البنوك والتعامل مع الأشخاص السياسيين ممثلي المخاطر

Asia 728x90

غسل الأموال يتم عبر عدة طرق ويتوسع حين يجد الفرصة مواتية أمامه بدون رقيب أو حسيب. ومن ضمن هذه الطرق يتم اللجوء للبنوك بوسائل مختلفة الهدف منها غسل الأموال النتنة وتحويلها لأموال نظيفة، تخرج كاليد البيضاء، من خزائن البنوك. ومن هذا، بكل أسف ، يتم اقحام البنوك في هذا العمل الشين غير المقبول. ولاخراج البنوك من هذا المأزق، تم وضع خطوات وقائية لمنع هذه العمليات الاجرامية واصطياد من يقوم بها مهما كان قدره ومنصبه. ومن أهم هذه الخطوات نجد “سياسة أعرف عميلك”، التي أتت أكلها ونحجت الى حد كبير في مكافحة جريمة غسل الأموال.

لمكافحة هذه الجريمة، كل العالم هب كجسم واحد، ووقف سدا منيعا ووضع العديد من الضوابط والاجراءات للمكافحة الحاسمة. وفي هذا الخصوص، تم تأسيس مجموعة العمل المالي (فاتف) العالمية والتي قامت بوضع توصيات هامة يسير على هداها كل العالم الآن. وتتضمن توصيات مجموعة العمل المالي (فاتف) العديد من التوصيات (المعايير) الدولية لمكافحة غسل الأموال، حيث تم اصددار التوصيات الأصلية “40 توصيةفي 1990، وفي 2001 تم اصدار التوصيات الاضافية الخاصة بمكافحة تمويل الإرهاب باضافة ” 8 ثم 9 توصيات. وهذه التوصيات، يجب على جميع الدول اتباعها والتقيد التام بها حتى تثمر الجهود المبذولة في مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب لأجل تحقيق الغاية المرجوة للحد من هذه الجرائم الخبيثة. مع العلم، أنه تم تحديث هذه التوصيات “المعايير باضافة مكافحة انتشار التسلح.

Financial Action Task Force (FATF) – Paris – France

وبموجب توصيات (فاتف) يجب على كافة البنوك والمؤسسات المالية القيام ببذل كل العناية الواجبة عند التعامل مع الزبائن حيث لا يجوز لهم، مثلا، الاحتفاظ بحسابات مجهولة غير معروفة أو حسابات بأسماء وهمية أو «كود» أو رقم أو حرف (وهذه كانت مستخدمة في البنوك لفترة طويلة للمزيد من السرية). والأمر يتطلب الآن، وفي جميع الأحوال، تحديد هوية الزبون والتحقق منها مع فهم الغرض من علاقة الزبون بالعملية وطبيعتها والحصول على كل المعلومات اللازمة بشأنها، وكذلك أيضا لا بد من تحديد هوية المستفيد الحقيقي من العملية. وبعد استنفاذ هذه المرحلة، يجوز للبنوك والمؤسسات المالية الامتناع عن تنفيذ العملية أو طلب المزيد من المعلومات للتحقق من أي شبهات وإبلاغ الجهات المختصة أو غير ذلك وفق ما تراه مناسبا ووفق كل حالة على حدة. وكل هذا يجب أن يتم بحرفية مهنية من أجل تطبيق مبدأ «أعرف عميلك؟» و«أعرف عميل عميلك؟» وهكذا، حتى تكون الرؤية واضحة تماما منذ البداية بغرض حماية الصناعة المصرفية من الافكار الاجرامية الملوثة لأموالها.

ووفق التوصيات، هناك تدابير أخرى إضافية تتطلب المزيد من العناية تجاه زبائن معينين وأنشطة معينة. وهذا الأمر ينطبق بصفة أساسية على الزبائن الذين يقعون تحت فئة «الأشخاص السياسيون ممثلو المخاطر». وبموجب توصيات (فاتف) يجب على البنوك والمؤسسات المالية اتخاذ خطوات احترازية إضافية أكثر مع ضرورة بذل المزيد من العناية عند التعامل مع هذه الفئة نظرا لزيادة المخاطر عند التعامل معها أو مع ما يتعلق بها من عمليات، وهذا ينطبق عند التعامل معهم سواء كزبائن دائمين أو كمستفيدين حقيقيين من العملية.


Politically Exposed Persons (PEPs)

وبموجب توصيات (فاتف) يجب على البنوك والمؤسسات المالية التأكد من وضع أنظمة محددة وملائمة بدرجة كافية لإدارة المخاطر المرتبطة بالعملية عندما يكون التعامل مع أي زبون أو مستفيد حقيقي من ضمن فئة «الأشخاص السياسيين ممثلي المخاطر– بي إي بي س)». كما يجب الحصول على موافقة خاصة من الإدارة العليا بالمؤسسة المالية للاستمرار في تكملة العملية أو رفضها، وقبل ذلك لا بد من اتخاذ كل التدابير المعقولة لمعرفة مصدر الثروة أو الأموال المرتبطة بالعملية. وبالنسبة لهذه الفئة من الزبائن، وتطبيقا أيضا لمبدأ «أعرف عميلك؟»، يجب الحرص على المتابعة المستمرة والمراقبة الدورية لعلاقة العمل مع هؤلاء الزبائن والتحركات المرتبطة بها، وذلك لضمان تحقيق المزيد من المعرفة بهذه الفئة من الزبائن لحساسية وضعهم.

والتعليمات الآمرة أعلاه تنطبق على الفئة، بغض النظر عما إذا كان الزبائن من الشخصيات السياسية المحلية من داخل البلد أو الدولية من الدول الأجنبية أو ممن يشغلون مناصب سياسية أو وظائف في المنظمات أو المنابر الدولية، إذ يجب أخذ المزيد من الحذر عند التعامل مع أي منهم ومن أي مكان كان، مع التأكد من أن هذه المعاملة الحذرة تنطبق فقط على الفئات المؤثرة والكبرى في الوظائف ولا تشمل غيرهم. ويمتد تعريف «الشخص السياسي» المقصود هنا ليشمل كل أفراد أسرته وعائلته وكذلك يشمل الأشخاص المقربين الذين تربطهم به صلة وعلاقات عمل. وهذا بالطبع للمزيد من الحرص لأن الشخص المعني قد يطلب من أسرته أو أصدقائه القيام بالعملية مع المؤسسة المالية وهو بعيد عن الأعين، ولهذا تم التوسيع في التعريف.

من دون أدنى شك فهناك مخاطر إضافية عند التعامل مع هذه الفئة لما تتمتع به من هيبة أو سلطة أو نفوذ قد يتم استغلاله، وفق أي كيفية بحسن نية أو بسوء نية، لتمرير عمليات «مشبوهة» قد تنتهي بغسل الأموال وتمويل الإرهاب مما يتطلب الحذر واليقظة عند التعامل. وكما هو معلوم فلقد قامت شخصيات سياسية معروفة في عدة دول باستغلال موقعها الرسمي، أو القريب منه، في تحويل الملايين لحساباتهم المصرفية السرية. وهناك حالات كثيرة معروفة حيث تم نشر الكثير من التقارير الاستقصائية في هذا الخصوص،

وهي معروفة للجميع، وهذا الواقع أدى إلى ضرورة العمل على سد الثغرة أمام هذه الفئة حتى لا يتم استخدام البنوك لتحقيق المآرب الإجرامية.

ولهذا نجد توصيات معينة صدرت من (فاتف) تأمر بالحذر «الخاص» عند التعامل مع من يقع ضمن فئة «الأشخاص السياسيين ممثلي المخاطر». لكن هناك صعوبات عملية تواجه المؤسسات المالية عند التعامل مع هذه الفئات، منها عدم معرفة كل من يكون ضمن هذه الفئة خاصة وأن التعامل في أغلب الحالات يتم عبر الكاونتر والموظف لا يملك قائمة تتضمن أسماء يمكن أن يرجع لها أو ترجع لها المؤسسات المالية للمطابقة والتأكد ثم الالتزام. وإضافة لهذا، توجد صعوبة أخرى تتمثل في عدم وجود تعريف واضح لمن تشملهم فئة هؤلاء «الأشخاص» بالرغم من وجود محاولات للتعريف بشخصيات مماثلة كما ورد مثلا في قانون «الممارسات الأجنبية الفاسدة» الأمريكي وكذلك قانون «يو أس باتريوت آكت»، أو ما ورد في «معاهدة الأمم المتحدة لمحاربة الفساد» حيث تم تعريف «الأشخاص» بمن تجعلهم أعمالهم ينضوون تحت هذه الفئة. ويمكن للدول الاستفادة والاسترشاد بهذه التعريفات عند صياغة قوانينها الوطنية، ولوائحها، لمكافحة غسل الأموال نظرا لأن وجود التعريف يسهم ويسهل أمر التطبيق.

هناك قضايا كثيرة، حيث أصدرت المحاكم الأمريكية غرامات بمليارات الدولارات ضد البنوك الكبيرة الضالعة في غسل الأموال وتمويل الارهاب. وهذه الغرامات الملياريرية كانت في مواجهة العديد من البنوك لإخفاقهم في بذل الحذر المطلوب عند التعامل مع هذه الفئة وعبر هذه التعاملات تم تحويل أو استلام أموال «قذرة» ناتجة من الرشاوى والسرقات والاختلاسات وتمويل الارهاب وغيرها، حماكم الله، وما كان الأمر ممكنا لو تم أخذ الحيطة المطلوبة والحذر الواجب. وكل هذا الواقع المرير، يجب أن تتم الاستفادة منه حتى لا نقع في نفس الأخطاء وحتى لا نواجه نفس المصير والادانة العالمية. ولذا يجب على البنوك والمؤسسات المالية الاجتهاد في تنفيذ توصيات (فاتف) الخاصة بكيفية التعامل مع مثل هذه الحالات ومن يقف خلفها. ولتكن العزيمة موجودة لقفل الباب أمام كل منافذ غسل الأموال وعلى رأسها منفذ «الأشخاص السياسيين ممثلي المخاطر» الذين يتلونون كالحرباء لتنفيذ مآربهم. والوقوف في وجه هذه الفئة وغيرها من كل الفئات الاجرامية يمكن تحقيقه، ولكن فقط، اذا توفرت لدينا النية الصادقة والعمل الأمين والأيادي النظيفة. ولنثبت هذا..

المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب

المؤسس والمدير التنفيذي

ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.م

البحرين \ دبي