لتحقيق المزيد من التنمية الاقتصادية والتجارية والمجتمعية، اهتم البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي الأوربي ومجموعة العشرين وغير ذلك من المنظمات الدولية والتجمعات المالية بضرورة تحقيق الشمول المالي (فايننشال انكلوشن) الذي يتطلب منح المزيد من الاهتمام لكافة قطاعات المجتمع للمشاركة في الحصول علي الحد الأدنى من الخدمات المصرفية لكل فرد من المجتمع، مع تقديم عناية خاصة للفئات الفقيرة واصحاب المؤسسات الصغيرة والمتناهية الصغر. وهذا التوجه لا بد منه، خاصة وأن اشراك الجميع في ما يعرف ب “الشمول المالي” سيحقق فوائد جمة للجميع ولكل قطاعات المجتمع في الدولة ولما له من فوائد اقتصادية لا تحصى ولا تعد. والحمد لله، البنوك المركزية في الخليج أصدرت توجيهات في هذا الخصوص. ولكن، هناك حاجة لمتابعة التنفيذ.
لقد تبين من العديد من الدراسات الاقتصادية والاجتماعية، أن نسبة كبيرة من الأفراد تتجاوز 75% في المجتمعات الفقيرة لا تحصل علي الخدمات المصرفية الكافية، أو لا تتعامل عبر البنوك التي لا تعرف طريقها اعتقادا منها أن هذه الأماكن “نوادي خاصة” مخصصة لفئات معينة فقط وغير مسموح لغير “الأعضاء” بالدخول أو التطفل بالاقتراب. مع العلم، أن النسبة المذكورة تزيد كثيرا في دول العالم الأكثر فقرا. وهذا أمر غير مقبول، ونحن في هذا العصر المتطور المنفتح على بعضه لدرجة بعيدة في عالمنا الذي أصبح قرية صغيرة، ومثل هذا الوضع قطعا سيضر كثيرا بالعولمة والحركة الاقتصادية والتنمية المجتمعية التي يتطلع لها الجميع دون استثناء.
ان هذه النسبة الكبيرة من الأفراد والتي لا تتعامل مع البنوك ولا تعرفها، تعتبر “خارج التغطية” المصرفية وبالتالي فهي خارج مجال الشمول المالي. وفي هذا الأمر، كما ذكرنا، أضرارا اقتصادية ومالية ومصرفية عديدة لأن فتح الحسابات المصرفية ووضع كل الأموال في هذه الحسابات والتعامل عبرها سيمكن القطاع المصرفي من تجميع كل الأموال في يديه ومنها يتم تدوير هذه الأموال وصبها بعناية لتحريك التجارة والتنمية والاستثمارات المتعددة المتنوعة والتي تعود علي المجتمع بالخير والنماء. ولنملأ خزائن البنوك والابتعاد عن دفن الفلوس تحت البلاطة أو الجيوب المخفية.
ومن دون شك، فان الحركة الدائرية الدؤوبة في البنوك للأموال النقدية المكتنزة يستفيد منها جميع الأطراف في البلد خاصة وأنها تؤدي الي توفر الأموال في أيدي البنوك والمؤسسات المالية المرخصة لحسن استخدام وادارة هذه الموارد المالية وفق الأنظمة القانونية والاجراءات السليمة والممارسات المصرفية المتبعة وبما يضمن حقوق جميع الأطراف. وهكذا عبر تجميع أموالكم تتم خدمتكم وخدمة مجتمعكم حيث تتوفر الأموال لتفتح المصانع وتحصد المزارع وتنمي العقول بالعلم وتحفظ الاجسام من الأمراض مع المنافسة في توفير الخمات في كافة المجالات المطلوبة. وأموال البنوك تعم كل هذا وأكثر.
ومع المقارنة السريعة، نلاحظ أن البنوك متخمة بالأموال، لدرجة التشبع، في الدول التي يكون فيها وعيا بضرورة وضع الأموال وايداعها في البنوك والتعامل بالشيكات وبطاقات الائتمان والدفع الآلي…. وهذه البنوك المتخمة تكون دائما متمتعة بملاءة مالية عالية (فاينناشيال نيتورث) وبالتالي تستطيع وتتمكن من تلبية كل القروض الكبيرة والسندكيت لونز وتقديم كافة التسهيلات المالية لقيام المشاريع والعمران والتنمية في كل الأطراف، وهذا ما نراه شاهدا للعيان عندما نزور هذه الدول، ومن زرع حصد.. وبالطبع فان العكس يحدث عندما يقل أو ينعدم التعامل مع البنوك التي تصبح خاوية الوفاض قليلة الحيلة ولا تملك ما تقدمه وبالتالي نرى الجدب والتصحر والتعطل وتدني الخدمات. ومن هذا تأتي حسرة وغصة في نفوس البنوك والعامة، ولذا لا بد من التحرك الفاعل لتصحيح الأوضاع وهز المجتمعات النائمة. ومن هنا أتت الفكرة بضرورة الحرص علي تحقيق “الفاينناشيال انكلوشن أو الشمول المالي” وتطبيقه ليتم لم الشمل من أجل الفائدة المرجوة لجميع الأطراف. وهنا توجد مسؤولية مباشرة علي الدول ومسؤولية علي المجتمع وكذلك مسؤولية علي القائمين بأمر الصناعة المصرفية الحديثة والجهات الرقابية على القطاع المصرفي، ولا نقلل من مسؤوليتك الشخصية، نعم أنت، وفي نهاية الأمر ستجد نفسك مستفيدا وأقلها نمو ثقافة التوفير ومن ثم الابتعاد عن التبذبر.
وللأهمية، يجب الارتفاع لتحمل هذه المسؤولية والتصدي لها. وعلي الدولة وضع خطط قصيرة وطويلة المدي لدعم وتشجيع وتوطيد أرجل الشمول المالي ليسير في خطى سليمة ثابتة نحو الهدف في نهاية المشوار. وهذا يتمثل في أن تضع الدول اللوائح والاجراءات والضوابط التي تحفز التعامل مع البنوك بل والعمل قدر المستطاع علي حصر كل التعاملات المالية عبر منافذها. وهذا قد يتمثل، في تحويل كل المرتبات والمعاشات للبنوك وبهذا يكون لكل عامل حساب مصرفي يتعامل عبره، وكذلك تقديم الدفعيات المالية للمشروعات عبر البنوك فقط. وعلي أصحاب الشركات والنقابات والتجمعات العمالية والمؤسسات التجارية بكافة أحجامها تشجيع أفرادها للتعامل عبر البنوك والاصرار علي تمرير كل المعاملات المالية عبر الحسابات المصرفية فقط. وهكذا نخلق واقع جديد ونمهد لثقافة التعامل مع البنوك وكسر حواجز التعامل معها لأنها جزء منا.
وفي هذا الخصوص، علي البنوك تقديم التسهيلات لأقصي درجة ممكنة لتمكين الجميع من فتح الحسابات المصرفية بشتي أنواعها من جارية وتوفير واستثمار.. وكذلك تقديم الاغراءات لفتح هذه الحسابات والحرص علي التوفير لجني الفوائد العديدة والمغرية التي تقدمها البنوك لأصحاب الحسابات المصرفية والودائع المتعددة. خاصة وأن التعاملات المصرفية الالكترونية أخذت وضعها القانوني وأصبحت “واقع قانوني” و “واقع معاش”، وعبرها يتعامل الزبون مع البنك وهو جالس في بيته أو سيارته وفي أي زمان ومن أي مكان كان وفي منتهى الأمان.
وبالطبع، فان تجمع الأموال في يد البنوك ستعود بالفوائد العديدة علي المجتمع وأقلها سيرجع في مشاريع “مساهمة التنمية الاجتماعية والمجتمعية” التي تقدمها البنوك من أرباحها للمجتمع الذي ساهم في تحقيق هذه الأرباح. وهكذا “دائما” تدور الدوائر ويأتي الاحسان بالإحسان، وقول الحق “ما جزاء الاحسان الا الاحسان”.
وهناك ضرورة أيضا تستوجب قيام البنوك بتسهيل اجراءات التعامل معها وتبسيط وصول الخدمات المصرفية للجميع خاصة للفئات الفقيرة من الأفراد وللمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لأن التصاق هذه الفئات “المهمشة” بالبنوك سيقلب الموازين ويطفح الكيل وهذا سيحقق طفرة كبيرة نحو الوصول لطريق “الشمول المالي” الذي ستشمل فائدته جميع الأطراف بدون فرز أو اقصاء.
ان التعامل مع البنوك الآن لم يعد ترفا لعضوية خاصة تقول وتفتخر “عندي حسابات في البنوك”، وانما أصبح ضرورة ماسة تتطلبها الظروف الحالية. والآن مع الطفرة التقنية فان في يد كل شخص في المدن والبوادي والقري والسهول جهاز تلفون. والكثير منهم يستعمل هذا الجهاز في تحويل “رصيد” ليتمكن من الاتصال التلفوني، وهذا الاجراء من الناحية الفنية المحضة يعتبر عملا مصرفيا، لأن هناك طرف يحول رصيد أموال لطرف آخر عبر الحسابات. وعلي البنوك الاستفادة من هذا الوضع السائد والمتداول بين العامة والبدء في تقديم الخدمات المصرفية عبر التلفون الموجود في كل يد في كل ركن في كل وقت. ولقد استفادت دول كثيرة وعملت علي توسيع المعاملات المصرفية عبر جهاز التلفون. وأذكر، في زيارة لبنغلاديش قال لنا محافظ البنك المركزي أن الخدمات المصرفية التقنية عبر التلفون قلبت موازين التجارة والاقتصاد وكل الأعمال في بنغلاديش حيث استطاع الفقراء عبر تعاملاتهم المصرفية بالتلفون وضع كل أموالهم في البنوك. ونحتاج لمثل هذه الجراءة في كل مكان مع وضع الضوابط القانونية الحمائية لضمان التدفقات المالية من كل حدب وصوب في أمان تام.
ان تسهيل تعامل الجميع مع البنوك والعمل علي تسيير وتحويل الاموال عبر منافذها، سيحقق طفرة الشمول المالي الذي سيعود بدوره بفوائد عديدة علي التنمية الاقتصادية والتنمية المجتمعية المتحضرة. ولكن هذا يحتاج لتضافر الجميع وخاصة الجهات الرسمية في الدولة التي يجب عليها قيادة الصفوف لتحقيق الشمول المالي. وعليك أنت شخصيا أيضا الحرص، على التوقف عن استخدام النقود “الكاش” وجعل كل معاملاتك عبر البنوك وأموال البطاقات البلاستيكية المتوفرة بكل الألوان والفئات، وفي هذا أمان لك ولأموالك وخدمة لبلدك. في بريطانيا، وباقتراح من وزير المالية والخزانة، يدرسون تجريم ومعاقبة من يستخدم النقود الكاش في العديد من التعاملات اليومية وكل هذا لتحفيز بل أمر الجميع لوضع كل الأموال في البنوك، أي في مكانها الصحيح، كما يقولون. ونتفق معهم بدون تحفظ.
المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب
المؤسس والمدير التنفيذي
ع | د. عبد القادر ورسمه للاستشارات
البحرين \ دبي