حوكمة الشركات ودور الشركة ومجلس الادارة
أصبح الالتزام بتطبيق مبادئ حوكمة الشركات أمر “واقع” وأمر “قانون” في نفس الوقت. وتتبارى الشركات الآن في كيفية تطبيق الحوكمة والمنافسة في ذلك التطبيق لتحقيق الأهداف العليا التي تتضمنها المبادئ العامة لحوكمة الشركات، وبما يتماشي مع الممارسات السليمة المستمرة الممتدة خلال السنوات السابقة. وظلت الجهات المختصة تحرص على تشجيع المنافسة من أجل تطبيق مبادئ الحوكمة، وذلك عبر عدة وسائل تشجيعية من ضمنها منح الجوائز والشهادات وخطابات التقدير للشركات التي حققت أشواطا اضافية في التطبيق والابداع في التطبيق وطرقه. ونلاحظ ، أن الشركة تحرص على الحصول على هذه الحوافر التشجيعية باعتبارها معيار عام لنجاحها وتقدمها في هذا الخصوص. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
يقوم مجلس ادارة الشركة، في العادة، ومن ضمن واجباته الاساسية بالاشراف الدقيق على تنفيذ مبادئ الحوكمة وفق الأحكام وبنفس الكيفية المضمنة في هذه المبادئ المعروفة والمدونة في اللوائح الخاصة بها. وعلى رئيس مجلس الادارة، بصفة خاصة، متابعة هذا الأمر والتأكد من تمام تنفيذه وحسن وسلامة تطبيقه. واضافة للمسؤولية العامة الملقاة على عاتق رئيس وأعضاء مجلس ادارة الشركة، هناك مسؤولية شخصية مباشرة تقع على كاهل كل عضو في مجلس الادارة ويجب عليه الحرص التام على القيام بهذه المسؤولية والا اعتبر مخالفا للمبادئ القانونية التي تنظم الحوكمة.
من ضمن المسئوليات الشخصية التي يجب على كل عضو من أعضاء مجلس الادارة الالتزام بالقيام بها نذكر، بعض الأمثلة ومنها، مسؤولية تنفيذ المهام وفق مبدأ “حسن النية – قوود فيث”، ومسؤولية تنفيذ المهام وفق مبدأ “واجب العناية – ديوتي أوف كير”، ومسؤولية تنفيذ المهام وفق مبدأ “الولاء للشركة – لويالتي تو ذا كمبني”، ومسؤولية تنفيذ المهام وفق مبدأ “توفر المقدرة المهنية – افيلأبلتي أوف تكنكال أبلتي” … وغيره من الأمثلة. وكل هذه المسؤوليات ملقاة علي عاتق كل عضو من أعضاء مجلس ادارة الشركة، ويجب عليه الالتزام التام بها وفق المعايير المطلوبة.
واضافة لهذا، هناك واجبات معينة تكون من اختصاص مجلس الادارة فقط نذكر منها، مثلا، تعيين المدير العام للشركة وكبار التنفيذيين وتحديد كل مهامهم وكل امتيازاتهم، اتخاذ القرارات الخاصة باستثمار رأس مال الشركة، شطب الديون المشكوك فيها أو المعدومة والعمل علي تحديد المخصصات المطلوبة لمقابلتها، اتخاذ القرارات بشأن الدعاوي والمنازعات القضائية، اصدار الأسهم والسندات، الاستلاف والاقتراض لصالح الشركة أو تقديم القروض، اجازة حسابات الشركة واعتمادها، القرارات الخاصة بتقديم البونص والامتيازات الأخرى للعاملين في الشركة.. وهذه بعض الأمثلة التي تبين مدى أهمية الدور الهام الملقي على كاهل مجلس الادارة كمجلس أو وحدة مؤسسية تم تعيينها
أو اختيارها وفق أحكام القانون ولوائحة التنفيذية.
وكقاعدة عامة، ولتمكين مجلس ادارة الشركة وكل عضو من أعضاء مجلس الادارة من القيام بدورهم المنشود، فهناك التزامات معينة يجب على الشركة توفيرها وذلك حتي يتمكن كل من مجلس ادارة الشركة، بصفته التكاملية الموحدة، وكذلك حتى يتمكن كل عضو في مجلس ادارة الشركة، بصفته الشخصية، من تنفيذ واجباتهما القانونية والمؤسسية. واذا لم تقم الشركة “كشخص قانوني اعتباري” بتوفير هذه الالتزامات، فربما لا يستطيع مجلس الادارة أو الأعضاء من القيام بدورهما على الوجه الأكمل. ولذا يجب على الشركة الحرص والالتزام التام بتنفيذ ما عليها من واجبات حتي يتمكن غيرها من تنفيذ دوره \ دورهم.
ومن ضمن الالتزامات التي يجب على الشركة توفيرها نذكر، كأمثلة، حق كل عضو في مجلس ادارة الشركة في تمكينه من الحصول علي الاستشارات الفنية الضرورية، وكلما لزم الأمر، وذلك حتى يتمكن من القيام بواجبه على الوجه الأكمل. وهذه الاستشارات الفنية قد تشمل الاستشارات القانونية أو المحاسبية أو الهندسية أو الادارية أو خلافه على حسب الحالة وكلما تطلب الأمر وتلتزم الشركة بلفت نظر الأعضاء لهذا الحق وأهميته وكذلك بتغطية كل التكاليف الضرورية.
في ظل الأعمال المتشعبة والمتداخلة، ذات الأبعاد الفنية المتشابكة، التي تقوم بها الشركات الآن فهناك ضرورة ماسة لأعضاء مجلس الادارة للالتقاء والتفاكر مع أصحاب الرأي والفكرة والخبرة حتى يتم الالمام بكل الجوانب الفنية وتنشيط الذهن ورفع المقدارت. ومن هذا التفاكر والتدارس يكون عضو مجلس الادارة في بينة من الأمر بكل جوانبه ويستطيع القيام بدوره بعد استيعاب التفاصيل الفنية الضرورية. واذا لم تقم الشركة بتوفير هذا الحق فإنها تعتبر مقصرة في القيام بدورها فيما يتعلق بعضو مجلس الادارة المعني. ولتحرص الشركات على مثل هذه اللقاءات التنويرية التوضيحية لما لها من فوائد عديدة تعود في نهاية الأمر لصالح الشركة.
ومن ضمن الالتزامات التي يجب علي الشركة توفيرها أيضا، منح عضو مجلس الادارة الحق في الاتصال المباشر مع سكرتير مجلس الادارة وكل العاملين بالسكرتارية وذلك لتمكين العضو من الاطلاع التام والمباشر على كل اللوائح والأنظمة الخاصة بالشركة وجميع أعمال مجلس الادارة واللجان المختلفة، خاصة وأن سكرتير مجلس الادارة هو من يمثل حلقة الوصل في ما بين مجلس الادارة والأعضاء من جهة والادارة التنفيذية للشركة من الجهة الأخرى. هذا ووفقا لمبادئ حوكمة الشركات فان اقالة أو فصل سكرتير مجلس الادارة تقع من ضمن اختصاصات مجلس الادارة وليس الادارة التنفيذية للشركة، وفي هذا منح المزيد من الاستقلالية والحياد لمنصب سكرتير مجلس الادارة، كما أنه يمنع التدخل غير المبرر من الادارة التنفبذية والتأثير عليه في تنفيذ واجباته لمجلس الادارة.
وكذلك من ضمن الالتزامات التي يجب علي الشركة توفيرها لتمكين عضو مجلس الادارة
من القيام بواجباته، توفير المناخ المطلوب لرئيس واعضاء مجلس الادارة للتواصل مع الادارة التنفيذية للشركة كلما تطلب الأمر ذلك، وفي هذا الخصوص يجب على الادارة التنفيذية تقديم كل التعاون المطلوب لتمكينهم من تنفيذ كل واجباتهم خاصة وأن التواصل مطلوب ويجب ألا يتم حصره خلال الاجتماعات الرسمية المحددة بل في أي وقت وكلما تطلب الأمر ذلك لتحقيق مصالح الشركة. ووفقا لمبادئ حوكمة الشركات فان مثل هذا التواصل يجب أن يتم عبر رئيس مجلس الادارة أو عبر لجنة التدقيق والمراجعة، وهذا من اجل التحكم في الاتصالات وبرمجتها بطريقة مؤسسية سليمة لا تؤثر على سير العمل التنفيذي الروتيني. وقد يكون من المفيد جدا، قيام رئيس مجلس الادارة بتحديد يوم في الأسبوع مثلا للاجتماع مع المدير التنفيذي للشركة للاحاطة بسير الأمور وتبادل الأفكار والتوجيهات الفورية.
ان تقدم ونجاح الشركات يقوم على عدة عوامل، أهمها حسن تعيين أو اختيار مجلس الادارة ولاحقا اختيار أنسب الأعضاء كرئيس لمجلس الادارة الذي يعتبر رأس الرمح في خط سير الشركة وتنفيذ خططها، وهذا يحتاج لمن يتقن هذا الدور بكفاءة. ومن ثم، بعد ذلك، قبام مجلس ادارة الشركة باختيار الرئيس التنفيذي وطاقمه من قمة الادارة التنفيذية من أشخاص تتوفر فيهم الكفاءة والنزاهة والولاء للشركة والعمل المؤسسي. ان حسن اختيار كل هذه الكوكبة، سيؤدي بدوره الى وجود كفاءات وقمم ادارية تتمكن من الوصول بالشركة لبر الأمان في تنسيق تام وتداخل مرن وفعال بين كل هذه الكفاءات لتحقيق مرامي الادارة الرشيدة.. وهكذا يتقدم عندنا العمل المؤسسي في الشركات وفق المبادئ الطموحة التي أتت بها الحوكمة لتحلق بالشركات لفائدة الجميع ويصبح الكل مستفيد.
المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب
المؤسس والرئيس التنفيذي
ع\ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.م
البحر ين \ دبي
