يعاني العالم الآن من الآثار السلبية، لجائحة كرونا التي غزت العالم. وستسمر المعاناة لفترة لا ندري مداها وأثرها وما قد ينجم عنها. ولنعود للتاريخ للاستفادة، خاصة ما حدث بعد الانهيارات المصرفية المالية قبل مدة حيث وجهت السلطات الأمريكية بدراسة الأسباب التي أدت للانهيار وكيفية تلافي أسبابه في المستقبل والحد من آثاره والسيطرة عليها. وصدر” قانون إصلاح وول ستريت و حماية المستهلك ” المعروف باسم ” قانون دود – فرانك “. والغرض من التشريع، يتمثل في عدة نقاط منها معايير جديدة للشفافية والإفصاح ومبدأ تحمل المسئولية في الشركات، بغرض الحد من المخاطر والعمل علي السيطرة عليها.
القانون يوجه المؤسسات المالية الكبيرة لتحمل مسئولياتها بدلا من انتظار تدخل الحكومة للانقاذ، مع توفير أسس المراقبة التنظيمية التي تضمن حماية المستهلك من الممارسات الخاطئة. وهدف القانون أن تعتمد الشركات علي نفسها، أي عدم تقديم الدعم الحكومي وإلزام الشركات لتحمل نتائج أعمالها. وهذا تطور، إذا أخذنا في الاعتبار الأموال والحوافز التي ظلت الحكومة تدفعها للشركات الخاسرة.
اتفقت العديد من الجهات المختصة أن قانون “دود – فرانك” قد يعتبر بداية جيدة في سعي الحكومة للوصول إلي طريق الاستقرار المالي واستقلاليته خاصة وأن القانون يتضمن تكوين مجلس أعلي من العديد من الوكالات الفدرالية، مع بعض الأعضاء المستقلين من مراقبي البنوك والبورصات و التأمين. قانون دود – فرانك يعطي اللجنة العليا الصلاحيات للقيام بدورها. وكما يتضح فان القانون يزلزل أقدام الهيئات الفدرالية وهناك من يري أن قيام اللجنة ومهامها ينقصان من دور مجلس الاحتياطي الفدرالي ويهمشان دوره السيادي في حماية وقيادة دفة الاقتصاد الأمريكي، مع السؤال المطروح عن كيفية تنسيق العمل بين المجلس الأعلى لمراقبة الاستقرار المالي ومجلس الاحتياطي الفدرالي وغيره من الهيئات.
و علي الطرف الآخر فهناك من يري تطورا ايجابيا في هذا التشريع لأنه يتناول في بوتقة واحدة كل السلطات الفدرالية لمجلس الاحتياطي الفدرالي وهيئة مراقبة أسواق المال وهيئة مراقبة التأمين وهيئة حماية المستهلك وهيئة ضمان الودائع وغيرهم من الهيئات الفدرالية المنظمة لقطاعات المال والاقتصاد والاستثمار حيث كان كل منها يعمل بمفرده وبدون تنسيق. وبحسب ما تبين فان وجود الشركات الكبيرة كان من المشاكل، لأن هذه الشركات وصلت إلي قناعة بأنها “أكبر من الفشل”، ولذا فان القانون الجديد أتي بنظرة مختلفة تتضمن أحكاما للحد من سلطات الشركات المالية الكبيرة خاصة وأن هذه السلطات ساعدت أو قد تساعد في حدوث الخلل الذي قد يقود بدوره إلي الانهيارات. ويركز القانون علي تحقيق أعلي درجات حوكمة الشركات والإدارة الرشيدة الفعالة ومن ضمنها وضع أسس جديدة لتحديد رواتب ومزايا ومنح أعضاء مجالس الإدارة والإدارات التنفيذية العليا في الشركات.
و من الأحكام الهامة التي استحدثها قانون دود – فرانك توفير عدة طرق متطورة لتقديم التحذير والإنذار المبكر والتنبيهات المسبقة عن الخلل وكيفية تداركه وفق المعايير التي يضعها المجلس الأعلى، والذي بدوره يقوم برفع تقارير للكونغرس لتوفير المزيد من الرقابة (التنفيذية والتشريعية) علي هذه القطاعات الهامة وبما يضمن تطوير الارتقاء بالأداء لحماية المستثمرين والمستهلكين والخزينة العامة. ولتحيق هذه التوجهات فهناك اشتراطات لا بد من التقيد بها، وفق القانون الجديد، فمثلا بالنسبة للبنوك وشركاتها المرتبطة تم تحديد طرق تقديم التقارير لكل الجهات المختصة مع تقارير خاصة للكونغرس، وتحديد الحدود المطلوبة للتمويل والضمانات والإجراءات الإضافية للتصفية ومعالجة الإعسار، وبالنسبة لأسواق المال هناك ضوابط ومعايير جديدة لتسجيل شركات تقديم الاستشارات الاستثمارية وضوابط إنشاء الصناديق المختلفة وإدراج الشركات في البورصات وأحكام حماية المستثمرين في أسواق المال. أما بالنسبة للتأمين فهناك أحكاما جديدة لمراقبة الصناعة التأمينية في كل مراحلها مع إيجاد البدائل لتعريف الفراغ التنظيمي الذي قد تنجم عنه أو بسببه أزمات مالية، مع التركيز علي فتح نوافذ التأمين لكافة الفئات. ومن المهام الضرورية تقديم التوصيات المسبقة حول مكامن الخطر والمخاطر في التأمين ومراجعة كيفية إدارة تأمين الإرهاب بكافة أشكاله مع التنسيق بالنسبة لمسائل التأمين الدولية.
لقد كان لهذه الاجراءات أثرا كبيرا في الخروج من الأزمة باقل الخسائر وفي وقت معقول. والآن مع أزمة كورونافيروس، نحتاج لوقفة للتفكير في كيفية عودة الحياة لما كانت عليه، ثم الانطلاق للامام ولنستفيد مما حدث ومهما حدث. فهل من تشريعات جديدة وسياسات عملية جريئة لانقاذ عالمنا وأجيال المستقبل.
د. عبد القادر ورسمه غالب
ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات
البحرين \ دبي