ظهرت ضرورة ماسة لايجاد نظم وضوابط ناجعة لمواجهة الأزمات المالية التي تعرضت لها الشركات العالمية، مع ضرورة العمل على تفادي تكرار ما حدث لاستعادة ثقة المستثمرين في أسواق الأوراق المالية وحماية حقوقهم ودعم الاستثمارات. ولهذا أهمية، خاصة بعد أن أصبح كل مستثمر غير مستعد لتحمل تكاليف أخطاء إدارة الشركات وفسادها الإداري والمالي مما يؤدي بدوره للتعرض لمخاطر الخسائر الكبيرة وانخفاض قيمة الأسهم.
بالرغم من وجود التشريعات المختصة بالشركات التجارية وأعمالها، الا ان النصوص القانونية المنظمة للشركات أصبحت تقليدية و”بالية” وتنقصها الآليات الفعالة لمواجهة الانهيارات المالية وينقصها توفير حماية حقوق المستثمرين وغيرهم. لذا أصبح انتهاج واعتماد قواعد “حوكمة الشركات” الحل الأنسب سواء من خلال قوانين أو قواعد ملزمة جديدة، خاصة وأن الحوكمة أثبتت فعاليتها وأضحت ضرورة عملية بالنسبة لإدارة ورقابة الشركات التي تتطلع للنجاح. وهذا ما يؤكده سعي الدول المتقدمة الآن، ليس نحو تبني قواعد حوكمة الشركات فحسب بل سعيها نحو تعزيز وتدعيم هذه القواعد وتطويرها.
اتخذ المستثمرون، قواعد حوكمة الشركات، كمعيار رئيسي لتوجيه استثماراتهم وشرطا أوليا للتعامل مع الشركات والدخول في بنيتها الاقتصادية باعتبار أن هذه القواعد تعطي ضمانا قانونيا للحفاظ على حقوقهم وحسن إدارة الشركة لأموالهم. كما أصبح لدى المستثمر امكانية التأكد من أن الشركة تدار وفق ممارسات الإدارة السليمة حتى يضمن تقليص احتمالات الفساد وسوء الإدارة، وبما يمكنه من تحليل ومقارنة فرص الاستثمار المحتملة وفقا لمعايير الشفافية والإفصاح والمسائلة.
في هذا الإطار ظهرت الاهتمامات التشريعية بقواعد حوكمة الشركات، وتم اصدار العديد منها لوضع أفضل الممارسات لحوكمة الشركات وكانت البداية من بريطانيا من خلال تقرير لجنة كادبري1992. الذي تضمن المبادئ الأساسية لحوكمة الشركات وتبعه في أمريكا قانون ساربينز- اوكسلي، الذي تضمن الرقابة ومحاسبة الشركات في سبيل إعادة وضع الاقتصاد على المسار الصحيح لتحقيق التنمية والتطور الاقتصادي على جميع الأصعدة.
بعد فضائح الشركات الامريكية التي شملت شركات كبيرة، تم سن قانون ساربينز-أوكسلي في 2002 لاستعادة ثقة المستثمرين في الأسواق وإغلاق الثغرات التي تمكن الشركات من الاحتيال على المستثمرين. وكان لهذا الفعل تأثير عميق على حوكمة الشركات في الولايات المتحدة. ووفقا لقانون ساربينز – أوكسلي على الشركات تعزيز لجان مراجعة الحسابات، وإجراء اختبارات الضوابط الداخلية، وتحديد المسؤولية الشخصية للمديرين والموظفين عن دقة البيانات المالية، وتعزيز الإفصاح. وينص هذا القانون أيضا على عقوبات جنائية أشد صرامة على الاحتيال على الأوراق المالية ويغير طريقة عمل شركات المحاسبة لأعمالها. ومن الآثار المباشرة لقانون ساربانيز – أوكسلي بشأن حوكمة الشركات، تعزيز لجان مراجعة الحسابات في الشركات. وتم منح لجنة التدقيق نفوذا واسعا في الاشراف على القرارات الادارية العليا للشركة. ويجب أن يكون أعضاء لجنة التدقيق مستقلين ولديهم مسوؤوليات جديدة مثل الموافقة على العديد من خدمات التدقيق واختيار المراجعين الخارجيين والإشراف عليهم، ومعاجلة الشكاوى المتعلقة بالممارسات المحاسبية.
قانون ساربانیس – أوکسلي یطلب من الشرکات إجراء اختبارات رقابة داخلیة شاملة، وتضمین تقریر الرقابة الداخلیة مع عملیات التدقیق السنویة. كما يتطلب اختبار وتوثيق الضوابط اليدوية والآلية في إعداد التقارير المالية بمشاركة المحاسبين الخارجيين وموظفي تكنولوجيا المعلومات ذوي الخبرة وهذا قد يجعل تكلفة الامتثال مرهقة بشكل خاص بالنسبة للشركات التي تعتمد بشكل كبير على العمل اليدوي. ويشجع قانون ساربينز – أوكسلي الشركات على جعل تقاريرها المالية أكثر كفاءة وفق الأطر التقنية. ويغير القانون مسؤولية الإدارة عن إعداد التقارير المالية بشكل ملحوظ. ويطلب أن يشهد كبار المديرين شخصيا على دقة التقارير المالية. وإذا كان مدير على علم أو قدم شهادة كاذبة يمكن أن يقبع في السجن لسنوات طويلة. وكذلك، إذا اضطرت الشركة لإجراء إعادة المحاسبة المطلوبة بسبب سوء سلوك الإدارة، يمكن إجبار كبار المديرين على التخلي عن مكافآتهم أو الأرباح الناتجة عن بيع أسهم الشركة. وإذا أدين المدير بمخالفة قانون الأوراق المالية، فيحظر عليه أن يقوم بنفس الدور في الشركة. وأيضا القانون يعزز شروط الشفافية والافصاح بشكل كبير جدا، ويتعين على الشركات أن تكشف عن أية ترتيبات مادية خارج الميزانية العمومية، مثل عقود الإيجار التشغيلي والكيانات ذات الأغراض الخاصة وغيرها من الممارسات الكبيرة. كما يتعين على الشركة الإفصاح عن أي بيانات مبدئية وكيفية تطبيقها في إطار المبادئ المحاسبية. ويجب على المطلعين الإبلاغ عن معاملاتهم في الأسهم للجنة الأوراق المالية والبورصات، كما يفرض عقوبات أشد على إعاقة العدالة والاحتيال في الأوراق المالية، الاحتيال الإلكتروني، وغيرها.
من دون شك، ان قانون ساربانيز – أوكسلي لديه أثر مباشرعلى حوكمة الشركات ودور المدققين الخارجيين. وقد أنشأ القانون “مجلس الرقابة على محاسبة الشركات العامة” الذي يصدر معايير للمحاسبين ويحد من تضارب المصالح، كما يتطلب تناوب الشركاء الرئيسيين لمراجعة الحسابات كل خمس سنوات لنفس الشركة لضمان المهنية والبعد عن المصالح.
كل هذه الضوابط، وغيرها، عملت علي وضع أسس جديدة لادارة أعمال الشركات بغية الوصول للمثالية لخدمة الشركات بصفة خاصة والاقتصاد الوطني يصفة عامة. ومن هذا الوضع يستفيد الجميع وتتطور الأعمال المؤسسية لوجود الضوابط الحديثة الفاعلة والبيئة القانونية السليمة. وهذا المقصود.
د. عبد القادر ورسمه غالب
المؤسس والرئيس التنفيذي
ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات
البحرين \ دبي