يحظى الفن والفلوكلور والتراث الخاص بسكان استراليا الأصليين “الأبورجينز” بعناية خاصة وسطهم وأيضا وسط كل سكان استراليا، حيث تتم رعايته لأعلي الدرجات والمحافظة عليه بشتى الوسائل. ونظرا لهذا الوضع الخاص المميز، فهناك من يحاول الاستفادة منه بعدة طرق، لتحقيق مصالح شخصية ذاتية لا تخلو من الأنانية. ان هذه الثروة الانسانية العظيمة تعود لتراث سنين كثيرة غابرة، وتدلل على المعاني والوسائل وسبل الحياة التي كان يعيشها سكان المنطقة الأوائل من الأبورجينز في ذلك الوقت. وهذا التراث والفلكلور والفن هو نتاج أيدي “أصلية” دمها من دم الأباء والأجداد من الأبورجينز وتم تناقل هذه المعرفة عبر الأجيال المتوارثة من الماضي القديم الي الحاضر وأصبحت تشكل هدايا تذكارية “سوفونيرز” يتبادلها الجميع كهدايا خاصة جميلة.
الاهتمام بالمحافظة على الفن الأصل ظل يسود لدى الأهالي والجهات الرسمية، ولكن منذ فترة قريبة ظهرت ظاهرة الفن المقلد “فيك آرت” من القطع الفنية غير الأصلية، وانتشر بيع الفن المقلد خاصة وسط الغرباء ممن يأتون للسياحة بغرض معرفة المزيد من التفاصيل عن السكان الأصليين من الأبورجينز اللذين يتحدث عنهم العالم. وفي هذا الخصوص قامت “هيئة المنافسة وحماية المستهلك الاسترالية” برفع دعوي قضائية أمام المحكمة في استراليا ضد شركة “بيروبي ليمتد” لأنها تبيع ” القطع الفنية المقلدة” التي لا تصنع بأيادي الابوروجينز الأصليين ولا تعبر عن هويتهم وتراثهم بتلك النكهة الخاصة. وهذه الشركة الكبيرة تعمل في هذا المجال للافراد والسياح والشركات الأخري في عدة دول، وتبيع كميات كبيرة جدا من الهدايا التذكارية من “الفن المقلد” وتجني أرباحا طائلة من هذه المبيعات. ومن المبيعات الهامة مثلا، عصا السفروق الملفوفة المفتوحة، عصا السفروق الملفوفة الصندوقية، وعصا الخيزران المعمول والمنحوت، وأجسام الخشب والخيوط المربوطة بها، والحجارة الصغيرة المشكلة لتعطي رسالة معينة، وغير هذا من الفنون التقليدية الأثرية.
وقررت المحكمة أن شركة “بيروبري ليمتد” تخدع المستهلكين بقيامها بالتدليس والغش عبر تقديم معلومات غير صحيحة والادعاء بأن القطع الفنية التي تبيعها تم صناعتها بأيادي من الأبورجينز، ولكن القطع تصنع في أندونيسيا وبأيادي أندونيسية لا علاقة لها اطلاقا بأستراليا أو سكانها الأصليين. وأصدرت المحكمة قرارا بتغريم الشركة بحوالي اثنين ونصف مليون دولار استرالي لمخالفتها قانون حماية المستهلك والمنافسة. ولقد استمع القاضي لبينة وأمثلة توضح الخسائر الاقتصادية والاجتماعية والأدبية والمعنوية التي يتعرض لها فن الأبورجينز الأصلي وممتهني الفن من الأبورجينز وكل المجتمع، وقال ان العقوبة على الشركة تهدف لردع الآخرين من مثل هذه الممارسات وأن القانون يصلهم لوقف هذه الممارسات.
ان ما حدث من هذه الشركة يعتبر خداع للفن الأصيل وخداع للفنانين وخداع لهواة الفن والمشترين وللمجتمع بأكمله. والخداع يجعل الأبورجينز لا يتحمسون لامتهان الفن لأنه عرضة للتزييف، وبهذا قد ينقفل المصدر الأصلي لهذه الفنون. ومن دون شك، ان الحكم الهام والفريد سيساهم في انقاذ التراث والفلكلور والفنون الخاصة بالسكان الأصليين في استراليا وسيعمل على ايقاف الهجمة الآثمة غير القانونية.
ولكن، هناك معضلة قانونية قد تواجه الحماية الكاملة لمثل هذه الفنون القديمة المتأصلة في العديد من الدول نظرا لأن القوانين لا تشير صراحة لحماية التراث والفلكلور من التقليد والغش والتدليس، وهذا قد يعود لثقافة عدم الاهتمام بهذا الأمر بالرغم من أهميته. وربما تكون هناك ضرورة ملحة لاصدار قوانين محلية ومعاهدات دولية خاصة تتضمن نصوصا صارمة ونافذة في كل العالم لتقديم الحماية الشاملة بغرض المحافظة على هذه الثروة الانسانية التي تشكل الامتداد الحضاري لكل البشرية.
د. عبد القادر ورسمه غالب
المؤسس والمدير التنفيذي
ع\ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات البحرين \ دبي