دور المدراء التنفيذيين من خارج العائلة في الشركات العائلية

تلعب الشركات العائلية (فميلي كمبانيز) دورا كبيرا في دعم وتنمية اقتصاد الدول، خاصة وأنها تمارس العديد من المهام والواجبات التي تحتاج لها كل المجتمعات بصفة روتينية دائمة لا يمكن الاستغناء عنها، إضافة لمساهمتها بفعالية في توظيف أعداد كبيرة وتقديم فرص العمل لهم. وفي العادة، تبدأ الشركات العائلية بصورة متواضعة بمجهودات الآباء والأجداد الذين يحفرون في الصخر باياديهم ويستمرون في العمل حتى يتم توارثها جيلا عن جيل. وفي أثناء هذا المشوار قد تزدهر بعضها وتنمو وتحقق أعمالا جليلة وأرباحا كثيرة، وفي نفس الوقت، قد يسقط بعضها في الطريق ويضمحل وينتهي وتموت الفكرة … وتتعدد الأسباب والموت واحد.

Asia 728x90

جمعية الشركات العائلية في البحرين من الجمعيات النشيطة التي تعمل دون كلل في تطوير ودعم الشركات العائلية البحرينية. وفي هذا الخصوص تقوم الجمعية بعقد ندوات علمية يتحدث فيها رجال وسيدات أعمال وكذلك من الباحثين والأكاديميين وقبل فترة عقدت ندوة شاركنا فيها، تناولت دور المدراء التنفيذيين من خارج العائلة في إدارة الشركات العائلية ومدي أهمية ذلك في دعم هذه الشركات.

بالطبع هناك الكثير من أصحاب الشركات العائلية ممن يعتقدون ويجزمون بعدم أهمية الاستعانة بأي أشخاص من خارج العائلة فيما يتعلق بكل الأمور الخاصة بالشركة لأن هذا الأمر يخص العائلة فقط دون غيرها. إضافة إلي أن هناك من يشعر بأن الاستعانة بهذه الكفاءات “الخارجية” ربما يقود إلي التقليل من دورهم، وربما مع مرور الزمن الاستغناء عنهم أو ربما يؤدي إلي تهميش دورهم وإبعادهم عن بعض السلطات والصلاحيات التي ظلوا يحتكرونها طيلة عمر الشركة. وأيضا ربما يعتقد بعضهم أن للعائلة منهج خاص وعادات متوارثة وأسرار دفينة وأصول متجذرة برائحة دم وعرق الآباء وجيناتهم الوراثية (دي ان آ) مما يستوجب الحفاظ عليها كأولوية قصوى وأن إدخال “الغرباء” ربما يستبعد هذه الأولويات لعدم فهمها أو ربما لأنهم لا يستوعبونها لخصوصيتها الخاصة. فهناك عائلات مثلا، متخصصة في بعض الحرف اليدوية أو النسيج أو المأكولات أو الصناعات الصغيرة لفترة طويلة حتي ارتبط اسم العاءلة بهذه الحرف والأعمال (الخياط ، البناء، التاجر، ) وفي هذا سر نجاحها الذي لا يقبل المغامرة به، ولكن في نفس الوقت، للمنافسة شروطها وللتسويق أحكامه التي لا بد من مراعاتها للبقاء في السوق المفتوح للجميع.

إن مبادئ حوكمة الشركات، والتي أصبحت جزءا من القوانين والممارسات الأصيلة الواجبة التطبيق في دول الخليج، تنادي بأسس جديدة لحسن إدارة الشركات بشتى أنواعها. وهذه المبادئ تتضمن موجهات وأحكام جديدة متعلقة بالشركات العائلية، وهذا الأمر يتطلب تعيين كفاءات لإدارة الشركات العائلية لضمان استمرارها لعدة أجيال حتى لو أدي ذلك للاستعانة ب “الغرباء” ممن هم من خارج العائلة. والمبدأ هنا، وجود الكفاءات بغض النظر عن علاقة الدم العائلية أو المصاهرة، لأن الكفاءة هي المعيار السليم وليس درجة العلاقة الدموية حتى لو كانت من الدرجة الأولي أو الثانية من الأصول أو الفروع.

ومما تهدف إليه الحوكمة الفصل التام في الإدارة بين العلاقة الشخصية والعلاقة المهنية المؤسسية خاصة وأن توفر هذا الفصل يجعل التنفيذي الإداري ينظر بصورة بعيدة عن المصالح وتضاربها لتحقيق أهداف الشركة ككيان قائم بذاته. والمعيار هنا، هل الأولوية للشركة كمؤسسة قائمة بذاتها أم الأولوية تظل للعائلة أولا ودائما. وهذا الوضع قد يظهر في بعض القرارات مثلا، قضية الجندرة حيث يظهر استئثار الذكور بالهيمنة علي إدارة الشركة العائلية بالرغم من وجود الكفاءات الأنثوية المقتدرة إذا أتيح لها المجال. وهنا، وجود التنفيذي من خارج العائلة في قمة الهرم الإداري للشركة يعني وجود نظرة مختلفة بل ومستقلة عما يراه التنفيذي من داخل العائلة. والأمثلة التي تبين تضارب المصالح أو تناقضها كثيرة جدا ولا تحصى مما قد يتطلب وجود تفكير مستقل وبعيد عن المؤثرات العائلية.

إن موضوع التوارث (سكسشن) والانتقال من جيل لجيل يعتبر من أكبر المشاكل التي تواجه معظم الشركات العائلية وخاصة في دول الخليج والدول العربية وذلك لعدم وجود الرؤية الواضحة والخطط المسبقة لتنظيم هذا الموضوع أو للسكوت التام عنه. وفي رأينا فان هذا الموضوع يعتبر من النقاط الهامة التي تدعم وجود الكفاءات التنفيذية العليا من خارج العائلة لأن وجودها يساعد في الاستمرارية لحين تجاوز مرحلة التوارث والانتقال السلس أو لحين أعداد الكوادر الجديدة من العائلة لتسلق السلم في إدارة الشركة. وكل هذا يجب أن يتم في إطار الشفافية والإفصاح اللازمين كشروط أساسية من أحكام حوكمة الشركات.

إن نجاح دور التنفيذي من خارج العائلة لا يحتاج لقناعة أفراد العائلة فقط ونظرتهم الايجابية لمساعدة هذا الفرد لتحقيق مهمته بل يجب علي هذا الشخص القادم من الخارج انتهاج السبل الكفيلة بمساعدته لنفسه لتنفيذ دوره بنجاح. ومن هذه السبل مثلا، عليه التعمق في فهم التراث العائلي المرتبط بالشركة لدرجة تقمصه لهذا الدور، وهذا قطعا سيجعله قريبا من أفراد العائلة علي الأقل من الناحية الفكرية. ومع التشبع بهذا الدور عليه معرفة نقاط القوة التي يمكنه الاعتماد عليها مع ضرورة معرفة كيفية الاستفادة من هذه القوة، فمثلا قد يكون للأم أو الأخت الكبيرة مفعول السحر في الآخرين، أو كما يقولون ربما هي “من يعد الحساء المطبوخ” المحبوب لأفراد الأسرة. وهنا ربما يكون مناقشتها في الموضوع أمر هام لأخذ رأيها وربما اقناعها ومن ثم دفعها للتأثير علي الآخرين. بمثل هذه التصرفات الحكيمة يستطيع التنفيذي من خارج العائلة النجاح وإثبات نجاحه بطريقة لا تبدو بطعم أو بذوق أو برائحة مختلفة لأفراد العائلة.   

إن الشركات العائلية في كل العالم في تطور مستمر ونجدها تنظر في تجارب الآخرين الناجحة مع استقطاب كل من يمكن الاستفادة منه لضرورة تلاقح الأفكار المتنوعة وبلورة الرؤى بصورة مشتركة، ولهذا نجدها تفتح عقلها وقلبها للآخرين ووضع كرسي لمن تختارهم بعناية في مشاركة الطاولة العائلية وتكون الوجبة مشتركة يستفيد منها الجميع خاصة الشركة صاحبة الدعوة. واذكر هنا عند زيارتي لليابان، لاحظت أن معظم الشركات اليابانية التي غزت كل العالم هي شركات عائلية وهناك هم يقدسون العائلة. وحسب ما علمت، في فترة ما شعرت العائلة مالكة شركة “تايوتا” أنها بدأت تفقد بريقها، وأن هناك مهندس ياياني يمكنه أن ينقذ الوضع لكنه لا ينتمي لعائلة “تويوتا”، وقرروا تعيينه لادارة الشركة مع منحه حق الانتساب للعائلة. وهكذا تطوروا وحافظوا على “تويوتا” بضم عبقري للعائلة. وفي هذا، ينظر لهم بأنهم فكروا خارج الصندوق العائلي الياباني.

ومن دون شك، ان التلاقح مع الأفكار الخارجية يقوي من عود الشركة العائلية ويضيف لها دماء جديدة وأفكار نابغة ويمنحها المناعة اللازمة للوقوف في وجه المنافسة القاتلة. ولنستفيد من تجارب الآخرين ولننفتح علي من حولنا وعلي كل العالم لنأخذ بيد شركاتنا العائلية لبر الأمان، وفي هذا تأمين شامل لشركاتنا وتوفير لمستقبل أكثر أمانا للأجيال القادمة من الأحفاد. وبالقليل من بعد النظر والجرأة يمكننا تحقيق هذه التوجهات مع الاستعداد لصقلها أو تطويرها كلما دعي الحال لذلك. ولقد ساعدنا الكثير من الشركات العائلية في هذا المنحى، وهذا غيض من فيض.

د. عبد القادر ورسمه غالب

المؤسس والمدير التنفيذي

ع | د. عبد القادر ورسمه للاستشارات (ذ.م.م)

البحرين \ دبي