الخميس 30 نوفمبر 2023
سبق أن تناولنا هذه الاتفاقية “اتفاقية آيسدا” ببعض الشرح، وهذه الاتفاقية تعتبر من أهم الاتفاقيات المالية المحاسبية المبرمة في ما بين البنوك مع بعضها البعض أو فيما بين البنوك والعملاء. والاتفاقية قد تكون بين طرفين في مكان واحد ذي عملة واحدة وفي هذه الحالة تسمي اتفاقية العملة الواحدة، أو قد تكون في أمكان مختلفة و ذات عملات متعددة وفي هذه الحالة تسمي اتفاقية العملات المتعددة.
واتفاقية “آيسدا” الرئيسية صادرة من الجمعية الدولية لمبادلة المشتقات منذ ثمانينات القرن الماضي وخضعت لتعديلات عديدة خاصة بعد الهزات والأزمات المالية التي تعرضت لها البنوك العالمية، وبطبيعة الحال، مع كل أزمة مالية مصرفية تظهر ممارسات أو إخفاقات تتطلب النظر في كيفية تجاوزها ومن مثل هذا الوضع المستجد تأتي المقترحات والتعديلات للاتفاقية.
وتم مناقشة الاتفاقية الرئيسية في عدة قضايا حساسة خاصة بعد الافلاسات الكبيرة، ومن واقع هذه القضايا العديدة تم اختبار هذه اتفاقية (آيسدا) حيث تم الإجماع علي ضرورة التقيد بالبنود الواردة في الاتفاقية وأخذها مع بعض البعض ككتلة واحدة لا تتجزأ وعلى كل طرف التقيد بأحكام الالتزامات المترتبة عليه بموجب الاتفاقية ككتلة واحدة. ومن الجدير بالذكر، أن بعض عملاء البنوك افادوا بأنها قامت باستغلالهم وعدم توضيح كل المخاطر المترتبة على الاتفاقية وأنهم كعملاء ربما لا يتم تصنيفهم في إطار الجهات “المؤهلة” فنيا للدخول في متاهات هذه الاتفاقية بكل تعقيداتها المالية والمحاسبية. والعملاء من غير المتخصصين ممن يعرفون ب “الانستتيوشنال انفسترز”، وبعدم تخصصهم يقعون في طائلة ممن لا يجوز على البنوك إقحامهم في اتفاقية الآيسدا ومتاهاتها الفنية المعقدة.
ومن هنا يجب على كافة البنوك الحذر عند عرض هذه الاتفاقية على العملاء، وفي نفس الوقت على البنوك التأكد من تبيان كل التفاصيل الضرورية لهؤلاء العملاء وتوضيح كل المخاطر المرتبطة بالتطبيق خاصة أن هذه التعاملات المالية ذات طبيعة متقلبة وكذا ذات مخاطر عالية… وربما يكون من الأجدر توجيه العملاء بالحصول على استشارات فنية محاسبية قانونية قبل توقيع الاتفاقية. والممارسات المصرفية السليمة الآن، اضافة لمعايير الحوكمة، تتطلب الافصاح والشفافية الكاملة في مثل هذا النوع من المعاملات المصرفية المتطورة.
عند اتفاق الأطراف علي اتفاقية “الآيسدا” الرئيسية يجدون هناك “جداول” ملحقة بالاتفاقية الرئيسية يتم توقيعها بين الطرفين المتعاقدين وفي الجداول يتم النص صراحة على أي من بنود الاتفاقية ينطبق على الطرف الأول وأي من بنود الاتفاقية ينطبق على الطرف الثاني أو ينطبق علي الطرفين معا. وكل هذه التفاصيل المطلوبة تمثل البنود التي يتم الاتفاق عليها بعد العديد من المشاورات والمناقشات بين الأطراف المتعاقدة. وهذه المرحلة هامة جدا لأنها تتضمن التزام كل طرف و قناعته على حدة وفق ما هو مبين في الجداول المرفقة والموقع عليها. ومن النقاط القانونية الهامة جدا التي يجب الاتفاق عليها صراحة، وفق كل حالة، اختيار القانون الواجب التطبيق وتوضيح المحاكم المتمتعة بالاختصاص القضائي وتفاصيل التحكيم من حيث اختيار مركز التحكيم ومكان التحكيم وهيئة التحكيم وكل ما يرتبط بعملها. ومن النقاط القانونية الواجبة التوضيح، أن كل العمليات المختلفة التي تحدث بين الأطراف تعامل كاتفاقية واحدة تحت مظلة اتفاقية “آيسدا” الرئيسية، هذا للعلم لأن الأطراف قد تدخل في عمليات متعددة مختلفة. وهناك التزامات توضيحية وتعهدات يلتزم بها كل طرف تبين أنه مؤسس ومنشأ بموجب القانون وأنه يملك الصلاحية للدخول في الاتفاقية، وأن هذا الدخول لا يعتبر مخالفا للقانون ولا ينتج عنه تضارب مصالح، وأن الأطراف الموقعة لها صلاحية التوقيع، وأن القوانين المحلية لا تمنع من الدخول في الاتفاقية الرئيسة، وأنه يلتزم بتقديم كل الوثائق أو المستندات الضرورية التي يطلبها الطرف الثاني، كما أنه قد حصل علي الموافقات الحكومية أو غيرها إذا تطلب الأمر ذلك. كما يفيد بعدم وجود قضايا أو إجراءات قانونية ضده قد تؤثر على سير الاتفاقية، وربما يكون هناك حاجة لإصدار تعهدات إضافية كالالتزام بدفع فرق العملة إذا حدث هذا بين صدور الحكم القضائي وتاريخ السداد، وتعهدات بالتنازل عن الحصانة القانونية وحق السيادة. وهكذا من الأمور الأخرى التي تتطلب التوضيح لتفادي الجهالة وعدم الوضوح.
من الأحكام الهامة في اتفاقية “آيسدا” تلك التي تتناول “حالات الإخفاق أو الفشل في التنفيذ وحالات إنهاء الاتفاقية” ومن هذه الحالات مثلا الفشل في السداد أو التسليم في التاريخ المتفق عليه أو فشل أحد الأطراف في تنفيذ أي اتفاقية أو التزام أو خلافه… إذا لم يتم معالجة الوضع خلال فترة 30 يوما من تاريخ إرسال الإنذار المعني بسبب الإخفاق… ومن حالات إنهاء الاتفاقية مثلا مخالفة القانون أو حدوث ظرف قاهر أو إنهاء الاتفاقية بسبب الفشل في التنفيذ… وعمليا تحدث خلافات بين الأطراف عند حدوث مثل هذه الأمور في الواقع و ذلك لتباين المواقف بين الأطراف، ولذا من الأصوب الوصول إلي تفاهم تام لموقف كل طرف أثناء مناقشة الاتفاقية لتجنب الانزلاق في ردهات المحاكم أو مراكز التحكيم خاصة وأننا لاحظنا أن المحاكم في هذه القضايا تميل إلي التقيد التام بحرفية نصوص الأحكام الواردة في الاتفاقية.
ولا بد من الإشارة إلي أنه وبالنسبة للعمليات المصرفية الإسلامية فقد تم توقيع اتفاقية “التحوط الرئيسية” بين السوق المالية الإسلامية الدولية و “آيسدا”، وهذا الأمر ضروري ويسير مع التطورات المطلوبة، لأنه سيشكل دفعة للعمليات المصرفية الإسلامية ومنتجاتها. و بصفة عامة فان اتفاقية التحوط الرئيسية مشابهة لنموذج آيسدا ، مع الفرق في أن تطبيقها يتم في كل مكان وفق مبادئ الشريعة وفي منتجات الصيرفة الإسلامية، و ربما يتم تطوير هذا العمل مع ما يطرأ من تطورات وفق الممارسة العملية. وهكذا تتطور الصناعة المصرفية لتقوم بدورها الريادي.
المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب
المؤسس والمدير التنفيذي
ع \ شركة د. عبد القادر ورسمه للاستشارات البحرين \ دبي