التحكيم التجاري ينبع من ارادة الأطراف المستقلة. وللأطراف الحق في اللجوء للتحكيم للفصل في النزاع الذي يحدث بينهم لأي سبب. وصناعة التحكيم الآن تحكمها القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية، ولهذا تجد رواجا كأفضل البدائل لتسوية المنازعات بعيدا عن ردهات المحاكم المثقلة بالقضايا الشخصية والمنازعات ذات الطابع الفردي اليومي. والتحكيم له ميزات عديدة من أهمها السرعة في الفصل والسرية والتخصصية في بعض المسائل ذات الطابع الفني المحض. وكذلك، وبطبيعة الحال، فان التحكيم لا يخلو من بعض الصعوبات التي تحتاج لعناية خاصة بهدف تطوير صناعة التحكيم ورفد العدالة بوسائل سليمة تعمل علي تأسيس دولة القانون وترسيخ مبادئ العدالة الناجزة.
التحكيم نوعان، وهما التحكيم المؤسسي أو التحكيم الفردي “أد هوك”. والنوع الأول يتم عبر مؤسسات التحكيم المتعددة والنوع الثاني يتم عبر محكم فرد يختاره الأطراف ربما لشخصه أو تخصصه أو خبرته. هذا ويجوز لأطراف النزاع اختيار النوع الذي يفضلونه سواء مؤسسي أو فردي. التحكيم الفردي، اذا تم اختياره لأي سبب، فانه لا يخلو من الايجابيات ولكن بصفة عامة فانه قد يجابه بعض الاشكاليات من بداية التحكيم حتي صدور القرار النهائي. ومن الواقع نقول، أن هناك قضايا تحكيم عديدة لا حصر لها قام بنظرها والفصل فيها “محكم فرد” وأدي المهمة بنجاح تام وعلى أحسن حال وأكمل وجه. وبالطبع مثل هؤلاء الأفراد لديهم الخبرة الطويلة والمعرفة السليمة بمعني ومضمون التحكيم وكيفية سير الاجراءات وما يعتريها، وهذا بالطبع، يكون اضافة للصفات الشخصية الفردية الأخري التي تمكنه من ادارة التحكيم بالحكمة والحنكة والمهنية التامة. وأيضا، في نفس الوقت، هناك بعض الحالات التي أتت بالعكس وسوء النتيجة وهذا يضر بصناعة التحكيم.
التحكيم الفرد قد يعاني من بعض الاشكاليات، خاصة عندما نقارنه مع التحكيم المؤسسي. هذا يحدث، لأن المحكم الفرد لا يملك نظاما مؤسسيا معروفا يعمل بموجبه ويتقيد به، مع العلم، ان التحكيم المؤسسي لديه “نظام مركز التحكيم” الذي يكون دليلا لهيئة التحكيم ومرجعا لها في العديد من الاجراءات. اضافة الي أن مركز التحكيم يساعد في الأمور اللوجستية الادارية مثل توفير المكان والسكرتارية وكل ما يرتبط بها من أعمال مساعدة في تهيئة الجو الملائم لسلاسة سير التحكيم.
نلاحظ أن العديد من العقود والتي تتم الاشارة فيها اللجوء للتحكيم لفض النزاع لم تتضمن تلك العناية الكافية بشأن التحكيم وضوابطه وبواطنه. وفي مثل هذه الحالات، وهي كثيرة، اذا تم احالة النزاع لمحكم فرد فانه يجد نفسه في موقف صعب لا يحسد عليه لأن المهمة المطلوب منه انجازها لا تتضمن طريقا مفيدا للسير عليه بواسطة المحكم الفرد. والصعوبة تكمن في أنه في مثل هذه الحالات، يحتاج الحكم الفرد مثلا لاختيار القانون الواجب التطبيق، اختيار الزمان والمكان وتفاصيل سير اجراءات التحكيم وغيره كتحديد تكاليف التحكيم وأتعاب المحكم، وكل هذه الأمور لا تخلو من الصعاب بل هي شائكة جدا. وهنا، تظهر صعوبة مهمة المحكم الفرد الذي قد تنطبق عليه مقولة “المهمة المستحيلة”.
وكل هذه المسائل، المشار لها، تقريبا تكون شبه محسومة أو واضحة في حالة “التحكيم المؤسسي”، الوطني أو الاقليمي أو الدولي، لأن المؤسسة “مركز التحكيم” تنظم مثل هذه المسائل وتكون معروفة للجميع بمنتهي الشفافية وتنطبق على كل الأطراف المعنية والمرتبطة بالتحكيم. وهنا طريق المسار سالك وواضح من بداية الأمر وصدور قرار هيئة التحكيم النهائي، وهذا الوضع المتميز قد لا يتوفر في حالة المحكم الفرد.
كما ذكرنا، فان الأطراف لهم الخيار في اختيار التحكيم المؤسسي أو الفردي وهذا يعود لهم وفق مايرونه وهم أدري بذلك. وقد يختار الأطراف محكم فرد لثقتهم فيه واطمئنانهم في تحقيقه للعدالة، وأيضا، ربما يختار الأطراف المحكم الفرد توفيرا للمال والوقت وغيره. ولكن على الأطراف دائما البحث عن الأفضل وليس تقليل المصروفات فقط. لأن المحكم الفرد قراره نهائي ونافذ ويأخذ نفس مكانة التحكيم المؤسسي المكون من عدة أفراد والعامل وفق المؤسسية المتعارف عليها في صناعة التحكيم. لهذا نقول، على الأطراف البحث والتقصي والتشاور عن الأنسب لهم سواء عبر التحكيم المؤسسي أو الفردي، وفي الحالتين النتيجة النهائية واحدة ونافذة، ولذا وجب التنويه.
د. عبد القادر ورسمه غالب
المؤسس والمدير التنفيذي
ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات