الخميس 12 اكتوبر 2023
أصدرت الجمعية الدولية للمهندسين الاستشاريين “الفيديك” العديد من الكتب التي تنظم كافة أنواع عقود البناء و توابعها ومن بين هذه الكتب نجد الكتاب الأحمر (الطبعة الأولي 1999) وهو يتضمن شروط الفيديك العامة التي يجب توفرها في عقود المباني و كافة الأعمال الهندسية المرتبطة بها حسب التصميمات التي أعدها صاحب العمل. ومن هذه الشروط الالتزامات الخاصة بصاحب العمل والمهندس والمقاول والمتعاقدين من الباطن، وكيفية تنفيذهم لأدوارهم في العقد من استلام العمل حتى تكملة التنفيذ والتعديلات التي تتم خلال هذه الفترة وما يرتبط بالعقد من دفعيات وتأمين وخلافه.
الفقرة (20) من شروط الفيديك العامة الخاصة بعقود المباني والأعمال الهندسية المرتبطة بها حسب التصميمات التي أعدها صاحب العمل، تعتبر من أهم الشروط الخاصة بتنفيذ العقد. ووفق هذه الفقرة، إضافة للعقد المبرم بين الطرفين، فانه يجوز للمقاول المطالبة بزيادة مدة التنفيذ لأي مرحلة من مراحل العقد كما يجوز أيضا للمقاول المطالبة بأية مبالغ إضافية يري أنه يستحقها نظير القيام بتنفيذ العقد. هذا على المقاول تقديم طلباته بخصوص زيادة الفترة الزمنية أو المبالغ المستحقة في أسرع وقت للمهندس المتابع للمشروع نيابة عن صاحب العمل وعلى أقصي حد خلال (28) يوما وفي حالة الفشل في تقديم المطالبة خلال هذه الفترة فانه لا يستحق فترة زمنية إضافية أو دفع مبالغ إضافية وقانونا لا يعتبر صاحب العمل مسئولا تجاهها. وفي جميع الأحوال، يجب علي المقاول أن يقدم للمهندس كل ما يؤيد مطالبته الأولية أو مطالباته اللاحقة، ويجب على المهندس دراسة المطالبات واتخاذ ما يراه بخصوص مطالبات المقاول ويقرر بشأن زيادة المدة الزمنية أو زيادة الدفعيات.
ولكن قد تحدث خلافات مستعصية أو مزمنة بين المقاول والعاملين معه من جهة والمهندس والعاملين معه من الجهة الأخرى حول طبيعة المطالبات المقدمة وتفاصيلها، وهذا الأمر جائز ويحدث كثيرا لدرجة قد تعرض كل العمل للتأخير مما ينتج عنه الأضرار بمصالح كل الأطراف خاصة صاحب العمل. ولكن ما يميز عقود الفيديك الحرص على تسوية أية منازعات في أسرع وقت وبطريقة علمية مهنية من مختصين في المجال وذلك بالنص الصريح باللجوء الي هيئة معينة تسمي ” داب – مجلس تسوية النزاع” عند حدوث الخلافات المستعصية وكل ذلك حفاظا علي حقوق الأطراف وحماية للمشاريع الإنشائية من الانهيار أو التأخير الضار.
ولبدء إجراءات ” داب – مجلس تسوية النزاع” على الطرفين الاتفاق بخصوص تعيين المجلس للنظر في تسوية النزاع، هذا مع مراعاة أن يتم تعيين أعضاء هيئة مجلس تسوية النزاع وفق ما ورد في “ملاحق الشروط” حيث يوجد “ملحق خاص” بتسوية المنازعات عبر مجلس معين يسمي “داب – مجلس تسوية النزاع” ويتكون من فرد واحد أو ثلاثة أعضاء بحيث يقوم كل طرف بتعيين عضو ويتم الاتفاق فيما بينهما على تعيين العضو الثالث الذي يكون رئيسا للمجلس. هذا ويقوم الأطراف باختيار أعضاء المجلس وفق التفاصيل المذكورة في ملحق الشروط \ العطاء والعقد ممن لهم دراية كافية وخبرة بطبيعة النزاع وكذلك يحدد الأطراف، وفق التفاصيل المدونة في الملحق، كيفية عمل المجلس وكيفية تعيين كل عضو أو بديله عند الضرورة مع تحديد المستحقات المالية “الأتعاب” نظير الأعمال على أن يتحمل كل طرف (صاحب العمل والمقاول) نصف القيمة. هذا وإذا اتفق الأطراف علي إحالة النزاع لهذا المجلس فلا يجوز لأي منهما الاتصال أو التواصل مع أعضاء المجلس دون علم وموافقة الطرف الآخر، ولكن يجوز لأي طرف الكتابة للمجلس بأي مطالبة يراها خاصة بأي من تفاصيل تنفيذ العقد بصورة للطرف الآخر وهذا يعتبر مطالبة ويجب علي الطرف الآخر تقديم الرد المناسب لتمكين المجلس من اتخاذ القرار المناسب بعد الدراسة والاطلاع على المستندات وزيارة الموقع وخلافه، ويجب إصدار القرار خلال فترة لا تتجاوز 84 يوما.
مما يميز عقود الفيديك أن الملحق المشار إليه والمرفق مع الشروط يتضمن كل التفاصيل المتعلقة ب “داب – مجلس تسوية النزاع” فيما بين الأطراف والتزامات أعضاء المجلس ودورهم التفصيلي في تسوية النزاع، وكل هذا لتوفير بديل مناسب ومقبول وسريع لحسم أي نزاع يطرأ. وبهذا فان عقود الفيديك النموذجية تخطو خطوة واسعة جدا نحو توفير البيئة المناسبة لانجاز المشاريع وكل الأعمال الإنشائية بصورة تصل للمثالية ومقبولة للأطراف وتحقق طموحاتهم، وبالعدم فان هذه العقود توفر البديل المناسب لتسوية المنازعات عبر “داب – مجلس تسوية النزاع” الذي يقوم بأعماله وفق التفاصيل التي يتفق عليها الأطراف لضمان الانجاز بالطريقة المتفق عليها وفي خلال الفترة الزمنية المحددة.
هذا وإذا لم يوافق إي طرف علي قرار “داب – مجلس تسوية النزاع” واعترض، فعلى هذا الطرف وخلال فترة لا تتجاوز 28 يوما من تاريخ استلامه للقرار إفادة الطرف الآخر بعدم قبوله للقرار واعتراضه مع التوضيح الكامل لأسباب عدم قبول القرار والاعتراض. وفي مثل هذه الحالات التي يتبين فيها وجود خلافات في الرأي فان نظام الفيديك ينص على إمكانية قيام أحد الأطراف، أو الأطراف جميعا، باقتراح “تسوية ودية” للنزاع و هذا جائز وربما يحدث خاصة عندما تتوفر الرغبة بين الأطراف لتجاوز هذه الخلافات والترفع عنها. ولكن، لا بد من التوضيح أنه في حالة لم يتقدم أي طرف بعدم قبوله لقرار “داب – مجلس تسوية النزاع” واعتراضه في خلال الفترة المحددة للاعتراض ورفض القرار أي 28 يوما، فان هذا القرار يعتبر نهائيا ملزما لجميع الأطراف. و بهذا يكون دور “داب – مجلس تسوية النزاع” هاما وحيويا ومؤثرا في تسوية كافة المنازعات المتعلقة بالبناء والمباني والإنشاءات المرتبطة بها.
ولم تقف شروط الفيديك الخاصة بعقود المباني والأعمال الهندسية وفق التصميمات التي أعدها صاحب العمل (الكتاب الأحمر) عند هذا الحد بل ذهبت أكثر للميل الإضافي ونصت على أن للأطراف، إذا لم يصبح قرار “داب – مجلس تسوية النزاع” نهائيا ونافدا وأيضا بعد استنفاذ كل وسائل التسوية الودية فيما بينهما، الحق في اللجوء للتحكيم الدولي الذي يقوم بدوره وفق أحكام غرفة التجارة الدولية بباريس، وتتكون هيئة التحكيم من ثلاثة أعضاء من القوائم المسجلة بغرفة التجارة الدولية.
مما تقدم يتضح أن قواعد الفيديك وضعت تسلسلا لحسم منازعات الإنشاءات، بعيدا عن المحاكم، ويبدأ هذا التسلسل بقيام الأطراف بتكوين “داب” مجلس تسوية النزاع وإذا لم يتم الاتفاق على قراره فهناك فرصة متاحة للأطراف لتسوية النزاع وديا، وفي نهاية المطاف يجوز للأطراف اللجوء الي التحكيم الدولي وفق أحكام غرفة التجارة الدولية بباريس. ولقد استفاد الكثيرون من هذه البدائل المتعددة للتسوية الناجزة للمنازعات التي تحدث يوميا أثناء تنفيذ المشاريع الضخمة والمباني. ولو لا وجود هذه البدائل لتوقفت المشاريع العمرانية والإنشائية مما سيكون له انعكاسات غير حميدة على الأطراف وعلى كل المجتمع. ولذا فإننا ننصح الجميع للاستفادة من عقود الفيديك واستخدامها حتى تتوفر لهم البدائل القانونية المذكورة.
المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب
المؤسس والمدير التنفيذي
ع \ شركة د. عيد القادر ورسمه ذ.م.م البحرين \ دبي