منذ أمد، أتشرف بتسجيل العضوية في قوائم التحكيم التابعة لمنظمة الملكية الفكرية (الوايبو) مما يستدعي التواصل معهم بخصوص قضايا التحكيم وللمشاركة في عدة مناقشات قانونية بعضها يتعلق بمدى توسعة اطار حماية الملكية الفكرية، لأنه وبموجب القانون والاتفاقيات الدولية المختصة فانه يجوز حماية الأسماء والعلامات التجارية والابتكارات الصناعية والاختراعات وغيرها، مما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية التقليدية المعروفة. فهل ينتقل هذا الحق القانوني ليقدم الحماية القانونية للصورة الشخصية لكل شخص (صورة الوجه، الشكل، الايمج بروفايل)؟
وهذا الوضع قفز للسطح مؤخرا، نظرا لأن المشاهير من كبار الشخصيات الفنية ولاعبي كرة القدم والدراما والتمثيل وحتي مشاهير الساسة والمجتمع وغيرهم، يفكرون وقد يريدون دخلاً إضافيا من نشاطات اجتماعية ثقافية متعددة مثل رعاية المناسبات الخاصة والحضور فيها والقاء الكلمات والمحاضرات لاصباغ أهمية خاصة للحدث. وفي الغالب، يتم العمل بطباعة ووضع صورهم الشخصية (صورة الوجه) في الملابس والإعلانات والملصقات الدعائية … الخ. وهذه النشاطات بالطبع قد تكون ذات قيمة تجارية لأنها قد تساهم في جلب دخل مادي إضافي معتبر، وفي الوقت نفسه فإنها تعمل على ترويج المناسبات والمنتجات لدرجة كبيرة بسبب إقبال المعجبين والمحبين “الفانس” على الشراء.
في حقيقة الأمر، يمكن القول بوجود فراغ قانوني لحماية هذه الحقوق الخاصة الناشئة من الصورة الشخصية للأشخاص (صورة الوجه المميزة، الشكل، الايمج بروفايل) وذلك نظرأ لما يميز هذه الصورة من صفات خاصة بالشخص نفسه ولغة الجسد التي تنطق بها الصورة. وهذا الفراغ ربما نتج بسبب عدم وجود أو توفر الإمكانية المطلوبة لتسجيل هذا الحق، مثل ذلك الحق الواضح والممنوح قانونا لتسجيل حقوق الملكية الفكرية كالعلامات التجارية وأسماء الأعمال وحقوق التأليف والاختراعات وغيرهما.
إن مبدأ حق الملكية بالنسبة للصورة وشكل الشخصية (الايمج بروفايل) يعتبر أمرا حديثا نوعا ما، اذ أن كابتن كرة القدم الانجليزي “كيفين كيقان” يعتبر أول من قام بتوقيع ما يسمى “عقد صورة الوجه، ايمج وشكل الوجه” قبل عدة سنوات، وذلك بغرض حفظ حقوق الملكية المرتبطة بشكله وصورة وجهه والتعابير الخاصة بشخصه وبوجهه. وفي الواقع هناك صورة “نمطية” في الذاكرة خاصة بأشخاص معينين تميزهم عن غيرهم، مثل طريقة قص شارب هتلر التي تميزه عن غيره ولذا لا يستطيع شخص الآن في ألمانيا تقليد هذا الشارب والا قد يعتبر من مروجي النازية وهذا ممنوع بالقانون. وأيضا صورة وجه ريئس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل الممتلئ وعلى رأسه القبعة السوداء وفي فمه السيجار الكبير، أو وجه الزعيم الهندي المهاتما غاندي النحيف ورأسه الأصلع العاري وعلى عينيه النظارة الدائرية الكبيرة، أو وجه الممثل شارلي شابلن المضحك وغيره من نجوم الكوميديا، أو قصة شعر زعيم كوريا الشمالية الحالي الخاصة به وحده في كوريا، أو تسريحة شعر أنجيلا ديفس “الآفرو” التي ملأت العالم في حينه خاصة في وسط الشباب. وعندما ترى ملامح أي شخص بهذه الصفات فمباشرة يطرأ على خاطرك صاحب الوجه الأصلي. وهذه الصفات المميزة والتعابير والابتسامات أو العبوس و “التكشيرة” وغيرها من لغة الجسد وصلت لدرجة تجعلك تميز بها أشخاصا معينين ومعروفين لدي الجميع من أول وهلة. ومن هنا يأتي هذا الحق كـ “حق خاص” يجب حمايته للاستغلال التجاري والمنفعة المادية، وهناك من يسعى للاستفادة من هذا “الحق” مثله مثل غيره من الحقوق الأخرى. أليس هذا من حقه الشخصي؟
في أمريكا، منذ فترة قريبة، صدرت أحكاما قضائية تؤيد حماية وحفظ ما يسمى “حقوق الشهرة” للفرد وما يميزه. ولكن من الملاحظ أن هذا الوضع، وبصفة عامة، يختلف من ولاية لأخرى ولا يوجد تطبيق فيدرالي واحد ثابت معروف في كل أمريكا. والآن، نحن في عصر المناداة بحفظ كافة الحقوق والمناداة باللجوء للقضاء وتطبيق القوانين في هذا المجال لردع المتجاوزين والمتطفلين والظهور على حساب اللآخرين. ومن الأمثلة الحية، تم رفع دعوى قضائية ضد “رود ستيورات” لوضعه صورة تخصه قام بتصويرها مصور معين ولكنه وضعها مكان صورة مشابهة قام بتصويرها مصور آخر. والممثل “فرانك سيفيرو” قام برفع دعوى ضد منتجي فلم “سمبسونز” مدعيا أنهم قاموا بسرقة “شخصيته وصورته” وتقمص تمثيلها في شخصية “لوي” الذي يعتبر نسخة مطابقة لشخصيته. وكذلك قام “ليندسي لووهان” و “مانويل نوريقا” برفع دعاوى تتضمن سرقة شخصياتهم وصورهم وتعابير وجوههم في بعض ألعاب الفيديو وبما يقلل من شخصياتهم وعدم تقديرها، وكل من يشاهد الفيديو يصل لتلك النتيجة دون عناء.
وهناك دعاوى أخرى متعددة في انجلترا ودول أوربية، وفي العادة، يتم النظر في كل دعوى وفقا للوقائع ومدى انطباقها من ناحية المسؤولية التقصيرية وحماية الحقوق الخاصة والشخصية. وبالرغم من اللجوء للتقاضي في بعض البلدان، لكننا بصفة عامة نستطيع القول، أنه لا يوجد حتى الآن تصور قانوني متكامل وواضح لكيفية التعامل مع هذا النوع من الحقوق “الجديدة” في عالم الحقوق الخاصة، مهما كان نوعها وكيفية استخدامها بواسطة آخرين.
والمعضلة تنجم من أن استخدام أو اختراق هذه الحقوق يتم غالبا عبر وسائل التقنية الحديثة والانترنت، وهذا بدوره قاد إلى إيجاد أوضاعا حديثة جديدة لا يمكن تغطيتها بصورة واضحة استنادًا إلى القوانين التقليدية المنظمة للحقوق وللملكية الفكرية المرتبطة بالأفكار التقليدية. فحقوق المؤلف، مثلا، تحمي فقط ولكن بصورة واضحة من قام بالتأليف، وكذلك العلامات التجارية تحفظ فقط الأسماء والمنتجات التجارية لأصحابها في مجالاتهم المختلفة التي يعملون فيها. وبالمقارنة مع هذا، لا نجد وسائل معينة لضبط الحقوق المرتبطة بحق “الصورة، شكل الشخصية أو الايمج بروفايل” وما يرتبط بها من صفات خاصة بالشخص، بغرض معاقبة من يستغلها لمصلحته الذاتية علي حساب أصحابها. فمثلا، مصانع الملابس والأحذية والأدوات الرياضية يجنون الكثير من المال عند وضع صور مشاهير اللاعبين حيث يتم الشراء فقط لحب الكابتن المعين، فهل يتم هذا بدون مقابل وحفظ الحقوق القانونية؟
وظلت هذه القتامة مستمرة حتى وقت قريب حيث قامت “قرونسي”، وهي إحدى الجزر التابعة لجنال آيلاندس الانجليزية، بإصدار قانون خاص فقط بتسجيل حقوق حماية “صورة الشخص، شكل الوجه، الايمج بروفايل” وكل ما يرتبط بها. وبموجب هذا القانون يجوز الآن تسجيل هذه الحقوق، وبالفعل قام العديد ممن يدعون مثل هذه الحقوق بالتسجيل لفرض الحماية القانونية اللازمة.
وهذه خطوة جريئة في هذا مجال حفظ هذه الحقوق تحسب لجزيرة “قرونسي” الصغيرة. ومن هنا بدأت نقطة الانطلاق، ومن دون شك، سنرى قريبا مفعول إصدار هذا القانون وردود الأفعال عالميا. وفي جميع الأحوال، هناك حاجة لبعض الوقت لانتهاج الطرق السليمة التي توضح كنه وأبعاد هذه الحقوق ومدتها وحمايتها وإجراءات تسجيلها وما يترتب عليها من حقوق ملكية لا يجوز التعدي عليها حماية للخصوصية والملكية الشخصية وما يرتبط بها، خاصة أن هناك من يبحث عن “الحق”، أي حق طالما يدر دخلاً ماديًا. ونتطلع للأحكام والسوابق القضائية في هذا الخصوص، وكذلك نحتاج للبحوث والدراسات القانونية لأثراء هذا الجانب وتحديد مساراته في المستقبل المنظور. ولنرى.
المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب
الموؤسس والمدير التنغبذي
ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.م
البحرين \ دبي