الممارسات المصرفية السليمة المتعارف عليها دوليا. ومن هذا يتبين أن صناعة التحكيم لها أفضال كثيرة في حسم المنازعات المصرفية الفنية مهما كانت صعبة، وفي أسرع وقت وفي منتهى السرية التي يتميز بها التحكيم ويعض عليها بالنواجذ، لأن القرار يصدر من أصحاب الخبرة الطويلة والعلم الكافي والمهنية المكتسبة. ومن هذا يتم تجاوز العديد من المشكلات الفنية اليومية التي قد تعترض مسار التجارة الدولية والممارسات المصرفية السليمة، وبهذا الوضع السليم، يستمر دولاب العمل التجاري لتغطية جميع متطلبات المجتمع والتاجر والمستهلك. وفي هذا مكسب كبير لغرفة التجارة الدولية بباريس، والمكسب الأكبر للقطاع المصرفي. إضافة لما أوضحنا أعلاه، فان من مميزات هذا النظام أن قراراته تعتبر “معيار مهني” وسط المهنة المصرفية و”بنش مارك” يتم الاسترشاد به ويتم إتباع القرارت بواسطة البنوك عند التعامل مع الاعتمادات المستندية. وبالطبع، فان هذه المرجعية الفنية تدعم تطور المهنة المصرفية الى حد كبير، وتقود أيضا في نفس الوقت الى انتهاج أفضل الممارسات المصرفية المتطورة من أجل تقديم أفضل الخدمات لصالح البنوك والعملاء من أفراد أو شركات أو دول.
وظلت غرفة التجارة الدولية تحرص وتدعو لاجتماعات ولقاءات عصف ذهني يتم فيها مناقشة كيفية دعم وتطوير هذا النظام، مع المناداة باللجوء إليه كلما تعثر الوضع أو تعذر لأن النظام يحمل في طياته الذخيرة الكافية من الأحكام والقرارات المطلوبة لحسم منازعات الاعتمادات المستندية المتعددة المشارب. وندعم هذا التوجه لأهميته وفاعليته لأنه الأجدي نظرأ للخبرة التراكمية الناجحة التي تم اكتسابها.
المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب
المؤسس والمدير التنفيذي
ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.م
البحرين \ دبي