بدأت الجريمة مع بداية البشرية، حيث الخير والشر مع بعض حنبا الي حنب، وستستمر الجريمة ما حيينا وعلينا الحذر. وحسب قوانين الاجرام “كريمنولوجي” فان الجريمة تأخذ أشكالا متعددة وأنماطا متفرقة حتى تواصل مسيرتها لتحقيق الأهداف السوداء. الجريمة، قانونا، ارتكاب فعل جنائئ بسوء نية اجرامية مع اقتران السببية، وهذه الشروط يجب أن تتوفر لنقول أن هناك جريمة. والجرائم منها التقليدي ومنها غير التقليدي أي الحديث. والجرائم التقليدية معروفة للجميع عن ظهر قلب بالرغم من أن بعضها قد يصعب اثباته بما لا يدع مجالا للشك، والشك يفسر لصالح المتهم. هذا يحدث، لأن بعض الجرائم وبالرغم من أنها تقليدية الا أن الجريمة تتطور وتتمحور لتستمر مع بقاء الشر في الحياة. ولذا نجد أن أساليب القتل تنوعت وأساليب السرقة تعددت وأساليب الفساد تبدلت وأساليب الغش تلونت وهكذا. وعلى المجتمعات والأفراد، وانا وأنت منهم، التعامل مع هذه الافرازات بوعي ومسؤولية تامة للقضاء على الجريمة أو، على الأقل، للسيطرة أو للحد منها ومن آثارها السلبية.
وتطورت الحياة في شتى المناحي وتطورت أساليب العمل وفق هذا التطور. وصارت الحياة سهلة وسريعة بفضل التطور التقني الذي ملأ كل حياتنا. وفي هذا نعمة كبيرة على البشرية لتحقيق الاستفادة القصوي من الحياة الدنيا، ولكن هناك من يتربص لتحوير هذا التطور التقني الحديث والمفيد للبشرية لمسالك ضارة سوداء وبنية اجرامية بغرض اشباع ذاته الاجرامية. وكما قلنا، العالم يتطور وهذا التطور يقود معه الجريمة لمنافذ أخرى متطورة. ومن هذا، وبكل أسف، يظهر من يقلب النعمة الى نقمة، و”من يركب في القناة سنانا”.
وظهرت جرائم الياقات البيضاء “وايت كولارز كرايمز”، وهؤلاء مجرمون غير تقليديون، وهم متعلمون ومتخصصون وفنيون ومثقفون ونابهون وحاذقون وأذكياء، وكذلك هم في الغالب من علية القوم، لكنهم مجرمون في شكل انسان بريء وهذا أخطر أنواع المجرمون لانهم دائما في مأمن تام ولا يقعون في دائرة الشك لأنهم، ويا للحسرة، الشرفاء النبلاء نظيفي الأيادي سليمي الروح والقلب. ومع التطور التقني الذي ملأ دنيانا، فان الغالبية العظمي من فئة الياقات البيضاء، يرتكبون جرائمهم عبر وسائل التقنية الحديثة، لأنهم يعرفون هذه الوسائل ويتقنون استخدامها بكفاءة عالية متميزة، وهذه الفئة، تعتبر أميز وأخطر “مجرمو التقنية” ويرتكبون ال “سايبر كرايمز” الخطيرة المتناهية التعقيد.
كما ذكرنا، فهم المتخصصون الفنيون الحاذقون الفاهمون لما يقومون به، ولقد اتضح من العديد من الدراسات التحليلية، مجرمو التقنية ينتهجون أسلوب “تكتيك الهندسة الاجتماعية – سوشيال انجنيرنق” وهذا يدل على الذكاء الخارق واتقان اللعبة لتحقيق الهدف في المرمى. ولاصابة هدف هذا التكتيك الذكي، فانهم يتابعون الضحية، التي قد أكون أنا أو انت اوغيرنا من ضمنهم، وهذه المتابعة اللصيقة تستمر لفترة حتي يعرفون وضعك الاجتماعي وعلاقاتك الاجتماعية ونظرتك للمجتمع وماذا تحب وماذا تكره وأفضل الهوايات وكيفية التصرفات المالية والعائلية والعاطفية وهكذا وهكذا، وكل هذا يتمكنون من معرفته عبر تواصلك التقني اليومي المفتوح للجميع والذي يرصدونه باحكام ويقومون بتحليل شخصيتك ونمط حياتك ونفسياتك وتفكيرك وغيره.. وكما نعلم جميعا، فان استخدامنا للتواصل الاجتماعي يتم مجانا وهذا يدفعنا للمزيد من الاستخدام وبدون حدود. فهل سألت نفسك، لماذا هذا الكرم الحاتمي منهم عبر شركات الشوسيال ميديا؟ وكما قلنا متابعتهم دقيقة، حيث يرسلون لك تهنئة بعيد ميلادك الذي قد لا تذكره بنفسك لأي سبب، أو تهنئتك بمرور عدة سنوات على وظيفتك، أو ارسال صور قديمة لك مع الأسرة أو الأصدقاء أو في مناسبة عامة أو خاصة جدا قد تكون نسيتها. ومن هذا يتضح أنك “كرت” مكشوف وأن لديك “ملف” أو ملفات عندهم وما خقى أعظم.
ومن هذه الملفات، يتعاملون مع كل شخص حتى يطمئن قلبه لهم بل ويحبهم لأنهم يظهرون معه في بعض لحظاته السعيدة ويقدمون له التهانئ. وعندما يشعرون بالألفة وسهولة التواصل التقني الاجتماعي يقومون بارسال رسائل في ظاهرها عادية لكنها مبطنة بالشر، وعندما ترد عليها يتمكنون من التأكد من الباسورد وهكذا تنفتح أمامهم كل المعلومات الشخصية الخاصة بك. ومن هنا تبدأ الفكرة الاجرامية ويبدأون في تنفيذ اجرامهم دون أن تشعر. وهنا مكمن الخطر لأنهم معك في جيبك أو بالقرب منك وأنت لا تدري ولا تشعر بهم.
ومع كما يقولون “مصائب قوم عند قوم فوائد”، وقبل فترة ظهرت جائحة كورونا، واهتزت الأرض وفقدنا الكثير من الأحباب وهناك المرضي ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر. وبسبب كوفيد – 19 تعطلت الأعمال والنشاطات الاجتماعية ونسأل الله حماية الجميع من الجائحة البغيضة التي فرقت بيننا وبين الحياة الطبيعية الآمنة التي كنا نعيشها بعشق. والحمد لله، بدأت البشائر وتم اكتشاف اللقاحات المضادة، ويتسابق العلماء الأفذاذ والشركات والجامعات في البحوث وهناك من يقدمون الأموال والدعم المعنوي وهناك السياسات الحكومية وتوجيهات المنظمات الأممية، وهناك الأشخاص الذين يعملون في خفاء تام لانقاذ البشرية من الوحش كوفيد.
لكن، هناك من يسبحون عكس التيار ومن يصطادون في المياه العكرة بحثا عن الفوائد لأشخاصهم وليفنى العالم ولنستغل ظرف الجائحة لملأ جيوبنا، وليغرق العالم حتى نشبع. هؤلاء من فئة اجرام “الياقات البيضاء” من أصحاب المقدرات والخبرات العالية في التقنية الحديثة، ولكن بدلا من استخدام علمهم للوقوف مع العالم في مكافحة جائحة كوفيد، بدلا من هذا، اتخذوا طريقا آخر فيه الجشع والأنانية وحب الأنا، وقاموا بتوظيف علمهم وخبراتهم لمصلحتهم ولتستمر الجائحة حتي الشبع، ولكنهم لا يشبعون ويقولون هل من مزيد.
مجرمو التقنية والياقات البيضاء، اتضح جليا أنهم وقفوا عكس البشرية، وقاموا باستغلال الجائحة واستفادوا من أمخاخهم في وضع برامج معينة عن الجائحة وتنزيل دراسات واحصائيات ومعلومات مغرية للجميع خاصة والانسان هلوع وجزوع. وفي خضم هذا التكتيك وهندسة التواصل الاجتماعي، يطلبون من المتابع معلومات شخصية عنه وعن عمره وعمله وحالته الصحية وأنواع الأدوية وبرامجه المستقبلية وهكذا. وهناك من يتجاوب، وتجاوب معهم الملايين “من أرقى الأسر” كما يقولون. وعبر هذه الخدعة التقنية الماكرة، استطاع مجرمو التقنية كشف حسابات ومعلومات الملايين وتم سحب البيانات الشخصية وتفاصيلها وتم سحب الصور الخاصة والأموال من الحسابات البنكية وما خفي أعظم.. ومن فطن لهذا الاجرام كان الوقت متأخرا لأن الجريمة اكتملت ووقع الفأس في الرأس. ومازال هناك الكثير في سبات عميق ولا يعلمون ما يحدث بشأنهم من وراء ظهورهم. ويا للحسرة لأنهم سيفيقون بعد فوات الأوان وحيث لا ينفع الندم.
ولذا نكتب لنلفت النظر، ولنقول، بسبب الحروب هناك أثرياء حرب وبسبب المصائب هناك من يتصيد المصائب لفائدته، وليموت غيري. ونحذر الجميع، ونقول أن مجرم الياقات البيضاء وال “سايبر كريمنال” بدون ضمير وهم نراهم أمامنا جميلي المنظر حسني الملبس تعلو وجوههم ابتسامة لكنها تبطن غير ما تظهر. فلنحذرهم ولنحذر أنفسنا، وأول خطوة في هذا الطريق، عدم التعامل مع أي بريد الكتروني لا تعرفه وعدم الاحتفاظ به بل عليك شطبه فورا، وكذلك نرجوكم عدم تسهيل مهمة هذه الفئة المجرمة وذلك بعدم تحويل رسائلهم لغيرك وتكون مشارك في الجريمة. بل أقتل الرسالة عندك ولا تعطيها حياة جديدة بتوزيعها على الأحباب وأنت تسقيهم السم. وليس كل ما يكتب عن جائحة كوفيد وغيرها من المصائب من أجل المصلحة العامة بل قد يكون للضرر العام. يستغلون هلع البشر من الجائحة وبحثهم عن المخارج، ويكتبون لاستدراجك وانت في خضم هذا الظرف الطارئ تتعامل معهم بحسن نية ولكنهم يقدمون الطعم للصيد. فلنحذر..
المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب
المؤسس والمدير التنفيذي
ع | د. عبد القادر ورسمه للاسشارات البحرين | دبي