
الخميس 23 نوفمبر 2023
تناولنا قبل فترة دور البنوك التجارية الهام بالنسبة لنشاط خطابات الاعتماد وأثر ذلك في دعم وتطوير التجارة الخاجية والبينية. وأوضحنا حاجة الزبائن الماسة لهذه الخدمة المصرفية الهامة، مع تبيان شروط اصدار خطابات الاعتماد والقواعد الموحدة المرتبطة بها التي تصدرها غرفة التجارة الدولية بباريس. والبنوك التجارية في كل ربوع العالم تسير وفق هذه القواعد الموحدة وتلتزم بها، وهذا ينطبق أيضا على الزبائن بنفس الدرجة والأهمية. وفي سياق تنفيذ دورها في خطابات الإعتماد تقوم البنوك التجارية بالعديد من الإجراءات وفق تعليمات العملاء أو وفق ما تقتضيه الأحكام المنظمة للعمليات المرتبطة بخطابات الإعتماد.
ومن الأدوار الهامة والمكملة، في هذا الخصوص، ما تقوم به البنوك من تجديد أو تعديل خطابات الإعتماد بصفة يومية وذلك يتم على حسب طلب الزبائن أو مقتضيات الحال. ونظرا للضرورة والحاجة، تم وضع شروط خاصة بتجديد وتعديل خطابات الاعتماد.
ومن الأسباب التي تستوجب تجديد أو تعديل خطاب الإعتماد، مثلا، أن يتعذر على المصدر (exporter) بالخارج شحن البضاعة لأسباب متعددة كضيق الوقت للشحن أو إرتفاع الأسعار لأي سبب كان أو نفاذ الكمية أو الصنف أو العينة المطلوبة أو عدم توفر الكمية بالقدر المطلوب أو الإختلاف في طريقة التعبئة أو التغليف أو إختلاف المقاسات أو الأحجام أو الألوان … ألخ. واذا جاز لنا نقول، تتعدد الأسباب والهدف واحد.
وفي مثل هذه الحالات، في العادة، يطلب أو يتم تعديل خطاب الإعتماد من أجل تمكين المصدر في الخارج من شحن البضاعة وذلك وفق ما يتم الإتفاق عليه مع المستورد (importer or his agent) أو وكيله. وهذا الوضع يحدث كثيرا لعدة أسباب تتعلق بالبضاعة المطلوبة أو كمياتها أو صنفها أو لونها أو طعمها أو غير ذلك من الأسباب التي تستدعي التعديل أو تجديد بعض الشروط المذكورة في الخطاب. ومتطلبات وظروف التجارة العالمية دائما متطلبات متغيرة متبدلة وفي حالة غير ثابتة.
وهذا التعديل، لخطاب الاعتماد، في حقيقة الأمر يتم وفق الأحكام الموحدة والنشرات المنظمة لخطابات الإعتماد والتي تتضمن قدرا كافيا من المرونة لكي تتمكن من مقابلة ما يستجد من كل التطورات المفاجئة في التجارة الدولية و”كل مطباتها الكبيرة والصغيرة” وبما يحقق طموحات التجار من المصدرين والمستوردين وحاجة المستهلكين.
من الناحية الشكلية، فإن أي تعديل لخطاب الإعتماد يجب أن يتم فقط بموجب ووفق خطاب صادر من الزبون ويحمل التوقيع المعتمد وغير ذلك من المتطلبات الشكلية الأخرى. فإذا كان التعديل مثلا يتعلق بزيادة المبلغ “مبلغ البضاعة” ولم يتم تعديل المدة أي “فترة التسليم”، وبقيت كما هي فهنا يجب إحتساب الزيادة في التامين النقدي وكذلك الزيادة في العمولة والزيادة في الحسابات النظامية لتتناسب مع الوضع الجديد للإعتماد الذي طرأ نظير التعديل المطلوب من العميل المستورد.
ومن واقع التجارب العملية العديدة فهناك بعض المسائل الهامة جدا التي يجب على موظف البنك مراعاتها والإلمام بها وإلا تعرضت العملية لبعض الصعوبات أو الفشل مما يلقي بظلاله على سمعة البنك ومدى حرصه في تنفيذ واجباته بكل كفاءة فنية ومهنية. وفي هذا السياق نقول أنه يجب على الموظف الذي يجري التعديلات أن يعي تماما وأن يستوعب مردود هذه التعديلات “المطلوبة” على باقي شروط الإعتماد، فمثلا لو تم فتح الإعتماد فوب (FOB) أو فاس (FAS) وعدل إلي سي أف آر (CFR) فان هذا يتطلب أو يستلزم عدة نقاط هامة منها مثلا، زيادة مبلغ الإعتماد بقيمة أجور الشحن (النولون)، ويجب تعديل شروط الإعتماد ليصبح هذا الإعتماد سي أف آر (CFR) بدلا من فوب (FOB)، ويجب تعديل شروط بوليصة الشحن لتصبح أجور الشحن مدفوعة مقدما بدلا من دفعها عند الوصول، وأيضا يجب زيادة مبلغ بوليصة (وثيقة) التامين إذا كانت صادرة محليا.
أوضحنا أعلاه دور الزبون عندما يرغب في تعديل خطاب الإعتماد لأي سبب يطرأ، وكقاعدة قانونية عامة فإنه لا يمكن تعديل خطاب الإعتماد أو إلغاؤه دون موافقة البنك فاتح الإعتماد والبنك المعزز “إذا وجد” والمستفيد من خطاب الإعتماد “المصدر”، لارتباطهم بالعملية وأدوارهم المطلوبة.
مع العلم أن البنك فاتح الإعتماد، وأيضا البنك المعزز للإعتماد، ملزم بشكل غير قابل للنقض بالتعديل الصادر منه وذلك من وقت إصداره لهذا التعديل. وهنا توجد مسؤولية قانونية ملزمة للبنك لأنه قام بإصدار التعديل وعليه أن يتحمل مسؤولية أفعاله وإلا فانه تيعتبر مخالفا لمسؤولياته القانونية التعاقدية.
وإذا إختار “البنك المعزز” أن يبلغ التعديل دون أن يمدد تعزيزه لهذا التعديل فهذا من حقه المطلق ولكن يجب عليه أن يبلغ “البنك فاتح الإعتماد” بدون أي تأخير وعليه أيضا أن يبلغ المستفيد في الإشعار الذي يرسله له في هذا الخصوص. وبالنسبة للمستفيد من خطاب الإعتماد فإن شروط الإعتماد الأصلي (أي قبل التعديل) تبقي سارية المفعول وذلك ألي أن يبلغ المستفيد البنك الذي أبلغه بالتعديل قبوله لهذا التعديل، وفي جميع الأحوال ينبغي على المستفيد أن يعطي إشعارا بقبول أو رفض التعديل. وهذه النقطة هامة جدا من الناحية القانونية لأن المستفيد إذا تخلف عن إرسال الإشعار بقبول أو رفض التعديل فإن التقديم المطابق لشروط الإعتماد، ومع شروط أي تعديل لم يقبل بعد، سوف يعتبر إشعارا بقبول المستفيد لذلك التعديل. هذا، ومنذ تلك اللحظة يتم تعديل الإعتماد ومن هنا تأتي أهمية إستيعاب المستفيد لدوره وواجباته لأن تخلفه عن تقديم الإشعار المطلوب سينتج عنه تبعات قانونية على المستفيد تحمل نتائجها. وفي واقع الأمر، هناك المستفيد ذو الخبرة في هذا النشاط وهناك المستفيد عديم الخبرة أو المبتدئ في التجارة، ولذا ننوه إلي أهمية طلب العون والمشورة الفنية من البنك أو غيره وذلك حتى لا تحدث مفاجآت ويحدث ما لا يحمد عقباه. وبكل أسف هناك حالات عديدة تسقط فيها الحقوق لعدم الدراية والعلم، وعلى البنوك أن ترتفع لمسؤوليتها وتمد يد العون والنصح أو تلفت النظر بأخذ المشورة القانونية أو الفنية.
وفق الشروط والأحكام فإنه يتعين على البنك مبلغ الإعتماد أن يخطر البنك الذي إستلم منه التعديل بأي إشعار بقبول أو رفض التعديل مع العلم أن القبول الجزئيpartial acceptance للتعديلات غير مسموح به أطلاقا، ويعتبر كأن لم يكن، ولذا يجب أن يتم قبول التعديلات كلها أو رفضها كلها لأن القبول الجزئي للتعديلات يعتبر بمثابة رفض التعديل. وهذا بالطبع ينسجم مع أحكام قانون العقود حيث أن الإيجاب (offer) يتطلب قبولا (acceptance) تاما كاملا، أي كالمنظر المنعكس من المرآة (mirror image)، كما يقولون، وهذا يعني أن يكون منطبق تماما (مائة في المائة) وإلا أعتبر عرضا مقابلا (counter-offer) يحتاج إلي قبول جديد من مقدم الإيجاب (offeror).
هذه بعض النقاط الفنية والقانونية الهامة ذات العلاقة بتعديل أو تجديد خطابات الإعتماد. وهي تحدث كثيرا، ويجب على كل طرف مرتبط بخطاب الاعتماد أن يلم بالدور المنوط به والقيام بتنفيذ هذا الدور والواجب على الوجه الأكمل حتى تكتمل العملية بنجاح تام ويستفيد منها كل أطراف الحلقة من البنوك التجارية ومن خلفهم الزبائن وتجار الاستيراد والتصدير. ولهذا صدرت الضوابط الموحدة لخطابات الاعتماد، ولنتبعها ونتقيد بها لتحقيق الفائدة مع الالتزام القانوني.
المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب
المؤسس والمدير التنفيذي
ع \ شركة د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.م
البحرين \ دبي