2018 جريدة عمان تكنولوجيا تقنية البلوكشين وضرورة التقنين

عبد القادر ورسمه للاستشارات

البلوكشين “بلوك شين”، أو سلسلة الكتل، هي ثورة تقنية حقيقية بدأت أولا في عالم التداول المالي. ولكن هذه التقنية الآن تتجاوز ذلك لتكون تكنولوجيا تقنية شاملة يمكن الاعتماد عليها لإنشاء نظام متكامل للعديد من المعاملات اليومية التي نحتاج اليها كاستخدامنا المتواصل مثلا للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.   

Asia 728x90

ان تكنلوجيا تقنية البلوكشين، في نظرنا، ابتكار تقني مؤثر ويستحق الاهتمام منا، فما هذه التكنولوجيا؟ ان تكنولوجيا البلوكشين “بلوك شين” تمثل تكنولوجيا برمجية جديدة كليا، ظهرت حديثا في خضم التطور التقني والافكار الابداعية الجريئة. وتقوم هذه التكنولوجيا علي نظام الند للند “رأس برأس”، أي أنه يتم اجراء المعاملات بين مستخدمي هذه التكنولوجيا مباشرة بدون وسيط. وهي تكنولوجيا غير مركزية ولا يوجد من يتحكم في العمليات التي تتم من خلالها. وخير مثال، عدم وجود أي هيئات حكومية، حتي الآن، للسيطرة علي مجريات الامور بهذه التكنولوجيا الحديثة. وفي هذا نشير لنشاط العملات الافتراضية والكريبتوكرانسي والبتكوين وغيرها من مئات الآلاف من العملات الرقمية التي يجري تداولها بعيدا ومن دون رقابة البنوك المركزية في الغالبية العظمي لدول العالم.    

وهنا تظهر عدة نقاط ومسائل قانونية معقدة تحتاج للتشريعات الحديثة التي تتناول مدي قانونية هذه المعاملات الأثيرية في الفضاء السيبراني العريض، وما يترتب علي استخدام التقنية، ومدي حقوق الأطراف المتعاملة، وغيره من النقاط القانونية والاجرائية الهامة. وهنا معضلة، لأن التقنية الحديثة دائما تضع القانون في “محك” خطير الأبعاد لأنها سريعة ومتسارعة الخطي وهي تنمو نظير أفكار ابداعية فورية وتسبق كل آليات المجتمع السائدة والمتعارف عليها.

أن تكنولوجيا البلوكشين، عمليا، تتم عبر عملية تشفيريه “سايفر” وهذا يعني أن البيانات التي يتم تناقلها أو الأموال التي يتم تداولها عبر هذه التكنولوجيا الحديثة تكون مجهولة (غير معروفة) المصدر. وللتوضيح مثلا اذا قامت شركة أو شخص بإرسال عملات افتراضية لجهة أخري عبر تقنية البلوكشين، لا يمكن معرفة الجهات التي قامت بهذه العملية لأن الأطراف من مرسل ومستقبل في نظام البلوك شين يظهرون في شكل رقمي أو ” كود”. ان التعامل مع هذه التقنية الحديثة يتطلب استخدام أنظمة حديثة “السوفت وير”، وفي نفس الوقت فانه أيضا يتطلب وجود أنواع معينة من الأجهزة “الهارد وير” ذات المواصفات العالية الجودة والفائقة السرعة. وكذلك، لا بد من الاستعداد الفني لاستخدام هذه التقنية كما يجب علي الجميع التجهيز والاستعداد القانوني عبر اصدار التشريعات التي تتعامل مع هذه التقنية التي يلجأ لها الكثيرون انطلاقا مما يحدث حولهم عبر الأثير الذي لا يعرف الحدود..

ما دعاني لتناول هذا الموضوع الهام، أن الكثير من الأطراف والجهات تعتقد جازمة بأن تكنولوجيا البلوكشين تنحصر فقط في تداول العملات الرقمية الافتراضية. نعم، ومن دون شك فان البلوكشين ساعد في التوسع في استحداث العملات الرقمية الافتراضية حتي وصلت الي مئات الآلاف من العملات. ولكن نقول، أنه من الواضح تماما أن هذه التقنية والثورة الحديثة مفتوحة ومتشعبة الأبعاد وبالتالي فإنها تتجاوز الحصر في استخدامها في العملات الرقمية الافتراضية وامكانية استخدامها في مجالات لا حصر لها، اذا عرفنا كيفية التطبيق والتنفيذ السليم. ولذا، فان نظام البلوكشين يمكن استخدامه بلا حدود، وهناك من يري أن البلوكشين يمكن تطبيقه كنظام بديل او موازي لفكرة الانترنت بشكل عام.

ان أنظمة البلوك شين، كما ذكرنا، تمثل نظام لامركزي فليس هناك شخص او مؤسسة يمتلكها. وحفظ حقوق الاشخاص في امتلاكهم عملات افتراضية مثلا يتحدد من خلال تسجيل المعاملات علي مئات الآلاف من الحواسيب حول العالم. والمستخدم هنا هو مجرد “كود” رقمي علي النظام ويمكن للشخص الآخر المستخدم للنظام، ان يعرف أن الكود “أ” قام بعملية تحويل للكود “ب”. وهذه العملية غير قابلة للتلاعب لأنها محفوظة في سلسلة الكتل في الآلاف من الاجهزة. وأي شخص يمتلك بيانات الدخول الخاصة بالكود (ٍس) مثلا فانه يعتبر مالك لهذا الكود بشهادة الآلاف من الحواسيب حول العالم. وهذه الميكانيكية التقنية هي التي تحدد الفارق بين تكنولوجيا البلوكشين الجديدة وغيرها من الانظمة الأخرى التقليدية.

عبر عمليات البلوكشين، يمكن تطوير العلاج والخدمات الصحية لتوفر البيانات الطبية، تحويل الفلوس والتعاقد والاقتراض بعيدا عن البنوك، التعامل في بيع الأسهم والسندات بعيدا عن الأسواق المالية، تحديث عمل الشركات وتطوير عملياتها الداخلية والخارجية عبر هيكلة البلوكشين وهذا سيجعل الشركات النشطة في هذا المجال تصل للصدارة والتوسع، الاتفاق علي ابرام مختلف أنواع العقود، شراء المستلزمات نظير توفر المعلومات والبيانات الموثوقة عن مكان البضائع وتاريخ انتاجها وصلاحيتها وكمياتها، وغيره وهكذا يمكن الاستفادة الشخصية والمؤسسية من هذه التقنية التي أصبحت متوفرة لحد كبير.

ونخلص الي ان الاستخدام الحالي لتقنية البلوكشين، ما هو الا عبارة عن رأس الجليد “آيس بيرق”، لأن التقنية التكنولوجية واسعة بلا حدود،  وما زالت كامنة تحت البحر. وهذه التقنية قادمة بسرعة لأن هناك من يبدع في سبر أغوارها، وهي واقع بلا محال وستغطي كل أركان العالم “شئنا أو أبينا”. ولذا، فلننفض رؤوسنا من الرمال ونبدأ في مواجهة القادم المجهول الأبعاد. ومن أهم الأسلحة المطلوبة، ضمن غيرها، سن القوانين والتشريعات ولنجعل سنونها حادة لقضم الغث الظاهر وترك المفيد لإحداث التطور الطبيعي في حياتنا التي أصبحت “حياة تقنية” عبر كبس الأزرار أمامنا. ولنبدأ من الآن لجعل هذه الحياة الجديدة مفيدة لنا ولكل المجتمع.  

د. عبد القادر ورسمه غالب

المؤسس والمستشار القانوني الرئيس

ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات

المنامة – المنطقة الدبلوماسية – برج الدبلومات

الطابق 4 – الشقة # 45