يجتهد العاملون في التجارة والأعمال المتنوعة، بمختلف فئاتهم وتخصصاتهم، ويكدحون ليل نهار بحثا عن التميز وحيازة قصب السبق، كل في ميدانه، ولكل مجتهد نصيب. والمنافسة الشريفة في هذه المجالات تعود بالفائدة أولا للمجتهد نفسه وعبره تمتد لكل مجتمعه، ولننظر مثلا لأثر منتج “أبل” على “ستيف جوبز” وعلى كل العالم أو منتج “مايكروسوفت” و”بيل غيتس” وهكذا. ولضمان الحقوق التجارية الناتجة عن الاجتهاد البدني والفكري ولحمايتها من التغول، يقوم أصحابها بتسجيلها وفق الضوابط القانونية المتبعة. ومع تطور الأعمال وتشعبها وتفريخها عبر النوابغ، فان تسجيل العلامات التجارية أصبح أمرا هاما على المستويين المحلي والعالمي، وخاصة من الناحية القانونية.
ان من أهم فوائد تسجيل العلامات منح سياج الحماية القانونية للمنتج أو الخدمة الخاصة بك. ومن المعلوم، قد يكون هناك انتاج ذهني محدد من عدة أشخاص في وقت واحد، ولكن من يتقدم ويسجل أولا يحوز قصب السبق من الناحية القانونية ويحجب غيره. وفي خضم تسجبل العلامات التجارية بصورة علمية وعملية، تم انتهاج طريقة “التصنيف الدولي للسلع والخدمات لأغراض تسجيل العلامات”. وهذا التصنيف الدولي، أنشئ بمقتضى الاتفاق المبرم في “نيس” في 1957، وتبعته بعد ذلك عدة تعديلات في استوكهولم وجنيف.
أقامت البلدان الأطراف في اتفاق نيس، اتحاداً خاصاً في إطار “اتحاد باريس لحماية الملكية الصناعية”. وقد اعتمدت هذه البلدان تصنيف “نيس” وطبقته لأغراض تسجيل العلامات. ويلتزم كل بلد طرف في اتفاق نيس بتطبيق “تصنيف نيس فيما يخص تسجيل العلامات”، إما كتصنيف رئيسي أو تصنيف فرعي. والآن وفق الاجراء المتبع يتم إدراج “أرقام” أصناف التصنيف التي تنتمي إليها السلع أو الخدمات التي سجلت بشأنها العلامة، ويتم الادراج والتدوين في كل الوثائق والمنشورات الرسمية الخاصة بتسجيل العلامات. واتباع هذه الطريقة في تسجيل العلامات، أصبح لغة خاصة مثل لغة برايل (اذا جاز لنا المقارنة). وهذه اللغة بالأرقام معروفة للقائمين المختصين بهذه الأعمال. وفي هذا أيضا مساهمة كثيرة في تسهيل تسجيل العلامات التجارية محليا ودوليا.
ان استخدام “تصنيف نيس” له أهمية في تسجيل العلامات داخليا في البلدان الأطراف في اتفاق نيس، وأيضاً للتسجيل الدولي للعلامات لدى المنظمات الدولية الخاصة بأمر التسجيل. ومن المهم أن نقول أنه يطبق أيضاً في عدد من البلدان التي ليست طرفاً في اتفاق نيس. ومن الضروري أن نوضح أن تصنيف نيس أعتمد قائمة تحتوي (34) صنفاً وقائمة ابجدية بالسلع “قوودز”، ولاحقاً شمل (11) صنفاً تغطي الخدمات “سيرفيسز” وقائمة أبجدية بهذه الخدمات. وينص اتفاق نيس على إنشاء لجنة خبراء تضم جميع البلدان الأطراف في الاتفاق. وتتخذ لجنة الخبراء قرارات بشأن جميع التغييرات في التصنيف، لا سيما نقل السلع والخدمات بين مختلف الأصناف، وتحديث القائمة الأبجدية وإدخال الملاحظات الإيضاحية اللازمة. وهذا التجديد صفة مميزة، يمنح القائمة الحيوية والتجديد وفق المستجدات التي تتماشي مع حركة التجارة ذات الصفة المتقلبة غير الثابتة.
في تصنيف السلع والمنتجات “قوودز آند برودكتس” مثلا، نجد أول فئة هي الكيماويات المستخدمة في الصناعة والبحث العلمي والتصوير. فاذا كان ما يراد تسجيله يقع ضمن هذه الفئة، يتم تسجيله في الفئة (1)، واذا كان من المستحضرات الصيدلية والطبية والبيطرية وما شابه يتم تسجيله في الفئة (5). ومنتجات الغزل والخيوط المستخدمة في النسيج يتم تسجيلها في الفئة (23). أما بالنسبة لتسجيل الخدمات “سيرفيسز”، كخدمات التعليم والتدريب يتم تسجيلها في الفئة (41)، والخدمات الطبية والبيطرية والعناية الصحية والجمال وما شابه يتم تسجيلها في الفئة (44)، والخدمات القانونية وما شابهها من خدمات أخري تقدم تلبية لحاجة الأفراد يتم تسجيلها في الفئة (45). وهكذا فان هذا التصنيف، وكما ذكرنا، أتى بلغة معروفة للمختصين الذين يعرفون نوع وكنه السلع أو الخدمات بمجرد معرفة رقم الفئة. ومن هنا تأتي أهمية اتفاق نيس لأنه يمنح تسجيل العلامات التجارية الصفة الفئوية الفنية والتصنيف الدولي المعترف به. ومن واقع التجربة، وبالنسبة للقانوني الذي يرغب في تقديم خدمة تسجيل العلامات التجارية، عليه أن يراجع هذه الفئات والأرقام ويستذكرها، كما يراجع ويستذكر مواد قانون العقوبات مثلا. أي ننصحه بمعرفة أرقام الفئات، لأنها لغة المختصين بتسجيل العلامات التجارية، وذلك حتى يفهم لغتهم ومن عرف لغة قوم تعامل معهم بأمان وفهم، والعكس صحيح.
القانون يحمي العلامات التجارية وكل حقوق الملكية الفكرية الأخري من السرقة والتقليد وما شابه، نظرا لما تمثله هذه الأفعال من أعتداء على حقوق الآخرين ويلحق بهم الاضرار المادية والمعنوية. والعلامات التجارية يعرفها القانون بأنها، كل ما يميز المنتجات والسلع أو الخدمات عن غيرها، وهذا التمييز يشمل على وجه الخصوص الأسماء المتخذة شكلا مميزا، الإمضاءات، الكلمات، الحروف، الأرقام، الرسوم، الرموز، عناوين المحال، الدمغات، الأختام، الصور، النقوش البارزة، مجموعة الألوان التى تتخذ شكلا خاصا مميزا، وكذلك أى خليط من هذه العناصر إذا كانت تستخدم أو يراد أن تستخدم إما فى تمييز منتجات عمل صناعى، استغلال زراعى، استغلال للغابات أو لمستخرجات الأرض أو أية بضاعة، وإما للدلالة على مصدر المنتجات، أو البضائع، أو نوعها، أو مرتبتها، أو ضمانها، أو طريقة تحضيرها وإما للدلالة على تأدية خدمة من الخدمات. وبموجب تصنيف “نيس” المذكور أعلاه، تم وضع فئات معروفة بارقامها لكل سلعة أو خدمة. ويتم التسجيل للعلامات وفق الفئات المعروفة والرقم كما ذكرنا أعلاه.
وللمقارنة وبموجب أحكام القانون، هناك عدة حالات لا يجوز فيها التسجيل كعلامة تجارية أو كعنصر منها، وهي تشمل العلامات الخالية من أية صفة مميزة أو المكونة من علامات أو بيانات ليست إلا التسمية التى يطلقها العرف على المنتجات أو الرسم أو الصور العادية لها، العلامات المخلة بالنظام العام أو الآداب العامة، الشعارات العامة والأعلام وغيرها من الرموز الخاصة بالدولة أو الدول الأخرى أو المنظمات الإقليمية أو الدولية وكذلك أى تقليد لها، العلامات المطابقة أو المشابهة للرموز ذات الصبغة الدينية، رموز الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر أو غيرها من الرموز المشابهة وكذلك العلامات التى تكون تقليدا لها، صور الغير أو شعاراته ما لم يوافق على استعمالها، البيانات الخاصة بدرجات الشرف التى لا يثبت طالب التسجيل حصوله عليها، العلامات والمؤشرات الجغرافية التى من شأنها أن تضلل الجمهور أو تحدث لبسا لديه أو التى تتضمن بيانات كاذبة عن مصدر المنتجات من السلع أو الخدمات أو عن صفاته الأخرى، وكذلك العلامات التى تحتوى على بيان اسم تجارى وهمى مقلد أو مزور.
وعليه، يجوز تسجيل علامتك التجارية للحصول على الحماية القانونية واحتكار المنفعة لصالحك، ما لم تشملها الاستثناءات المذكورة في القانون. ان الحماية القانونية تعني عدم السماح لأي طرف ثالث باستخدام علامتك التجارية لمصلحته دون موافقتك الصريحة. ومثلا، اذا انتجت مواد صيدلانية وطبية لعلاج كوفيد -19، فعليك تسجيلها في السلع والمنتجات فئة (5) وهي الفئة المحددة لهذا النوع من المنتجات. وبالتسجيل تحوز الحماية لمنتجك وتتحصل على كل الفوائد القانونية والمادية والتجارية لهذا المنتج دون سواك. واذا رغبت شركة في الهند مثلا في انتاج هذا المنتج لا تستطيع القيام بذلك الا بعد الاتفاق معك على كل التفاصيل العلمية والتجارية والقانونية. ولهذا، وغيره، عليك التأكد من تسجيل علامتك والاصرار على ذلك وعدم قبول أي استثناء ما لم ينطبق تماما بدون لبس.
ونختم، بأن القانون هو الفيصل في علاقتك مع الجهات الرسمية المختصة بتسجيل العلامات التجارية وذلك من حيث القبول أو الرفض، وفي نهاية الأمر يجوز لك طرق باب المحاكم اذا لم توافق الجهات المختصة ورفضت تسجيل العلامة التجارية لأي سبب. وهناك أحكام قضائية واضحة وهناك ثروة قانونية عبر السوابق القضائية التي تم تطويرها واكتسابها عبر الزمن. وعليك المبادرة اليوم، قبل الغد، بتسجيل علامتك لتثبيت حقوقك القانونية والاستمتاع بريعها وثمرها.
المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب
المؤسس والمدير التنفيذي
ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات البحرين \ دبي