الخميس 18 أبريل 2024
بصفة يومية يأتي لنا أشخاص بيدهم مستندات يبدو أنها صادرة من بنوك أو شركات تجارية أو بيوت استثمار، ويطلبون منا التأكد من مصداقية هذه المستندات ومدي صحتها. وفي الغالب الأعم من الأحوال، يتضح أن هذه المستندات وهمية وغير صحيحة أو مزورة، والغرض منها الاحتيال والغش بغية الحصول على أموال ثم يختفون بعد ذلك دون أثر لهم. والخطورة أن مثل هذه المستندات الوهمية “المضروبة” تجد الاهتمام والعناية ويسيل لها لعاب الكثير حتى من التجار ومن في شاكلتهم، وهنا منبع الخطر لأن الآخرون يسيرون خلفهم ويقولون أن هذه المستندات حصلنا عليها من التاجر الفلاني أو المستثمر العلاني. وهكذا تتسع الدائرة الوهمية يوميا.شخاصأشخاص أ
من ضمن هذه المستندات نجد عقود استثمار أو تقديم قروض بمبالغ كبيرة أو المشاركة في مشروع أو خطابات الضمان أو غير هذا وذاك…
وللأهمية سنتناول خطابات الضمان، التي تصدر اصلا من البنوك لأغراض معينة. وفي هذا الصدد، تلعب البنوك دورا كبيرا في دعم التجارة وتحريك الاقتصاد عبر الدعم المالي والتسهيلات البنكية التي تقدمها للزبائن، كل وفق حاجته ومتطلباته ووضعه. ومن ضمن التسهيلات الضرورية التي تقدمها البنوك للزبائن نجد خدمة “خطابات الضمان”، وبموجب ما يقدمه البنك يحصل الزبون على الضمان المطلوب وهذا هو المطلوب من الخطاب الضامن.
ولكن نظرا لأهمية خدمة تقديم خطابات الضمان، وللثقة التي يمنحها الجميع لهذه الخطابات البنكية ذات الصبغة المالية المضمونة، نجدد هناك من تسول له نفسه بالتلاعب في هذه الخطابات أو تزويرها أو تحويرها أو تعديلها أو غيره، وفي بعض الحالات اصدار خطابات ضمان وهمية غير صحيحة. ومثل هذه الممارسات الاجرامية، بكل أسف لا يتم اكتشافها الا مؤخرا وفي العديد من الحالات بعد فوات الأوان ووقوع “الفأس في الرأس” كما يقولون. ومن واقع التجربة اليومية، هناك حالات وقضايا متعددة كانت مؤلمة بالنسبة للبنوك و أو الزبائن، ويفر المجرم بما أخذ من غنيمة دون وجه حق. ولهذا الحذر ضروري بل أوجب الواجبات.
وللتقليل من حدوث مثل هذه الحالات الاجرامية السوداء ولتلافي حدوثها حتي لا تتكرر وحتى لا نلذغ منها ثانية، هناك ضوابط عديدة يتوجب اتباعها والانصياع التام لها وتطبيقها للدرجة التي تكبح جماح كل من يتلاعب بهذه الخطابات المصرفية المالية الهامة، ويقدم لها الحماية المطلوبة والصون من العابثين.
ومن ضمن الضوابط للسيطرة على الوضع السليم نجد مثلا، الأمر بعدم اصدار خطابات الضمان الا من الادارة الخاصة المعنية بهذه الخدمة. وهذه المركزية ستجعل الأمر محصورا في يد أشخاص معينيين لهم السلطة الضرورية باصدار واعتماد خطابات الضمان، ولسرعة الاجراءات على البنوك تزويد هذه الدائرة بالعدد الكافي من الموظفين المؤهلين. واضافة لهذا، نوجه البنوك بوضع نظام “رقابة داخلية” فعال وخاص بإصدار وبمراقبة خطابات الضمان، بما في ذلك الرقابة المزدوجة لمكافحة عمليات التزوير الداخلية.
ان الحرص على تحرير خطاب الضمان على وثائق خاصة باسم البنك له دور في التقليل من التزوير أو التلاعب، وهذا بالضرورة يتطلب أن تتمتع الوثائق الخاصة بخطابات الضمان بالعديد من السمات الأمنية العالية وهذا يشمل، العلامات الأمنية الخاصة غير القابلة للتزوير، استعمال الأحبار الخاصة، الأختام الإلكترونية، الحوافر النافرة للكتابة والتوقيع، إستخدام آلة الترميز، وضع أرقام متسلسلة ذات مرجعية خاصة، وضع إجراءات رقابية فعالة على المخزون الورقي حتى لا يتم تسريبه للاستخدام الاجرامي. واضافة لهذا، تضمين خطاب الضمان بيانات التواصل الخاصة بالبنك والدائرة المختصة كالهاتف والفاكس، وصندوق البريد، والبريد الالكتروني الخ، وكل هذا لتمكين الجهة المستفيدة من التواصل الفوري والتحقق من صحة بيانات خطاب الضمان.
في بعض الحالات، يظهر شك لدى المستفيد أو غيره ويحاول التواصل مع البنك لكن لا يجد أذنا صاغية. وهذه نقطة هامة في التقليل من التلاعب بهذه الخطابات خاصة وأن التجاوب الفوري مع طلبات الجهات المستفيدة المتعلقة بالتحقق من صحة خطابات الضمان المقدم لها يحب أن يكون متوفرا طول الوقت. وهنا لا بد من وضع الاجراءات الداخلية التي تحقق سرعة التجاوب مع مثل هذه الاتصالات والاستفسارات واتخاذ الاجراء اللازم في حينه.
من الضروري التوضيح بأن الجهة المستفيدة تكون هي الجهة المسؤولة عن متابعة خطاب الضمان والتحقق من بياناته في حينه وعلى البنك مصدر الخطاب الاحتفاظ في سجلاته بصورة طبق الأصل من خطابات الضمان الصادرة منه. وفي بعض الحالات، يتم إلغاء خطاب الضمان خلال فترة سريانه بناء على طلب رسمي يقدم للبنك من الجهة المستفيدة شريطة أن يرفق مع خطاب الالغاء أصل خطاب الضمان و أو كل التعديلات اللاحقة، ويستلمها البنك ثم يقرر بشأن الالغاء.
أن الإبلاغ عن وقوع الاحتيال والتلاعب والتزوير في خطابات الضمان، يجب أن يكون سريعا بل فوريا وعند العلم به. ويتم التواصل مع جهات التحقيق الرسمية لاتخاذ الاجراءات المطلوبة في مثل هذه الحالات. والسرعة ضرورية لحفظ الحقوق ومتابعة الاجراءات فور العلم حتى لا تختفي آثار الجريمة والمجرم. وعلي البنك تزويد الجهات المختصة بالتحقيق بكل المعلومات مع تقديم صورة من أصل الخطاب وكل المستندات الضرورية الأخرى كالخطاب المزور وكتابة تقرير فني لشرح الوقائع، وكذلك لا بد من افادة الجهات الرقابية بما حدث وبالخطوات التي اتخذها البنك.
ان مكافحة هذه الجريمة وغيرها من الجرائم من الأمور الهامة، وهنا نجد مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق البنوك، وغيرها من الجهات القانونية والأمنية المختصة، لمجابهة الجرائم الخاصة بخطابات الضمان الصادرة من البنوك. وهذه المسؤولية مستمرة وتتطلب الاستعداد والحذر على مدار الساعة وذلك حتى لا نقدم خدماتنا كلقمة سهلة البلع للمتربصين المجرمين. ويجب قفل الأبواب في وجههم وترتيب البيت من الداخل لتسير الأمور بسلاسة وفي أمن وأمان. وهذا دور عظيم لا يقوم به الا العظماء القائمبن بدورهم المهني والوطني.
المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب
المؤسس والمدير التنفيذي
ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات
البحرين \ دبي