الخميس 16 مايو 2024
خطاب الضمان المصرفي يعتبر أحد الخدمات المصرفية الهامة والتي يقوم البنك بتوفيرها لزبائئه أو لأصحاب المشاريع التجارية. والغرض الأساسي من اصدار خطاب الضمان هو التدخل في حالة تعرض الزبون لأي ظرف يمنعه من الدفع في الوقت المحدد له. وهناك أمثلة عديدة منها فشل المشروع أو تأخر التاجر في السداد لظروف خارج ارادته أو غيره. وفي مثل هذه الحالات، فإن البنك يتدخل ويعمل على تحمل المسؤولية الكاملة. وخطاب الضمان المصرفي، بصفة عامة، يمثل خدمة استثمارية تقدمها البنوك لزبائئها من التجار والشركات. بل هو إقرار بتعهد بنك معين بسداد الدين أو القرض الذي حصل عليه المستثمر المستفيد من المشروع في الزمن المحدد للدفع.
ومن أهم اثار خطاب الضمان المصرفي، أن هذا الخطاب المصرفي يعتبر اتفاق وتعهد من قبل البنك على دفع مبلغ من المال للمستفيد. والبنك يقوم بهذا الفعل، بناء على طلب أحد زبائئه في حالة عدم قيامه بدفع هذا المبلغ، ومن هذا يكون البنك “الصديق عند الضيق”. وبالطبع، بالمقابل فان البنك يستفيد من اصدار هذه الخطابات لأنه يحصل من تقديمها على رسوم معتبرة، اضافة الى أن العميل يطلب خدمات مصرفية أخري هامة للبنك.
ومن واقع التجارب فان اصدار خطابات الضمان المصرفية لها تداعيات متنوعة ومتشعبة وبعضها مفيد وبعضها الآخر على العكس وغير مفيد. ومن دون شك، فان إحدى نتائجها الجيدة أنها ساعدت على تنشيط المجال التجاري من خلال تطوير المشاريع وتسهيل عمليات البيع والاستحواذ والاستيراد والتصدير الخالية من القلق بعدم سداد المبالغ أو فقدانها. ونتيجة لهذه الحركة الدؤوبة، فان خطابات الضمان المصرفي ساعدت كثيرا في تقليل عدد الأعمال الوهمية غير الحقيقية اضافة لعمليات الاحتيال التي تؤثر على العديد من المستهلكين والمستفيدين لأن البنك هو المتعهد والضامن لأي معاملة بينهما. وعليه ووفقا لهذا الأثر الهام، نقول أن خطاب الضمان المصرفي عزز وبشكل كبير عنصر الثقة بين الزبون والمستفيد. ولهذا، تصدر في اليوم آلاف خطابات الضمان المصرفي من البنوك وهي تشكل أحد أعمدة الخدمة المصرفية الضروية التي لا غنى عنها.
هناك من عرف خطاب الضمان بأنه “تصرف قانوني مجرد عن السبب ومطهر من الدفوع، غير قابل للتداول، مصدره العرف البنكي والقانون، ويصدره البنك بإرادته المنفردة في علاقة مباشرة ومستقلة ومنفصلة عما يحيط به من علاقـات الآمـر أو المستفيد. ويلتزم البنك فيه بدفع مبلغ محدد أو قابل للتحديد من النقود لمستفيد معـين بالذات بناء على طلب من عميله، وهو غير قابل للرجوع فيه من البنك أو المستفيد طوال أجلـه الوارد بنصه. ولا اعتبار في قيامه بإرادة المستفيد سواء قبله أو رفضه، وهو التزام شخص سواء بالنسبة للبنك أو المستفيد. ويلاحظ على هذا التعريف أنه حاول جمع أكبـر قـدر ممكـن مـن الخـصائص والمميزات التي تسمح بتحديد ذاتية خطاب الضمان تحديدا دقيقا، الا ان بعض هذه الخصائص لا يزال محل جدال واختلاف بين فقهاء القانون.
وهناك من يعرف خطاب الضمان بأنه “صك يصدر من البنك بناء على طلب عميله، صدر من البنك بناء على طلب عميله الآمر، يتعهد فيه بدفع مبلغ معين أو قابل للتعيين خلال مدة محددة إلى المستفيد دون قيد أو شرط”. ورغم أن هذا التعريف يوضح باختصار معالم خطاب الـضمان إلا أنـه لا يظهـر الخصائص التي تميزه عن غيره بصورة جلية، فخطاب الضمان كما نعلم قد يكون مشروطا كما يمكن أن يكون غير مشروط.
وهناك من عرفه كما يلي “تعهد مكتوب يصدره البنك الضامن بناء على طلب العميل (الآمر) بشأن عملية محددة أو غرض محدد يلتزم بموجبه البنك بأن يدفع إلى طرف ثالث (المستفيد) مبلغا معينا من النقود عند أول طلب منه، سواء كان طلبا مجردا أو مبررا أو مصحوبا بتقديم مستندات محددة في الخطاب، يقدمها المستفيد خلال أجل محدد عادة أو غير محدد في أثناء سريان أجله رغم أية معارضة من العميل المضمون أو البنك الضامن، على أن يكون الضامن شخصا غير المتعاقد مع المستفيد الذي طلب الضمان لصالحه”.
ومن هذا الواقع، يعد الحصول على خطاب ضمان مصرفي أمرا بسيطا للعديد من المستثمرين ورجال الأعمال والمؤسسات والشركات المتعاقدة مع البنوك التي تساعد في هذا الموقف وتؤدي مهمتها بنزاهة واحتراف، وبما يضمن حماية حقوق جميع الأطراف وعدم التعدي عليها. ونتيجة لذلك تشكل خطابات الضمان نقلة نوعية كبيرة في ممارسة النشاط التجاري لا سيما في قطاع الاستيراد والتصدير في هذا الوقت الذي انتشرت فيه أبواب التجارة من كل الاتجاهات.
أحد أهم المتطلبات الأساسية لتسييل خطاب الضمان هو أن يظل البنك مستقلا ومهنيا في تأدية دوره، ولا يتفق مع العميل الذي حصل على الخطاب المصرفي، وذلك نظرًا لأن مسؤولية تأمين خطاب الضمان تقع على عاتق العميل والبنك معا. ونشدد القول بأن الامتثال والتعاون بين الأطراف الثلاثة يعد أحد أهم المتطلبات لتسييل خطاب الضمان المصرفي والأطراف هم الزبون والمستفيد والبنك. ومن الملاحظ أن بعض البنوك تتعاطف من الزبون على حساب المستفيد وتتلكأ في الدفع عند الطلب بالرغم من تعهدها بالدفع عند أول طلب. وأن قام البنك بذلك، يعتبر مخالف للقانون وكذلك مخالف لقواعد المهنة المصرفية. وقانونا، يجب على البنك الالتزام التام بالسداد عند الطلب لأنه تعهد بذلك ويجب تنفيذ هذا التعهد القانوني في حينه، والا فالعواقب وخيمة من الناحيتين القانونية والمهنية.
المبلغ المضمون بموجب خطاب الضمان، أي المبلغ المتفق عليه بين العميل والمستفيد يجب أن يكون مكتوبا رقميا وخطيا. اضافة الى نوع العملة، صلاحية الضمان، نوع الضمان، تاريخ البدء والانتهاء لأن تواريخ البدء والانتهاء ضرورية لاستمرار صلاحية الخطاب. ومن الناحية القانونية، فإن خطاب الضمان المصرفي يعتبر ملغى إذا لم يتم كتابة التاريخ. وتتم الاشارة أيضا الى الهدف من الضمان، ولمن يتم تقديم الضمان، عنوان التواصل، الاسم الكامل للعميل، رقم الحساب، رقم العميل… كل هذه المعلومات يجب ذكرها بوضوح في مستند خطاب الضمان لأنه يشكل وثيقة قانونية هامة.
وفي العادة هناك نص صريح “… سيتم الدفع لك فور استلام طلبك الكتابي، بغض النظر عن أي اعتراضات من العميل الذي طلب الخطاب أو أي طرف آخر. هذا الضمان ساري المفعول وقابل للتنفيذ حتى….، وبعد ذلك سيتم تجديده لمدة … يوما من تاريخه. ومن هذا يتضح التزام البنك بانه سيدفع للمستفيد على الفور بعد تلقي طلبه، وأنه إذا اعترض العميل فلن يتم أخذ اعتراضه في الاعتبار، خاصة إذا كان طلبك الخاص بالمبلغ يتوافق مع الاتفاقية السارية بلغة خطاب الضمان المصرفي القائم بين المستفيد وبين العميل”. وبموجب هذا فان خطاب الضمان المصرفي، يجب أن يكون تعهدا ملزما قانونا للبنك، خلاف ذلك سيتم تحميله المسؤولية القانونية في المحاكم. ومن الناحية العملية، يتم تقديم مسودة خطاب الضمان البنكي إلى المستفيد، وإذا لم يتم الاعتراض يعتبر خطاب الضمان ساري المفعول. ويظل خطاب الضمان المصرفي ملزما إذا كان يفي بالشروط المتفق عليها، وإذا لم يكن كذلك فإنه يفقد الصفة الرسمية والأثر القانوني التابع لذلك.
يقوم البنك بكتابة خطاب الضمان المصرفي وفقا لشروط مصرفية محددة وإرساله إلى المستلم لمراجعته والموافقة عليه بعد استكمال نموذج الخطاب. ويصبح نموذج خطاب الضمان الخاص بالبنك ساريا ويبدأ العمل من تاريخ الإصدار خاصة إذا كان الزبون مفوضا ويلغى خطاب الضمان اذا كان لدى المستفيد أي ملاحظات أو شكاوى. ووفق نصوص خطاب الضمان المصرفي، لا يمكن للمستفيد أن يطلب من البنك دفع مبلغ أكبر من المبلغ المتفق عليه في خطاب الضمان المصرفي، إما دفعة واحدة أو على أقساط متتالية. علاوة على ذلك، كما هو موضح في الخطاب لا يحق للمستلم الحصول على عائد مادي على قيمة نموذج خطاب الضمان المصرفي.
ومن خصائص خطاب الضمان أنه غير مرتبط بأحد المعايير التي تسمح بدفع المبلغ المتفق عليه المحدد في الخطاب وتسليمه عند الطلب الأول لذلك المبلغ. ولا يجوز للمستفيد التنازل عن حقه كما هو منصوص عليه من قبل البنك والمسجل في خطاب الضمان ما لم يوافق البنك والعميل. يتميز نهج خطاب الضمان المصرفي أيضا بميزة منع البنك من رفض دفع المبلغ المتفق عليه خلال الفترة التي يكون فيها الخطاب سارِيا، حتى لو طلب المستفيد ذلك. وهذا هو محك المسؤولية القانونية الخاصة بخطاب الضمان المصرفي. ويجب على البنوك والعاملين في المهنة المصرفية الالتزام التام بهذه المسؤولية ذات الفائدة العامة.
المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب
المؤسس والمدير التنفيذي
ع\ شركة د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.م البحرين \ دبي