تتناول قوانين الشركات، بصفة عامة، الأحكام المنظمة لإدارة الشركات التجارية حيث توجد اللبنات الأولي لتوضيح العلاقة بين ملاك الأسهم من جهة ومجلس إدارة الشركة من الجهة الأخرى وكيفية ادارة الشركات المساهمة. وهذه العلاقة تظل مستمرة تحقيقا لمصلحة الشركة بالرغم من أنها قد لا تخلو من التجاوزات الطفيفة والشد والجذب بين الأطراف في بعض الأوقات. وهذا، قد يؤثر على نجاح الشركة ويعيق تقدمها. ومن الناحية الشكلية، تنص قوانين الشركات (وكذلك اللوائح التأسيسية الخاصة بالشركة) علي اجتماعات مبرمجة للمساهمين ولمجلس الإدارة. مع العلم أن الاجتماعات، سواء كانت الاجتماعات العادية أو فوق العادية، تناقش وتحدد وتقرر في المسائل المدرجة للنقاش في الاجتماع المعني. وتتضمن، التفاصيل الخاصة بالدعوة للاجتماعات، توفر النصاب القانوني لانعقاد الاجتماع، إدارة الاجتماع، إصدار القرارات، تقارير أعمال اللجان… وغير هذا من التفاصيل التي تشكل النطاق الإداري النمطي الذي تحدده قوانين الشركات لحسن تسيير وإدارة الشركة وفق الضوابط والأحكام القانونية. ولكن مع تطور الأنظمة الإدارية وتشعب أعمال الشركات والتزاماتها وتداخلها مع الأنظمة الأخرى وما قد ينجم عن ذلك من تقصير في الإدارة أو عدم تحقيق الأهداف المرجوة أو بعض منها، تبين أن أحكام قوانين الشركات غير كافية أو قد لا تؤدي الغرض المنشود لتحقيق الدرجة المطلوبة من الطموحات في حسن إدارة الشركة. ولهذا، ضمن أشياء أخري، تم استحداث مبادئ إدارية جديدة تتمثل في “مبادئ حوكمة الشركات” بغرض الوصول إلي الإدارة المثالية في الشركات عبر مبادئ الحوكمة الأساسية المتمثلة في الافصاح والشفافية والمسؤولية والمسائلة وخدمة اصحاب المصلحة والمساهمة المجتمعية وغيره.
ومن أهم ما يميز مبادئ حوكمة الشركات، وبصفة خاصة، النص على وجود مجلس إدارة لدية القدرة والعلم والتأهيل لإدارة الشركة، مع النص أيضا على ضرورة قيام كل عضو في مجلس الإدارة بدوره كاملا بصفته الفردية وفي نفس الوقت العمل مع بقية أعضاء مجلس الإدارة في تناغم تام يوضح توفر الروح الجماعية في إدارة الشركة، مع مراعاة أنه يجب علي رئيس المجلس العمل على تعزيز هذا الوضع مع توفير الإمكانيات لتنفيذه مع انتهاج بدائل جديدة للادارة عبر تشكيل لجان متخصصة من المجلس لكل منها دور محدد يصب في مصلحة ادارة الشركة. وأيضا، من مبادئ الحوكمة العمل علي تحقيق روح الانسجام بين مجلس الإدارة والمساهمين وتعزيز روح الوحدة بينهم لتحقيق المصلحة العليا لجميع الأطراف في الشركة وكل المجتمع.
ومن المعلوم للجميع أن مبادئ حوكمة الشركات أتت في غالبها من رحم قوانين الشركات التجارية، وهي مكملة لبعض جوانب النقص أو القصور أو عدم الوضوح الكافي في الأحكام الواردة في قانون الشركات. وهي تمثل تطورا طبيعيا للوصول لأقصي درجات الكفاءة في إدارة الشركات تحقيقا أو سعيا لتحقيق أعلى درجات الكمال في إدارة الشركات التجارية. ولكن وبالرغم من كل هذه التطورات التي تم وضعها في مبادئ حوكمة الشركات، إلا أننا نلاحظ وجود بعض الأحكام في قوانين الشركات تسير في الاتجاه المعاكس لهذه التوجهات لأنها لا تصب في مصلحة حوكمة الشركات وفلسفتها بل قد تهدمها وقد تفرغها من محتواها وكأننا نحرث في البحر. ولا بد من إعادة النظر في هذه الأحكام إذا أردنا لحوكمة الشركات البقاء المفيد للارتقاء بشركاتنا لتحلق عاليا مع بقية الشركات الرائدة في العالم.
كما أوضحنا فان مبادئ الحوكمة تنادي بضرورة وجود أعضاء فاعلين ومؤهلين ومقتدرين لتبوء عضوية مجلس الإدارة، ولكن هناك معوقات داخل قوانين الشركات في المنطقة قد تحول دون ذلك ونذكر منها، مثلا، أن أي مساهم يملك 10% أو أكثر من رأسمال الشركة يحق له أن يكون عضوا في مجلس إدارة الشركة، أو تعيين من يمثله في مجلس الإدارة وفق النسبة التي يملكها في رأس المال. وهذا بكل بساطة يعني أن من يملك المال قد يسيطر علي مجلس إدارة الشركة بغض النظر عن مؤهلاته أو مقدراته أو خبراته أو أمانته … بل يكفي أنه يملك الأموال الكافية للسيطرة علي رأسمال الشركة وبالتالي السيطرة علي مجلس الإدارة، وهكذا نضرب بالمبادئ التي ذكرناها في الحوكمة عرض الحائط لأن صاحب هذه الأموال الذي يمكنه القانون من عضوية مجلس الإدارة قد لا يملك أي مؤهلات تؤهله لإدارة متجر صغير أو مشروع متناهي الصغر ناهيك عن شركة كبيرة لها ما لها من حقوق وعليها ما عليها من التزامات تجاه أصحاب رأس المال من المساهمين الملاك وأصحاب المصلحة وكل المجتمع. وهناك نقطة أخري تتمثل في أن القانون يمنح الحق للمساهمين في عزل أي من أعضاء مجلس الإدارة وهذا العضو، ولسوء الطالع، قد يكون أكثر أعضاء المجلس مقدرة وكفاءة وأمانة والماما بالمتطلبات المطلوبة وفق المبادئ التي تنادي بها الحوكمة، وهذا قد يهدم بناء الحوكمة داخل الشركة ويضر بها ضررا بليغا. ونحن لا نطالب بالحد من الصلاحيات القانونية التي يمنحها القانون للمساهمين ولكن نطالب بمراعاة منح بعض الأفضلية، ولا نقول الحصانة، للأعضاء الملتزمين بتحقيق مبادئ الحوكمة ومنحهم الفرصة للاستمرار في المجلس كلما كان ذلك ممكنا لتحقيق الفائدة للشركة مع الحرص على الابتعاد من “شخصنة” الأمور بل نكران الذات لمصلحة الجميع.
نري أن هذه النقاط، وربما غيرها، تحتاج للدراسة واعادة النظر وذلك لتحقيق الانسجام المطلوب بين قوانين الشركات ومبادئ حوكمة الشركات من أجل تهيئة الساحة للوصول إلي المبتغي دون عوائق ظاهرة أو باطنة، ولنعمل ولنزيل هذه العوائق لنطبق ما نؤمن به ولخلق “المؤسسية” والريادة داخل شركاتنا…
المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب
المؤسس والمدير التنفيذي
ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات
البحرين \ دبي