بدأت تجربة الصيرفة الاسلامية، قبل فترة قصيرة، في سلطنة عمان وقام البنك المركزي العماني بمنح تراخيص لبعض البنوك الاسلامية لمباشرة العمل المصرفي مع رصفائهم من البنوك التقليدية. والعمل المصرفي في سلطنة عمان يقوم علي أسس ثابتة وقواعد متينة راسخة في الممارسات المصرفية السليمة وفق أفضل الممارسات المصرفية الدولية، والكل يشهد بهذا الصرح المصرفي ذو المسحة العمانية الأصيلة.
ان العمل المصرفي الاسلامي في كل بقاع العالم، بصفة عامة، يعتبر حديثا وفي طور النمو والتنامي والتكاثر. وكما نعلم، بدأ أول مصرف اسلامي العمل في حوالي 1970 \ 1971وهذا يعتبر تاريخ حديث نسبيا، خاصة وأن الصيرفة التقليدية بدأت قبل هذا التاريخ بما يتجاوز كثيرا المائة عام. وحتي فترة قصيرة، كان العالم لا يعتبر الصيرفة الاسلامية عملا مصرفيا بالمعني المهني. وفي هذا أشير لما سبق أن قاله أحد محافظي بنك انجلترا السابقين حيث قال أن أي عمل يخلو من تحصيل “الفوائد” لا يعتبر عملا مصرفيا البتة. وتحصيل الفوائد محرم تماما في الصيرفة الاسلامية.
وبالطيع، فان هذا الموقف تغير الآن تماما حيث نجد المصارف الاسلامية قائمة وتعمل في قلب المنطقة التجارية في لندن. وهذا يدلل علي غزو الصيرفة الاسلامية للعواصم العالمية التي تحتضن أكبر البنوك التقليدية ذات السمعة العالية منذ القدم والتي تغطي الآفاق والعالم.
ان العمل المصرفي الاسلامي يسير بخطي واسعة وهو يزيد سنويا بنسبة عالية وهو الآن يغطي كل العالم من غربه لشرقه ومن شماله لجنوبه، والدلائل تشير الي أنه سيستمر في الزيادة والتطور والمنافسة جنبا الي جنب العمل المصرفي التقليدي. وللكل فان الخيار مفتوح ومتوفر، ولكل طرف أن يذهب للتعامل مع القطاع الذي يرغب فيه والبنوك الاسلامية مفتوحة للجميع وتتعامل مع الجميع وبدون أي استثناء لمن يرغب في الاستفادة من تطبيق القواعد والمعاملات الاسلامية عبر المصارف الاسلامية.
وكما ذكرنا، فان الصيرفة الاسلامية بدأت حديثا في سلطنة عمان، وهي بدأت لتبقي وتستمر. ومن دون شك فان المنافسة قوية خاصة وأن المصارف التقليدية عديدة ومنتشرة منذ فترة طويلة استطاعت خلالها من التمكن في خلق علاقات قوية مع العملاء والشركات العالمة في السلطنة. ولكن، ما يميز العمل المصرفي الاسلامي أن من يرغب فيه يأتي له طوعا واختيارا بالرغم من العديد من الحوافز أو الامتيازات التي قد تمنحها البنوك التقليدية الأخرى. ولكن، علي المصارف الاسلامية بذل الجهد لاستقطاب الأطراف الأخرى البعيدة عن دائرة الرغبة الكامنة في التعامل مع المصارف الاسلامية.
وفي هذا الخصوص، نقول أن علي الهيئات الشرعية العاملة في المصارف الاسلامية بذل المزيد من الجهد من أجل تطوير العمليات والمنتجات المالية الاسلامية وفتح الآفاق للمزيد من الممارسات المالية الاسلامية وتوسيع المواعين حتي تستقطب وتستوعب كل التطلعات وكل الطموحات التي يتطلع لها السوق والمستهلك والزبائن في سلطنة عمان وحواليها.
ومن المعلوم أنه يتوجب علي كل مصرف اسلامي أن يعين “الهيئة الشرعية” التي تتمتع بالسلطة الفنية في اجازة واعتماد واقرار العمليات المصرفية وأن العمل المصرفي يقوم ويتم وفق المبادئ الشرعية المستقاة من الشريعة الاسلامية الغراء. والشهادة أو الموافقة الصادرة من الهيئات الشرعية في المصارف هي التي تمنح الشرعية لعمل المصرف المعني واعتماد أنه يتم وفق أحكام الشريعة الاسلامية الغراء، أي أنه “حلال” شرعا ومقبول شرعا، ويأتي من يأتي وهم مطمئن بأنه يتعامل كما ورد في أحكام الشريعة الاسلامية التي يرغب فيها تقربا لربه.
وانطلاقا من هذا الدور الهام للهيئات الشرعية، فإنها تتمتع بالصلاحية الشرعية لتطوير الصيرفة الاسلامية وتوسيع دائرتها وفتح مجالاتها الجديدة. وكما هو معلوم، فان المعاملات الشرعية واسعة ومتسعة وما زال هناك الكثير مما يمكن الاستفادة منه في زيادة وتطوير المنتجات وفتح المزيد من الآفاق للعمليات المالية الاسلامية. ولتحقيق هذا، علينا عدم الانغلاق والشريعة واسعة وبها الكثير الصالح والحلال وعلينا سبر الأغوار. وهناك حاجة ماسة تتطلب من الهيئات الشرعية تطوير امكانياتها ومقدراتها العلمية والمهنية والعمل علي فهم المتطلبات المصرفية والمهنية ومتطلبات التجارة والحركة الاقتصادية الداخلية والخارجية حتي يكون لدي هذه الهيئات والمشايخ والفقهاء كل الخلفية المهنية الضرورية التي تمكن الجميع من المساهمة بإيجابية وفعالية في تطوير الأعمال والصيرفة الاسلامية التي ما زالت تتطلع للمزيد من أحشاء المعاملات الإسلامية السليمة وهي مليئة ومتوفرة لمن يجتهد في البحث المقرون بالاجتهاد, ولكل مجتهد نصيب.
وفي نفس الاتجاه، علي مجالس الادارة والادارة التنفيذية في المصارف الاسلامية في سلطنة عمان الحرص علي تدريب العاملين وتثقيفهم الثقافة الاسلامية الشرعية حتي يكونوا عونا ودعما للهيئات الشرعية في التطبيق الصحيح والالتزام بمنهج الشرعية الاسلامية الغراء. وكل هذا سيساهم في تقوية دعائم العمل المصرفي الاسلامي وتثبيت أركانه حتي يكون عونا وموردا اضافيا في دعم الحركة التجارية والاقتصاد العماني المتطلع للنمو والريادة. وطبعا، كل هذا في الامكان بعزيمة الرجال وتوجيه ودعم الهيئات الشرعية للبنوك الاسلامية، وكذلك الهيئات الرقابية العليا وعلي رأسها البنك المركزي العماني وقيادته الحكيمة. ولنسير بعزم في هذا الاتجاه.
د. عبد القادر ورسمه غالب
المؤسس والمستشار القانوني الرئيس
ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات
المنامة – المنطقة الدبلوماسية – برج الدبلومات
الطابق 4 – شقة # 45